خدمة الجالية بحسّ الأمومة وروح الدبلوماسية
عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
من ثانوية حسن كامل الصباح وكلية العلوم الإدارية والسياسية في الجامعة اللبنانية إلى ولوج السلك الدبلوماسي ارتقاءً إلى منصب قنصل لبنان العام في ديترويت، حملت سوزان موزي ياسين معها ديناميكية العقل اللبناني المثقف وتواضع ونخوة أهل القرى ممزوجة بحسّ الأمومة وحبّ العطاء، فتألقت بحضورها اللافت منذ توليها مسؤولياتها مطلع العام الماضي، كأول امرأة تتبوأ هذا المنصب الديبلوماسي الرفيع للإشراف على خدمة أبناء الجالية اللبنانية في ميشيغن و13 ولاية أخرى في الغرب الأوسط الأميركي.
رافقت القنصل العام موزي ياسين «صدى الوطن» في جولة على أقسام القنصلية بمقرها الجديد في مدينة ساوثفيلد (شمال ديترويت)، مبدية كل الحرص على التعريف بجميع موظفي البعثة فرداً فرداً والثناء على جهودهم.
وإلى جانب القنصل العام تضم بعثة ديترويت تسعة موظفين آخرين هم: نهى فقيه سكرتيرة رئيس البعثة، عايدة بزي الموظفة المعنية بتجديد جوازات السفر والتأشيرات، محمد حمود الموظف المعني بطلبات جوازات السفر الجديدة، جنان نقولا الموظفة المعنية بتسجيل الوقوعات الشخصية (زواج، طلاق، وفاة، ولادة، اكتساب أواستعادة الجنسية اللبنانية)، سمر مغنية الموظفة المعنية بتنظيم الوكالات، أحمد رحيل موظف قسم الاستقبال، حسن صبح الموظف المعني بتسجيل كافة المعاملات وتنظيم الإيصالات بالرسوم القنصلية، ماغي نهرا الموظفة المعنية بتنظيم محاضر نقل الجثامين ومحاضر نقل الأثاث ومصادقة المعاملات التجارية والوكالات الواردة عبر البريد ومتابعة ملفات الترحيل، وأمل بري مسؤولة قسم المحاسبة.
تثني موزي ياسين على عمل فريقها الذي يخدم الجالية الأكبر لبنانياً على صعيد العالم، موضحة أن عمل القنصلية لا يقتصر فقط على إجراء المعاملات الرسمية، بل يتعدى ذلك إلى تنظيم النشاطات الثقافية والاجتماعية وتفعيل الحضور الاقتصادي الاغترابي وربط أواصر التعاون ما بين الجالية والوطن الأم، وهذا بالضبط ما سعت القنصل العام إلى تحقيقه منذ توليها المنصب، حيث حرصت سعادتها على الاستفادة من رحابة مكاتب القنصلية العامة لجعلها مركزاً لإقامة الحوارات والمحاضرات والندوات وورش العمل، والتي كان آخرها معرض خاص حول الصحافة المهجرية والرابطة القلمية.
رصدنا –أثناء الجولة– لائحة بأسماء القناصل المتعاقبين على رئاسة البعثة، والتي حلت فيها موزي ياسين في المرتبة السادسة عشر تسلسلاً، وكأول امرأة تتولى المنصب منذ تأسيس بعثة لبنان لولايات الغرب الأوسط الأميركي عام 1964.
«صدى الوطن» استكملت اللقاء بحوار أجراه الزميل عباس الحاج أحمد مع القنصل العام، التي رغم حملها الذي دخل مراحله الأخيرة، تواظب على عملها بنشاط مفعم بالأمومة والدبلوماسية، مُنسقة ما بين عائلتها الصغيرة وجاليتها الكبيرة.
