أعلن الوزير في الحكومة الإسرائيلية اسحق هرتزوغ “أن قادة المعارضة السورية أبلغوه أنهم يريدون السلام مع اسرائيل بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشارالأسد”. وقال هرتزوغ، الوزير عن “حزب العمل” في القدس المحتلة، إن المعارضة السورية تريد ان تكون “صديقة” لإسرائيل. ورفض الكشف عن قادة المعارضة الذين ابلغوه هذا الامر بحجة انه يتخوف على حياتهم، لكنه اشارالى انهم من المعارضة الرئيسية. وأشار هرتزوغ، العضو في لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست الاسرائيلي، الى انه يجب على الدولة العبرية تقديم مساعدات طبية وانسانية الى المتمردين السوريين، لكنه شدد على رفض تقديم اسلحة لهم.
هذا خبرٌ نشرته معظم الصحف ووكالات الأنباء وبالتالي لم يعد خافياً إلى أي موقع تنتمي المعارضة السورية بعد أن سمعنا أن العلم “الإسرائيلي” سيرفرف فوق سماء دمشق بعد سقوط النظام، وأن المعارضة في “مجلس الآستانة” بسمة قضماني نظرت “أن وجود إسرائيل ضروري” من دون خجل ولا حياء، ومن دون كلمة واحدة تصدر عن العرعور أو القرضاوي وغيرهما من وعّاظ السلاطين! فلتهنأ حركة “حماس” بهذه المواقف وبتخليها عن النظام في سوريا وإدارة ظهرها للدولة الوحيدة التي تدفع اليوم ثمن دعمها وحمايتها للثورة الفلسطينية، في وقتٍ تخلى العرب عنها وتركوا الفلسطينيين يذبحون لكنهم اليوم تذكروهم حطباً في معركتهم الشرسة ضد سوريا. ولتهنأ “حماس” بصداقتها الجديدة مع قطر والأردن و”فتح” ولتنسَ سوريا التي قدمت التضحيات والغالي والنفيس، كما قدم أهل الجنوب، من أجل القضية العربية الأولى. لكن لا يلومننا أحدٌ على دعم وتأييد سوريا لأنها إذا سقطت، لا سمح الله، ستكون العاقبة وخيمة، ونراها بأم أعيننا اليوم من خلال البديل المتواطىء إلى حد الخيانة، كما نرى كم أن الذين “فلقونا” بجهادهم المزعوم ضد إسرائيل، يسارعون إلى تطمينها و”كسبها” إلى جانبهم فقط من أجل شغفهم بالسلطة لا غير، وهذا ما تسعى إليه المعارضة السورية وحلفاؤها الذين تقدموا بحلٍ سحري قطري يتضمن تنحي الرئيس بشار الأسد عن السلطة لنائبه، وهذه مكيدة وخدعة ومعاقبة لشخص الرئيس الأسد فقط وليس لإيجاد مخرج للمعضلة.
لست أدري ماذا ستكون الخطوة التالية للمعسكر المعادي لسوريا المؤلف من فسيفساء وخلطة عجيبة، غربية- سلفية-خليجية- ظواهرية، وهذا ما يقطع الشك باليقين بأن صمود سوريا يعني صمود قضية فلسطين وعدم تحويرها في لعبة إقليمية ودولية قذرة، كما أن صمود سوريا يعني إنهيار أنظمة الخليج وسقوط مؤامرة “مصادرة الربيع العربي لصالح السلفية وإسرائيل”. ولعل هذا ما يفسر توتر وإضطراب حمد بن جاسم الذي إشتكى لوزيرة خارجية أميركا، هيلاري كلينتون، أن حكم عائلته على المحك، وذلك خلال إنعقاد “مؤتمر أعداء سوريا” في تونس، للأسف، بمبادرة من رئيس تونس الجديد اللامنصف واللامرزوق. الدول “المتحططة” على سوريا خسرت كل أوراقها وسقطت بالنقاط أمام اللاعب السوري الماهر. فبعثة المراقبين العرب إنقلبت ضد دول الفتنة وكشفت سمها، ثم جاءت مسألة تهريب التدويل عبر خدعة قطرية لكي تحدث مفعولاً عكسياً، إلى أن عقد “مؤتمر أعداء سوريا” الذي تظاهر ضده شرفاء تونس على أساس أن هذا الخلق الذي جاء من كل حدبٍ وصوب، لم يجتمع مرةً واحدة في وجه إسرائيل لوقف مجازرها ضد أطفال فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر. لكن المؤتمر لم يفشل فحسب بل أدى إلى انشقاقاتٍ داخل المعارضة ولم يتم الإتفاق على بيانٍ موحد أو لغة مشتركة، كما شهد عودة الصراع الخفي بين قطر والسعودية بعد أن سرقت قطر كل الأضواء من أمام غريمتها اللدود.
ثم جاءت الضربة القاضية ببدء الحسم الأمني يداً بيد مع الإستفتاء على الدستور السوري الجديد الذي يعد إنجازاً بكل المقاييس رغم جنون وليد جنبلاط واستشاطته غضباً على نجاح الإستفتاء، مما دفعه لوصف الرئيس السوري بأنه “مجنون عظمة”! جنبلاط الذي يطل علينا إسبوعياً عبر ورقة “نعوته” الحزبية لم يعد صوته “يودّي” ولم يعد يستحق كلامه الحبر المراق هدراً بحيث أن لا المعارضة في لبنان ولا الأكثرية تعيره اهتماماً. وزاد في ورطة جنبلاط كلام شيخ عقل الدروز في سوريا المتعارض معه تماماً. فجنبلاط المنافق يتخبط عشوائياً إلى درجة أنه، وهو العلماني الإشتراكي، يستقبل “ملك الساحة” السلفية المذهبية الجديد، أحمد الأسير، الذي “سطع” نجمه مؤخراً بعد خطاباته النارية المذهبية فيودع ويستقبل في المسجد كأنه زعيم مخضرم، لكنه لا يعلم أن “الأكبر” منه جربوا كثيراً وحصدوا الخيبة وأن شرف اللعب على الوتر المذهبي مثل عود الكبريت يولع مرة واحدة وينطفىء بسرعة. أما تركيا الصامتة هذه الأيام فإنها بدأت تحصد نتيجة ما زرعت من فتنة مذهبية سنية-علوية قد تحرق أصابعها.
التسليح للمعارضة ليس جديداً والمعركة الإعلامية لم تتوقف ضد النظام وإستخدام “الورقة الإنسانية” تبين أنها غير ذات جدوى مع أسفنا للاجئين المستغلين (بفتح الغين) اليوم من قبل أعداء بلدهم. لم يبق أمام أعداء سوريا إلا الإنقلاب العسكري الذي بحث في الخلوات في تونس بين قطر وأميركا والسعودية وتركيا. لكن هذا الإحتمال لن ينجح بسبب تماسك الجيش السوري وعقيدته الصلبة ووطنيته مهما رصدت الدول الخليجية من مال ولم يبق أي حل من دون الرئيس الأسد.
انها معركة مازالت مفتوحة في المقبل من الأيام قد يتقرر بنتيجتها مصير المنطقة برمتها!
Leave a Reply