بليموث – ميشيغن
في الاسبوع الماضي أقدم رجل أميركي على قتل زوجته المريضة بعد ان القى بها من شرفة المنزل الواقع في الطابق الرابع والمطل على شارع تجاري مزدحم بالمارة في احدى مدن ولاية مونتانا.أعترف ستانلي ريمير البالغ من العمر واحداً وخمسين عاماً بجريمته لمحققي الشرطة، مبيناً انه أقدم على فعلته هذه لانه لم يعد قادراً على تحمل مصاريف التأمين الصحي لعلاج زوجته كرستي ريمير 74 عاماً المصابة بداء سرطان الرحم، والتي تصل تكاليف علاجها الى 3500 دولار في الشهر.
هذا الرجلُ الأميركي المحبط هو واحدُ من ملايين المواطنين العاملين الذين لاتسمح مداخليهم السنوية التي تتجاوز بقليل مستوى الفقر بالحصول على الرعاية الصحية المجانية لهم ولأفراد عائلاتهم، ولا يستطيعون بالتالي تحمل شراء تأمين من الشركات خاصة، ويصل عند بعضهم الأحباط الى اقتراف مثل هذه الجرائم ليخلصوا أنفسهم واحبائهم من متاعب الحياة اليومية القاسية.ما من انتخابات أميركية تجري، وما من منافسة بين الحزبين الرئيسين الجمهوري والديمقراطي على منصب الرئاسة الأميركية، او عضوية مجلس الشيوخ والنواب او حاكمية الولايات وغيرها، إلا وتكون التأميناتُ الصحية للمواطن الأميركي موضوعاً رئيسياً للحديث والنقاش وصراع المتنافسين للحصول على ثقة الناخب الأميركي الذي ما يزال ينتظر منذ عشرات السنين البت في عشرات الاقتراحات والتوصيات وحُزمة القوانين المقترحة الموضوعة أمام لجان مجلسي الشيوخ والنواب للموافقة عليها وتصديقها، لتمنح شعور الطمأنينة والأمان النفسي والجسدي لملايين الأميركين، وعائلاتهم وأطفالهم.في الوقت الحاضر يبلغ عدد الأميركين غير المؤمّنين صحياً 64 مليون مواطن يشكلون ما نسبتة 16 بالمئة من عدد السكان، فيما يتردد أكثر من ستة ملايين مواطن من أصحاب الدخل المتدني والمؤهلين للحصول على التأمينات الحكومية يترددون في التقدم للاستفادة من هذه البرامج لما تتضمنه أجراءات تعبئة الاستمارات من أسئلة واستفسارات شخصية، ويفضل هؤلاء المواطنون التضحية بعدم الحصول على التأمين.ويعاني ملايين الأميركين غير المشمولين بالتأمين الصحي او اولئك المؤمنون صحياً، لكن بطاقات التأمين لديهم لا تغطي الادوية العلاجية، فيعانون من عدم قدرتهم على تحمل تكاليف اسعار الأدوية المصنعة في الولايات المتحدة والتي تعـد أسعارها الأغلى في العالم، وتبيع كندا والمكسيك جارتا الولايات المتحدة الأدوية العلاجية بأسعار مخفضة جداً تجعل أكثر من عشرة ملايين أميركي يتوجهون الى كندا والمكسيك كل عام لشراء ما يحتاجونه من الأدوية من هذه الدول ومن خمس وعشرين دولة أخرى منها اسرائيل، الصين، وايطاليا. وقد أنفق المستهلك الأميركي ما يزيدُ على 750 مليون دولار على الوصفات الطبية من كندا فقط. وتعتبر السلطات الأميركية شراء الأدوية من كندا والمكسيك ودول أخرى ومن خلال الانترنت أمراً مخالفاً للقوانين الفيدرالية، لكنها تغض النظر عنها ما دامت للاستعمال الشخصي الذي لا يتجاوز التسعين يوماً. وتدعو جهات أميركية الى رفع القيود عن شراء الأدوية من دول اجنبية بالكميات التي يرغبها المستهلك وتثير هذه الدعوات جدلا في المجتمع الاميركي بين مؤيد ومعارض وتتركز وجهات نظر المعارضين على نقطة اساسية وهي نوعية هذه الادوية ومدى سلامتها وفعاليتها مقارنة بالأدوية الاميركية فيما يقول المؤيدون لحرية شراء الادوية من خارج الولايات المتحدة ، إن شركات الادوية العملاقة هي التي تضغط على صناع القرار في الكونغرس لمنع تمرير مثل هذه القوانين التي ستؤثر سلباً على مبيعاتها.وفي الوقت نفسه تنفق الحكومة الأميركية مئات الملايين من الدولارات على برامج لتأمينات صحية موجهة «للحالات الطارئة» للأستجابة لأحتياجات مرضى غير أميركين، من الزائرين او الطلبة الأجانب، او حتى اولئك الذين يتواجدون في الولايات الأميركية بصورة غير قانونية ومعظمهم من المكسيك يقدر عددهم باثني عشره مليون مهاجر غير شرعي.أحد برامج التأمينات الصحية الذي يثار حوله في الوقت الحاضر جدل كبير في ردهات الكونغرس بين ممثلي الحزبين الديمقراطي والجمهوري هو برنامج التأمين للأطفال الأقل حظاً والمسمى «برنامج شبكة الأمان» والممول من الحكومة الفيدرالية والذي يستفيد منه ملايين الأطفال والشبيبة التي تقل أعمارهم عن الـ18 عاماً من جميع الولايات ممن لا يتجاوز مدخول العائلة 14.300دولار سنوياً وهو ضعف الدخل السنوي المحدد لمستوى الفقر في الولايات المتحدة.وفي الوقت الذي يطالب فيه عدد من الديمقراطيين والجمهورين من اعضاء الكونغرس وآخرون مؤيدون لدعوات تأميم النظام الصحي الأميركي يطالبون بإضافة مخصصات لهذا البرنامج تصل الى خمسين مليار دولار يرفض اعضاء اخرون في الكونغروس من ديمقراطيين وجمهوريين وهيئات أميركية فعالة هذا الاقتراح بالزيادة لانه كما يقولون سيؤدي الى تغطية صحية حكومية لافراد وعائلات الطبقة الوسطى، وهي خطوة اولى نحو هدف يسعى هؤلاء الى تحقيقة في المستقبل وهو تأميم شامل لنظام التأمين الصحي الأميركي. ويقول الرئيس بوش أنه سيدعمُ ميزانية هذا البرنامج بمبلغ خمسة مليارات دولار فقط حين يحلّ موعد تجديده في نهاية ايلول (سبتمبر) القادم.لن يتغير نظام التأمين الصحي الأميركي في المدى المنظور، لأن القوى المناهضة للتغيير والتأميم لديها مخاوف حقيقية اهمها أن الدعم الحكومي الكامل للـتأمين الصحي الأميركي سيؤدي الى تراجع وتردي مستوى الرعاية الصحية الأميركية وقتل مبدأ التنافس الشريف الذي ارتقى بمستوى هذه الرعاية الى قمة الأبداع والمهارة والتفوق في العالم.ستانلي ريمر، هذا المواطن الأميركي البسيط والمحبط اراد حين أتخذ قرارَ انهاء حياة رفيقة دربه «زوجته» قبل ان يقتلها السرطان توجية رسالة، ربما صرخة، لن تعدو كونها صرخة مدوية في برية هذا العالم الذي مهما حاول الاقتراب من المثالية سيبقى بعيداً مسافات طويلة عنها.
Leave a Reply