عماد مرمل – «صدى الوطن»
يمكن لزائر دمشق هذه الأيام أن يلحظ بوضوح، التحول الكبير الذي طرأ على المشهد العام، قياساً إلى ما كان عليه في عز الأزمة. الشعور بتحقيق الانتصار على «المؤامرة الكونية» يسود القيادة السياسية وشريحة واسعة من الشعب، على الرغم من استمرار وجود بعض «البؤر» خارج سلطة الدولة، خصوصاً في إدلب وشرق الفرات، مع الإشارة إلى حرص دمشق الواضح على الإشادة بدور الأصدقاء والحلفاء في دعم الصمود السوري خلال السنوات الماضية.
لكن، يبدو أن سورياً المنتصرة عسكرياً في مواجهة الإرهاب، تواجه الآن تحدياً آخر لا يقل دقة وصعوبة، يتصل بالوضع الاقتصادي الصعب الناتج عن تداعيات الحرب من جهة وعن الإجراءات العقابية التي اتخذتها دول معادية لدمشق من جهة أخرى، كأن ما ربحته سوريا في الحرب الميدانية يراد لها أن تخسره في الحرب الاقتصادية.
ويتخذ الضغط الاقتصادي المتفاقم أشكالاً عدة، ترتبط بظهور أزمات معيشية من وقت إلى آخر خصوصاً على مستوى انقطاع الغاز حيناً والتقنين الكهربائي حيناً آخر، إضافة إلى الغلاء وتداعيات هبوط قيمة سعر الليرة السورية من دون أن يقابله ارتفاع في الأجور.
ومن المفارقات الغريبة التي يمكن التقاطها، تسرب بضائع تركية إلى الأسواق السورية، على الرغم من العداء الحاد المستحكم بين دمشق وأنقرة، ومشاعر الغضب الشديد التي يكنّها السوريون تجاه الرئيس طيب رجب أردوغان.
كما أن الشكوى من تفاقم بعض مظاهر الفساد ترتفع في بعض الأوساط الشعبية التي كانت تتوقع أن تفرض التضحيات سقوط الأنماط السابقة في إدارة الدولة وتعزيز الوجهة نحو الإصلاح. تعرف القيادة السورية جيداً هذا الواقع الذي يشكو منه السوريون، وهي تحاول التصدي له وتداركه، عبر معركة مكافحة الفساد التي أطلقها الرئيس بشار الأسد، لكن يبدو أن نتائجها لن تكون فورية أو عاجلة، ولعلها ستكون أصعب من المعارك التي خيضت ضد الجماعات الإرهابية وحققت فيها سوريا انتصارات ساحقة وواضحة.
والى جانب هذا التحدي الداخلي، تبقى عيون القيادة السورية مفتوحة في الوقت ذاته على التهديدات الاستراتيجية الداهمة والتي كان آخرها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. وعلى الرغم من المقدار الكبير من الاستفزاز والعنجهية في الموقف الأميركي المخالف للقرارات الدولية وميثاق الأمم المتحدة، إلا أن دمشق تبدو واثقة في عدم قدرته على تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا وعلى تبديل هوية الجولان السورية، بل إنها واثقة ايضاً في أن الجولان سيتحرر مهما طال الانتظار.
مصدر سوري
يؤكد مصدر سوري رفيع أن إعلان ترامب لا قيمة سياسية أو قانونية له وهو يكاد لا يساوي الحبر الذي وُقّع به، مشيراً إلى أن ردود الفعل الدولية المنددة بموقف الرئيس الأميركي، حتى من دول معادية لنا، أظهرت أن ترامب موجود في عزلة وان أحداً في العالم لا يستطيع أن يجاريه سوى شريكه في التهور بنيامين نتنياهو.
ويلفت المصدر إلى أن توقيع ترامب «لن يقدم ولن يؤخر» حين تدق ساعة تحرير الجولان، بكل الوسائل الممكنة، موضحاً أن دمشق مصممة على تحويل التهديد فرصة، ولافتاً إلى أن المبادرة العربية للسلام باتت أقرب إلى «جثة سياسية»، والسلوك الأميركي–الإسرائيلي يُبين أنه ما من مستقبل لها.
ويعتبر المصدر أن نقطة الضعف الأساسية في الوضع العربي تكمن في خنوع بعض الأنظمة وهرولتها نحو التطبيع العلني والمجاني مع العدو الإسرائيلي، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الواقع المترهل هو الذي يشجع ترامب على مغامراته الهوجاء سواء لجهة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس أو لجهة الاعتراف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان. ويشدد المصدر على أن دمشق مصممة على تحرير الأراضي السورية التي تخضع إلى الاحتلال سواء من قبل الإسرائيلي أو الأميركي أو التركي، لافتاً إلى أن المسألة هي مسألة وقت وصبر.
ويؤكد المصدر السوري أن دمشق ترفض الانصياع إلى أي شروط مقابل استعادة مقعدها في الجامعة العربية، بل إن سوريا المنتصرة هي التي تفرض الشروط، علماً أن الجامعة لم تفعل شيئاً منذ تأسيسها وبالتالي لا أسف على الغياب عنها، موضحاً أنه وبعد معاودة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً فتح سفارتها في دمشق، «لم تطلب أية دولة عربية أخرى قطعت علاقتها الدبلوماسية معنا، استئنافها مجدداً».
ويشير المصدر إلى أن الحل السياسي النهائي في سوريا يجب أن يكون منسجماً مع إرادة الشعب السوري الذي قدم أغلى التحضيات دفاعاً عن الوطن، وبالتأكيد ليس مع مصالح نزلاء الفنادق الفاخرة الذين تُطلق عليهم تسمية معارضين.
Leave a Reply