– ما هي المحطات الأساسية في مسيرتك المهنية؟
– تخرجت من ثانوية حسن كامل الصباح في النبطية، قبل أن أنتسب لكلية العلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية، محصلة الإجازة من صيدا والماجستير من بيروت. انضممت إلى سلك الخارجية عام 2008 بعد إجراء امتحانات خاصة بمجلس الخدمة المدنية عام 2006. تنقلت بين عدة مديريات في وزارة الخارجية، حيث ترأست بالوكالة دائرة القنصلية ودائرة الأجانب، وأيضاً مكتب الصحافة والإعلام بعهد الوزير عدنان منصور. قمت بمهمات قصيرة إلى الخارج كانت أبرزها في إيران وبولونيا، قبل أن أتعين بمركز سكرتير أول ونائب رئيس بعثة السفارة اللبنانية في لاهاي–هولندا وعضو مساعد للبعثة بمنظمة حظر السلاح الكيميائي في لاهاي. ومن ثم استلمت مركز قائم أعمال بالوكالة بالسفارة اللبنانية في بلغاريا لمدة ثلاث سنوات إلى حين تعييني الحالي بمركز القنصل العام اللبناني في ولايات الغرب الأوسط الأميركي.
– «إن العالم كتاب، ومن لم يعش إلا في مكان واحد، فإنه لم يقرأ إلا صفحة واحدة» (القديس أوغسطين)، كيف توازنين بين واجباتك العائلية وعملك الدبلوماسي. وما هو تأثير التنقل الدائم؟
– تفرض طبيعة العمل الدبلوماسي تحديات غير اعتيادية أمام المرأة، لا سيما إذا جمعت ما بين الأمومة وتربية الأولاد والعمل. فالتنقل الدائم يؤثر على استقرار العائلة ولكنه يُغني شخصية الطفل وينمي قدراته الاجتماعية وقدرته على التأقلم مع مختلف الظروف فيكون أكثر انفتاحاً على مختلف الثقافات. لذلك أعتبر التنقل الدائم نقطة إيجابية وليست سلبية. أوازن الآن ما بين عملي الدبلوماسي والعائلي. وقبل أن أقبل بأي عمل دبلوماسي خارجي لي، أقوم بدراسة مدى مناسبته لعائلتي، مناخياً دراسياً وصحياً. فأنا الآن حامل، وعلي واجباتي الدبلوماسية والتزاماتي المهنية. لكن حملي لم يؤثر قط على نشاطي. لدي ابنة وابن، جولي تبلغ سبع سنوات وجاد أربع سنوات وحالياً ننتظر صوفيا.
وكما ذكرت أوافق تماماً على قول القديس أوغسطين. فالتنقل الدائم يبقيك بحالة يقظة وتفاعل دائم مع المحيط المُتجدد. تكتسب معرفة ومهارات وخبرات وتُراكم صداقات مُتنوعة من مختلف الثقافات وهذا مكسب كبير لي ولعائلتي.
– للمغتربين دور في بناء الوطن من الخارج وتقديم صورة حضارية عنه أمام العالم… كيف تقيّمين نجاح اللبنانيين؟ وهل للقنصلية دور في هذا الإطار؟
– العقلية اللبنانية مرنة، متأقلمة وطموحة. وإذا أردت التحدث بكل صدق وأمانة عن أبناء الجالية… سأقول إنهم طاقة كبيرة يتشرف لبنان بحضورهم المتنوع والفعال، وطموحهم المتوقد وعزيمتهم المتجددة. أفتخر كثيراً بنجاحات الجالية وأرى فيها أوسمة على صدر الوطن. وهذه النجاحات لها وظيفة أساسية في خدمة لبنان وأتمنى تضافر وتكاتف هذه الطاقات لتشكيل قوة ضغط لخدمة الجالية وتطويرالعلاقات اللبنانية الأميركية.
