كتاب
صناعة أزمة: الحرب الباردة والهيمنة الأميركية على الشرق الوسط
الكتاب واحد من خمسة كتب ألفها أستاذ دراسات الشرق الوسط في جامعة كولومبيا، رشيد الخالدي، وهو مؤرخ أميركي من أصل فلسطيني، وهو الذي حكى في مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة عن دوره في التأثير على فكر الرئيس أوباما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقضية الشرق الوسط على وجه العموم، وذلك من خلال علاقة عمل وصداقة جمعت بين الرجلين في مراحل ماضية من عملهما الأكاديمي.
رشيد الخالدي، هذا الذي ينتمي لواحدة من العائلات المرموقة في مدينة القدس، كتب مقالات عديدة حول كافة المسائل السياسية المتعلقة بالشرق الوسط في كبريات الصحف الأميركية مثل “نيويورك تايمز”، “بوسطن غلوب”، “لوس أنجلوس تايمز” و”شيكاغو تربيون”، وهو يعيش في مدينة نيويورك.
يقول الكاتب إن أزمات الشرق الأوسط في النصف الثاني من القرن الماضي، وتحديداً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولغاية انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينات، التي اصطلح على تسميتها بفترة الحرب الباردة بين العملاقين، كان لها أثراً فاعلاً وكبيراً في خلق الأزمات السياسية ونشوب الحروب في منطقة الشرق الأوسط.
من هذه الأزمات الصراع العربي الإسرائيلي، والحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية اللبنانية، ويضيف الخالدي في كتابه المنشور في شباط ٢٠٠٩، أن هذه الأزمات يصعب على أي مؤرخ أن يرصد أسباباً وعوامل محددة لنشوئها وتفاقمها، بمعنى أن كل واحدة منها تضافرت لها عوامل محلية وإقليمية ودولية، لكنه يؤكد أن جميعها تأثرت تماماً بالحرب الباردة التي كانت قائمة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية. وهو يضرب على ذلك أمثالاً، فالصراع العربي-الاسرائيلي، وقفت فيه أميركا بكل ما أوتيت من قوة الى جانب إسرائيل فقد، أمدتها على مدى ستين عاماً بأحدث أنواع الأسلحة وبالمال وبالحماية السياسية في المنتديات الدولية خاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، في حين كان الاتحاد السوفياتي يدعم حلفاءه المصريين والسوريين والعراقيين.
أما في الحرب العراقية الإيرانية والتي دامت ثماني سنوات راح ضحيتها مليون قتيل من الجانبين، فقد وقفت كل من واشنطن وموسكو إلى جانب العراق، ولو أنهما كانا يمدانً إيران بالسلاح أيضا، ويقول الكاتب إن الولايات المتحدة أعطت في تلك الحرب ضوءاً أخضر لفرنسا وألمانيا بتوريد صفقات أسلحة كيماوية للعراق استخدمها ضد الجيوش الإيرانية وجماعات من الأكراد، وقد وفرت -أميركا- حماية للنظام العراقي في الأمم المتحدة جراء استخدامها لهذا السلاح المحرم دولياً، والذي كان بموجبه يمكن فرض حصار على العراق بسبب مقتل عشرات الآلاف بهذا السلاح.
يقول د. الخالدي في كتابه ”صناعة أزمة” إن اجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت عام ١٩٨٢ وتدمير منظمة التحرير في لبنان، وما تبعه من مجازر صبرا وشاتيلا، كان نتاجاً مباشراً للحرب الباردة، فقد جاء ذلك الاجتياح ردا على الغزو السوفياتي لأفغانستان واحتلالها، ويضيف أن موسكو كانت تعلم مسبقاً بهذا الاجتياح وأن وزير خارجيتها آنذاك زار بيروت وأخبر قادة المنظمة بعدم قدرة الاتحاد السوفياتي على توفير حماية للقوات الفلسطينية والسورية في لبنان، وفي هذا يؤكد د. الخالدي أن الاتحاد السوفياتي منذ تلك اللحظة بدأ نجمه بالأفول، وأن تلك كانت مقدمة لانهياره بعد بضع سنوات.
يورد المؤلف عدة أسباب جوهرية للاهتمام الذي أولته وتوليه الدول العظمى لمنطقة الشرق الأوسط، ومنها موقعه الجيواستراتيجي الفاعل، وكونه منطقة تطل على المياه الدافئة ووسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية، إضافة إلى النفط، وماله من أهمية في تسيير عجلة الاقتصاد العالمية. بذلك يدحض د. الخالدي ادعاءات غربية وأميركية على وجه الخصوص من ان أهمية المنطقة وأزماتها تنبع من خلفيات دينية وثقافية، وأن الحرب على الإرهاب والإسلاموفوبيا ما هي سوى شعارات زائفة ينطلقون منها لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية، غايتها الهيمنة على شعوب العالم ومقدراته.
Leave a Reply