التافهون في حياتنا ومجتمعنا كثر، نجدهم أينما ذهبنا وكيفما حللنا، لكنهم بالرغم من تفاهتهم وحتى زمن قريب، كانوا حالة صامتة وساكنة ومستترة لا يتعدى مستوى إزعاجها محيطها الضيق واللصيق.
وكنا قوماً إذا تجالسنا تآنسنا، وإذا تسامرنا تحادثنا وتواددنا، وإذا اختلفنا تعاتبنا وتصالحنا.. إلى أن غزانا مارك زوكربرغ (سامحه الله) بالتعاون والتعاضد مع ستيف جوبز في عقر ديارنا واجتاح معاقلنا واقتحم حياتنا ويومياتنا بضربة «اللايف ستريم» القاضية. فأصبحت السمعة عرضة لأتفه التافهين من أصحاب الأمراض النفسية والعُقد الدونية وسقط الكثيرون منّا على مذبح «الفيسبوك» مضرجين بلعنة «اللايكات» ومأخوذين بعدد «الكومنتات» وكثرة «الشيرات». ولم يجد هذا البعض حرجاً في الإنزلاق إلى لعبة «المتابَعَة والتلييك» لصفحات هابطة أدبياً وأخلاقياً ومهنياً، وهي لعبة تبدو مسلية (وهي كذلك) ولكنها في مغزاها تؤدي إلى تأمين المواد الأولية لصناعة «التفاهة». وذاك المفتاح الذي نضغطه بغرض المتابعة إنما يسجل استعدادنا لتلقي أولى منتجات «التفاهة» المتمثّلة بالذمّ والقَدْح والسب والشتم والتعدّي على الآخرين دون وازع أو رادع.
وللمفارقة ربما أنا اليوم أشارك بصناعة بعض من هذه التفاهة، عبر الترويج لها، ولو من باب النقد والاستنكار…
جان عاقوري أحد الظواهر «الفايسبوكية» الفاقعة في هذا المضمار، ولكنه ليس الوحيد في محيطنا. فالرجل لا يزال يعيش عقدة انهزام المشروع الإسرائيلي الصهيوني في لبنان وهو حتى اليوم لم يستوعب أن هذا المشروع قد قضى نحبه تحت أنقاض «بيت الصيفي» في الأشرفية عام ١٩٨٢.
مسكين هذا الرجل، فهو لم يدرك بعد بأن عقارب الساعة لا تعود قطُّ إلى الوراء وبأن التاريخ لا يذكر الخونة إلا بالخسّة والوضاعة (أنطوان لحد مثالاً) وأن العالم لا يقيم وزناً للعملاء مهما عملوا ومهما كبروا وأينما وصلوا، ولا يحترم إلا الأقوياء الشرفاء (ميشال عون مثالاً)..
طبعاً ليس بالأمر اليسير أن ترافق الخيبة رجلاً مُذ ترعرع في كنف المشروع الإسرائيلي وحتى اليوم… خيبات متتالية كانت أولاها عملية حبيب الشرتوني التي أودت بالرأس اللبناني للمشروع الصهيوني ثم الاندحار الإسرائيلي عن بيروت وفيما بعد التقهقر إلى حدود ما كان يسمى الحزام الأمني وصولاً إلى التحرير عام ٢٠٠٠ والهزيمة الإسرائيلية المدوية عام ٢٠٠٦. لم ينقطع الأمل عنده وعند أمثاله، وكما راهن وراهنوا على سقوط لبنان تحت المخالب الإسرائيلية في عدوان تموز ٢٠٠٦، لا زالوا يراهنون على ضربة إسرائيلية للبنان تقضي على جيشه وعلى مقاومته الوطنية الباسلة.
يتقيأ الرجل كل مكنوناته وكل أحقاده الدفينة على شكل «بوستات» على صفحته على الفايسبوك، لا يجد حرجاً بوصف الرئيس الراحل ياسر عرفات بأنه «أبو الإرهاب العالمي». ثم يخطر له بأن «حركة أمل ارتكبت أشنع المجازر بحق الشعب الفلسطيني»، والكل يعلم من ارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا التي أزهقت أرواح الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين! ثم ينتبه إلى أن رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ينتمي إلى المحور السوري–الإيراني «الإرهابي»… ومن ثم يحل «ضيفاً خاصاً لسعادة نائب حاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين» بدعوة منه في حفل مؤسسات الإمام الصدر الذي أقيم مؤخراً في المركز الإسلامي في مدينة ديربورن!
فعلاً.. ألسنا نحن من يصنع التفاهة؟…
Leave a Reply