فعند ذكرنا للمغتربين، أول ما يتبادر إلى الذهن التحويلات المالية، والتي قدرها البنك الدولي بحوالي 14.5 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي للبنان، أو ما يعادل 8 مليار دولار سنوياً. لكن دور المغترب أوسع وأشمل. فبمقاربة عادلة ومنصفة، إن المغترب هو رسول الوطن في المهجر وامتداد لثقافته وحضارته وكل نجاح لمغترب هو نجاح للوطن. فالمغتربون هم رأسمال بشري ومادي… كما بات لهم دور أكبر على الصعيد السياسي، فمشاركتهم في الانتخابات أتاحت لهم التعبير عن خياراتهم في صناعة القرار.
في المقابل، يتجلى دور البعثات الدبلوماسية بداية بالمادة الثالثة لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) والتي تشمل السفراء والقناصل بتمثيل وحماية مصالح الدولة الموفدة ورعاياها في الدولة المضيفة والعمل على رعاية شؤون المغتربين وتمتين علاقات الصداقة والتعاون بمختلف المجالات. وبالتالي لا تعتبر البعثة الدبلوماسية وحدة وظيفية يقتصر دورها على إنجاز المعاملات والأمور التقنية بل يمتد إلى رعاية شؤون المغتربين، معالجة مشاكلهم، احتضانهم وتشجيعهم على وحدة الصف والتلاقي باسم الوطن إلى جانب الاعتزاز بهويتهم الثقافية وإنشاء شراكة اغترابية مع الوحدة الدبلوماسية. وعلى الصعيد الثقافي والاقتصادي وضعنا هذا العام أجندة حافلة بالأنشطة. بدأت بمدينة كليفلاند في ولاية أوهايو ضمن حملة للترويج للنبيذ اللبناني. فهو منتج يتميز به لبنان ويتم تصديره بنوعية جيدة جداً ولكنه يحتاج إلى تسويق عالمي أكثر. تواصلنا مع اتحاد منتجي النبيذ في لبنان وقاموا بتأمين المواد. وقدم السيد فادي شمعون مشكوراً، مطعمه في كليفلاند لاستقبال حفل تذوق النبيذ اللبناني بدعوة شملت المختصين وأصحاب المتاجر يوم 7 آذار الماضي. وفي شهر نيسان نظمنا مهرجان الفيلم اللبناني في ميشيغن، ومعرضاً للحرف اليدوية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية ففي الوقت الذي نرى فيه المنتجات اليدوية التراثية مهددة في عصرنا الحالي قررنا إقامة المعرض المتنقل من منطلق إحساسنا بالمسؤولية تجاه هذا القطاع. وسينتقل المعرض في شهر تموز المقبل إلى ولاية أوهايو ثم إلى ولايات أخرى في الأشهر القادمة.
كذلك أقمنا معرضاً عن تاريخ الصحافة المهجرية في الولايات المتحدة يوم 12 نيسان، وكان لنا شرف استضافة «صدى الوطن» كامتداد للصحافة التي ما زالت محافظة على رصيدها من التميز والموضوعية بالنسبة للجالية العربية ككل وليس فقط اللبنانية. وهو معرض لقي أصداء إيجابية جداً وسينتقل أيضاً إلى ولايات أخرى.
ولا بد من الاشارة أيضاً إلى مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي يعقد سنويا ًبرعاية وزارة الخارجية والمغتربين، حيث يُعد منصة للاحتفاء بقصص نجاح الاغتراب وتمتين الروابط بين المغتربين أنفسهم وبينهم وبين الوطن الأم، إضافة إلى استطلاع فرص خدمة لبنان.
– رسالة أخيرة إلى الجالية…
– نحن ندعو دائماً الجالية للحفاظ على وحدة الصف وتوثيق الصلة بالوطن وشؤونه العامة وصناعة القرار فيه. كما ندعوهم للاندماج الراقي والمتفاعل مع المجتمع المحلي. ولدي رجاء شخصي لمنح جيل الشباب كل الاهتمام اللازم، فرهاننا عليهم وأملنا كبير بهم لتحقيق مستقبل واعد لجاليتنا.
Leave a Reply