علي منصور
عندما قرر ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة أواخر عام 2017 اتصل ببعض الرؤساء والملوك العرب قبيل الإعلان عن قراره المشؤوم ليعلمهم به. هذه المرّة لم يكلف نفسه حتى عناء الاتصال بهم، فقام بكل بساطة بتوقيع قراره معترفاً بالجولان المحتل جزءاً من أراضي الكيان الإسرائيلي.
وفي حين لقي قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي معارضة صورية من قبل أنظمة التطبيع العربي، إلا أنه لم تصدر أية إدانة أو معارضة حقيقية من قبل تلك الأنظمة بخصوص الجولان المحتل، حتى ليبدو وكأنه هناك تفاهم ضمني على كل تلك الخطوات التي تصب في مجرى «صفقة القرن» التي تصفي القضية الفلسطينية، وتسطو على الأراضي العربية، ليس فقط في فلسطين المحتلة، إنما في سوريا والأردن ولبنان.
وبالرغم من كل ما مثلته خطوة الرئيس الأميركي بنقل السفارة إلى القدس المحتلة والاعتراف العملي والإجرائي بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وما عنته من اعتداء سافر ووقح على حقوق الشعب الفلسطيني وعلى عموم العرب –مسلمين ومسيحيين وعلمانيين– وما عكسته من تحدٍ صلف لأبسط الحقوق المنصوص عليها في شرعة الأمم، والمخالفة الفجّة لقرارات الأمم المتحدة ولإرادة كل دول العالم، إلا أنها في المقابل عرّت الأنظمة العربية وكشفت زيف ادعاءاتها ومزاعمها بنصرة الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم.
كذلك فإن الاعتراف بضم الجولان للكيان الإسرائيلي، إضافة إلى ما تقدم، يثبت العدائية الأميركية تجاه القضايا العربية المحقة، ويسقّط أميركا نهائياً من خانة الوسيط المعروف أصلاً بانحيازه لتل أبيب، إلى خانة الخصم والعدو للشعبين السوري والفلسطيني بشكل فاضح وصارخ.
بدأت تتكشف التفاهمات والاتفاقات التي رعت ولادة «صفقة القرن» بالممارسة والتطبيق، وبالسياقات التي حكمت العالم العربي، منذ تولي ترامب سدة البيت الأبيض. فبعد انقلاب محمد بن سلمان على ابن عمه محمد بن نايف، ها هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحول الرئاسة المصرية إلى حكم أشبه بالملكي ويمدد لنفسه إلى ما شاء الله، أما الرئيس محمود عباس –المنتهية ولايته– فلا يزال على رأس السلطة الفلسطينية، والأردن بدأ باستيعاب الدرس بعد موجة الاحتجاجات التي كادت تطيح بالعرش الهاشمي، والإمارات ماضية بتدمير كل ما يقف بوجه توسعاتها التجارية والملاحية في المنطقة، فيما بات يعرف بـ«حرب الموانئ».
وبهذا، يشكل الثالوث العربي «بن سلمان–السيسي–بن زايد» رأس حربة صفقة القرن وضمانتها الفعلية. إلا أن الملفت والمؤسف هو ردة فعل فئة لا يستهان بها من الناس في الدول العربية، وبالأخص في سوريا –كونها المعنية الأساسية والمباشرة بقرار ترامب التعسفي بشأن الجولان– بتخدير أنفسهم بمقولة أن النظام السوري «باع» الجولان وسلّمه للدولة العبرية منذ عدوان 67، وغيرها من الروايات والادعاءات التي تدمي القلوب والعقول، فترى مواطنين عرباً وسوريين يقولون أن الاحتجاج على قرار ترامب بالاعتراف بضم الجولان لإسرائيل هو ترويج للنظام السوري!
كيف يستقيم هذا المنطق مع الانتماء الوطني، رغم تفهمنا للمعاناة التي لقيها الناقمون على النظام السوري؟ وكيف يتم التسليم والإقرار والتنازل عن أرض سورية عربية بسبب خلافات داخلية؟
إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وبالرغم من شراستها وحدة الخلافات بين أفرقائها، وبالرغم من اجتياح بيروت واحتلال أجزاء كبيرة من الجنوب اللبناني والبقاع الغربي، وبالرغم من وجود عملاء مع كيان الاحتلال، إلا أن أحداً لم يجرؤ على التنازل عن شبر واحد من الأراضي اللبنانية، بمن فيهم فصائل اليمين المسيحي المتطرف وقتها، وعلى رأسها حزب «الكتائب اللبنانية» وقائدها بشير الجميل.
الجميّل، الذي تصفه شرائح واسعة من اللبنانين والعرب بالخائن والعميل، أصر على تمسكه بـ10,452 كلم مربع، في إشارة إلى مساحة لبنان حتى آخر شبر، بالرغم من أن نظامه كان حينذاك يرضخ لإرادة الاحتلال الإسرائيلي.
من البديهي القول بأن الأنظمة إلى زوال، سواء كنا معها أو ضدها، وسواء كنا مؤيدين أو معارضين لها. أما الأوطان فهي ملك للأجيال القادمة، ولا يحق لأحد تحت أي ذريعة أن يتنازل عنها، أو أن يتقاعس في الدفاع عنها واستردادها. أما المثل الشعبي فيقول صادقاً ومباشراً، ودون الحاجة إلى أية استعارات بلاغية: «الأرض.. عرض»!
Leave a Reply