في 22 أذار (مارس) المقبل، تحتفل «صدى الوطن» بذكرى تأسيسها الـ35 في «نادي بنت جبيل» بديربورن، وهي أشد التزاماً ووفاء للشعار الذي رفعته منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها، بأن تكون «صوت العرب في أميركا الشمالية»، وأن تكون –أيضاً– صوت العرب في أوطانهم الأم.
35 عاماً.. مسيرة طويلة وشاقة، لكنها كانت تستحق المجازفة والمخاطرة، منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها في 1984 حيث لا وجود للصوت العربي في الولايات المتحدة. 35 عاماً.. أسفرت عن نتائج باهرة، أصبحت معها «صدى الوطن» توأم الجالية العربية الأميركية.
لقد غدت حقيقة لا يمكن دحضها، بأن «صدى الوطن» بزغت في حضن الجالية العربية وعقلها، وحملت قضاياها وأحلامها وآلامها، فكبرا معاً وحققا الكثير من النجاحات ضد التهميش والإهمال والإقصاء.
35 عاماً.. تغير خلالها الكثير الكثير في عالم الصحافة والثقافة والسياسة، وطالت المتغيرات الجارفة مجمل جوانب الحياة بنشاطاتها المختلفة. ولم تكن “صدى الوطن” –التي انطلقت بإمكانات مادية وتقنية محدودة– بمنأى عن تلك التحديات، لكنها تمكنت من الصمود والاستمرار في المشهد الإعلامي والسياسي في بلد يمتلك أضخم الترسانات الإعلامية في العالم، ونجحت في حماية الدور العربي وترسيخه وتمكينه اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، بولاية ميشيغن على وجه الخصوص.
لقد تمخصت الانتخابات الأخيرة، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عن انتصارات كاسحة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، بوصول أول عربيتين مسلمتين إلى مجلس النواب الأميركي عن ولايتي مينيسوتا وميشيغن، وهما إلهان عمر ورشيدة طليب، إضافة إلى تعيين المحامية فدوى حمود في منصب الاستئناف العام بولاية ميشيغن، وهي أول عربية ومسلمة تشغل هذا المنصب في الولايات المتحدة، وكذلك انتخاب المحامي نبيه عياد رئيساً لـ«هيئة سلطات مطارات مقاطعة وين»، كأول عربي أميركي يتسلم مثل هذا المنصب المرموق.
وعلى هامش الانتخابات الأخيرة، ظهرت حقائق جديدة باتت من المحال طمسها، وهي أن العرب الأميركيين في ولاية ميشيغن لم يعودوا رقماً انتخابياً صعباً فحسب، وإنما باتوا في صلب الحسابات السياسية في هذه الولاية. وأنصع دليل على ذلك، هو تعيين العديدين منهم في الفريق الانتقالي لكل من الحاكمة غريتشن ويتمر، والمدعي العام دانا نسل، وسكرتيرة الولاية جوسلين بنسون.
ويوم الاثنين الماضي، وافق مجلس ديربورن التربوي على تكريم المربي الراحل عماد فضل الله بتخليد اسمه في مدرستي «فوردسون» و«ستاوت»، ليضاف إنجاز جديد لـ«صدى الوطن» و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، اللتين نجحتا في وقت سابق بتسمية مدرستين باسمي ناشطين عربيين أميركيين، هما دون يونس ومايكل بري.
لقد نجحنا ونجح العرب والمسلمون الأميركيون في امتصاص تأثير الحملات الشرسة التي انطلقت في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، والتي ازدادت شراستها إعلامياً في أعقاب وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في 2016. ولكن ذلك لم يدفعنا إلى التقوقع والانسحاب من الحياة العامة، بل على العكس.. بتنا أكثر إصراراً على حماية حقوقنا المدنية والدستورية، وأكثر حماسة بالانخراط في الحياة العامة، عبر الانتخاب والترشح لمناصب القرار.
إن عقوداً من العمل والمثابرة في بلورة الثقل الانتخابي للعرب الأميركيين، باعتبار أن صناديق الاقتراع هي الطريق الوحيد لتحصين الوجود العربي وحماية مكتسباته وحقوقه، أثبتت بأن رهاننا على المشاركة السياسية كان خياراً صائباً، وأن لا بديل عنه في معركتنا الضارية لتحصيل حقوقنا المدنية والدستورية في الولايات المتحدة. في الأسبوع الماضي، نجحت النائبة إلهان عمر بالتصدي للأوساط اليمينية الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، مع إصدار الكونغرس الأميركي لقرار يدين «التمييز ضد المسلمين»، جنباً إلى جنب مع إدانة «معاداة السامية» وكراهية الأقليات، وبأغلبية 407 أصوات مقابل 23 صوتاً. وكانت عمر بين المصوتين لصالح القرار الذي رافقه الكثير من الجدل والانقسام بين أعضاء الكونغرس، والذي اقتصرت نسخته الأولى على إصدار قرار يدين «معاداة السامية»، ويتضمن الإشارة للنائبة الديمقراطية بالاسم.
وبالرغم من حزمة الإنجازات التي حققها العرب الأميركيون في الآونة الأخيرة، إلا أنه لا يزال أمامهم الكثير من الاستحقاقات التي تتطلب المزيد من الإصرار والمثابرة والتكاتف ووحدة الجاليات العربية التي ضربها التمزق والانقسام على خلفية ما يحدث من تشرذم في العالم العربي.
وعلى التوازي، مايزال أمامنا –في «صدى الوطن»– الكثير من الاستحقاقات في المشهد الإعلامي العاصف بشتى أنواع المتغيرات والمنعطفات، خاصة مع ما أفرزته الثورة المعلوماتية من إمكانات ومفاهيم، حيث بات «كل مواطن صحفياً»، وإن كان بطريقة تثير السخرية والاستهجان في بعض الأحيان.
من هذا المنطلق، بادرنا مع مطلع العام الحالي إلى بذل مزيد من الجهود على صفحات الجريدة بمواقع التواصل الاجتماعي، وأطلقنا برنامجاً مصوراً يُبث كل ثلاثاء، لمناقشة قضايا الساعة والإضاءة على المواضيع التي تهم أبناء جاليتنا العربية الأميركية، استجابة للمتغيرات التي فرضتها السوشال ميديا.
35 عاماً.. خاضت خلالها الصحيفة، الكثير من المعارك الصغيرة والكبيرة لإنجاز مهمتها ودورها الذي ولدت لتأديته، فنجحت بجدارة في رفض قمقم التعصب والعنصرية والتبعية، محافظة على استقلاليتها ومصداقيتها ومهنيتها. وما كان ذلك النجاح ليتحقق بمعزل عن المجتمع العربي الأميركي، تحديداً في منطقة مترو ديترويت ودعمهم الثابت والمستمر، عبر العقود المتتالية.
لأبناء هذا المجتمع، نتقدم بأسمى آيات الشكر والعرفان على دعمهم والتفافهم حول الصحيفة والقضايا العربية، دون أن ننسى الفضل الكبير لأصحاب الأعمال التجارية الذين يواظبون على الإعلان على صفحات «صدى الوطن» ويشكلون سنداً لمسيرتها واستمراريتها.
ونحن على أعتاب الاحتفال بالذكرى السنوية الـ35، نعاهد القراء على الاستمرار في نهجنا والالتزام بشعارنا بأن نكون صوتاً صادقاً للعرب الأميركيين في أميركا الشمالية، لا تخيفنا التهديدات ولا تجبرنا التحديات على التخلي عن مبادئنا وقيمنا الأخلاقية والمهنية.
Leave a Reply