صنعاء – في مواجهة تمرد في الشمال واستياء في الجنوب وتجدد حملة لتنظيم القاعدة وتدفق للاجئين أفارقة يسعى اليمن الذي يسوده الفقر جاهدا للحفاظ على وحدته. وأثارت مشاكل اليمن المتفاقمة القلق فيما وراء حدوده بشبه الجزيرة العربية. ويقع اليمن على ممرات الشحن البحري الرئيسية والى جوار السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
وتكافح الحكومة تمردا مستمرا منذ أربعة أعوام يقوده عبد الملك الحوثي الذي ينتمي الى الطائفة الزيدية، وتقول صنعاء انه يحظى بدعم مالي من ايران.
وقتل المئات ونزح الالاف عن ديارهم من جراء القتال الذي دار في محافظة صعدة بشمال البلاد. واتخذ الصراع منعطفا أسوأ الشهر الماضي (أيار/مايو) بعد حادث تفجير مسجد قتل فيه 15 شخصا.
وما بدأ كاحتجاجات للمطالبة بالوظائف في جنوب البلاد في نيسان (أبريل) الماضي تحولت الى عشرة أيام من أعمال الشغب رافقتها مطالب بانفصال المنطقة حيث يوجد معظم نفط اليمن لكن كثيرا من الناس هناك يشعرون بأنهم مهمشون.
وقال برنارد هيكل استاذ دراسات الشرق الاوسط بجامعة برينستون «نفط اليمن ومياهه في طريقهما للنفاد وشعبه بدأ يخرج عن السيطرة والنظام يركز على حماية نفسه». وأضاف «هذه وصفة لكارثة».
ومضى يقول «يمكن أن تستمر البلاد على هذا النحو لبعض الوقت لكن هذا يسبب المشاكل للسعودية فكلما زادت الأوضاع سوءا يرغب المزيد من الناس في الرحيل الى دول الخليج». ويحاول اليمن تنويع اقتصاده مع تناقص احتياطيات النفط لكن هجمات تنظيم القاعدة التي أودت بحياة عشرة سياح في العام المنصرم تعني أن الخطة الرامية الى دعم السياحة ماتت قبل أن تولد. وبالرغم من مشاكله يستقطب اليمن الاف اللاجئين الصوماليين كل عام مما يضع الاقتصاد تحت مزيد من الضغط. وكلما استشرى انعدام الاستقرار في البلاد التي ترجع اليها أصول السعودي أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يزيد احتمال استقطابها لمقاتلي القاعدة الذين تريد الولايات المتحدة من حليفها اليمني المساعدة في ابعادهم.
وفي حين لم تتكرر الهجمات الكبرى التي شنت على سفن أميركية وفرنسية عامي 2000 و2002 فان اليمن شهد تصاعدا في الهجمات الأصغر على السياح والسفارات والمكاتب الحكومية.
وأدت قذائف مورتر استهدفت السفارة الأميركية في اذار (مارس) الى اصابة 31 فتاة في مدرسة قريبة بجروح. ونجت السفارة الايطالية بالكاد من هجوم مماثل في نيسان. وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجومين.
وذكر تقرير نشره مركز مكافحة الارهاب بالاكاديمية العسكرية الأميركية في وست بوينت أن «(تنظيم) القاعدة في اليمن أظهر بالفعل أنه يستطيع أن ينهض من رماد الهزيمة أقوى وافضل تنظيما». وأضاف «يجب أن تكون واشنطن واقعية بشأن ما هو ممكن وغير ممكن في اليمن، فأسلوب العصا والجزرة الذي كان يستعمل فيما سبق سياسة لا يمكن استمرارها. يتعين ان تضخ واشنطن أموالا أكثر وليس أقل، ان كانت تريد تجنب انهيار تام».
وكان أكثر من 20 معتقلا بينهم أعضاء في تنظيم القاعدة قد فروا عبر نفق من سجن يمني عام 2006 في حادث أثار انزعاج واشنطن.
وفي اشارة واضحة الى المزيد من موجات العنف في اليمن قال مسؤول يمني الأسبوع الماضي ان ثمانية اشخاص على الاقل قتلوا بالرصاص عندما فتح مسلح النار خارج مسجد في قرية باليمن بعد صلاة الجمعة.
ووقع الحادث في قرية بمحافظة عمران التي تبعد 06 كيلومترا شمالي العاصمة صنعاء. وصرح المسؤول بأن عشرات جرحوا من بينهم عدد اصابته خطيرة. وقال المسؤول «يبدو انه كان مسلحا واحدا ببندقية آلية» وانه فر. وفي الثاني من اذار الماضي، قتل 18 شخصا معظمهم جنود في انفجار امام مسجد في محافظة صعدة الشمالية معقل التمرد الزيدي في اليمن، وفق مصادر عسكرية. ونسب الجيش اليمني الاعتداء الى المتمردين الزيديين الناشطين في هذه المنطقة. غير ان زعيم التمرد الزيدي عبد الملك الحوثي نفى تلك الاتهامات. ووقع الانفجار الذي اسفر ايضا عن جرح 45 شخصا لحظة خروج المصلين من مسجد بن سلمان الواقع قرب معسكر للجيش، وفق شهود.
وقال مصطفى العاني المحلل في مركز أبحاث الخليج «كان هناك نوع من اتفاق الشرف بأن القاعدة لن تعمل في اليمن ومرت سنوات دون هجوم على أهداف أميركية أو أوروبية هناك. الضغط الأميركي لاتخاذ اجراءات صارمة ضد القاعدة هو الذي سبب لهم المشاكل».
وشهد اليمن أحد أفقر دول العالم تصاعد حدة الاستياء بسبب ارتفاع أسعار الغذاء العالمية والذي يستورد معظمه. وتستغل مساحات كبيرة من الاراضي في زراعة القات بحيث تراجعت زراعة المحاصيل الغذائية كما بدأ الماء ينفد بينما ينمو السكان البالغ عددهم 22 مليون نسمة بنسبة تزيد عن ثلاثة بالمئة في العام.
ووعد مانحون دوليون بتقديم مليارات الدولارات لليمن مقابل تعهدات باجراء إصلاحات والقضاء على الفساد. لكن الجماهير التي يغلب عليها الريفيون لا ترى شيئا من هذا المال.
ففي الجنوب يعرض الغضب بشأن ما يعتبره سكانه نهبا من قبل سكان الشمال للخطر الانجاز الاكبر الذي حققه الرئيس علي عبد الله صالح بتوقيع اتفاق عام 1990 لتوحيد شمال اليمن مع جنوبه.
وقال المحلل اليمني عبد الغني الارياني «في الجنوب بدأوا ينادون بالحقوق لكن ما من مجيب لهذا حين طرح أحدهم شعار حق تقرير المصير كان لذلك أثر هائل على الجماهير». وأضاف «النخبة الحاكمة ما زالت لديها الموارد لإبطال هذه النزعة. يجب أن يشركوا المجتمع. هناك عدة اقتراحات للاصلاح من داخل النظام وخارجه وهي صحيحة».
وواجه صالح الذي أُعيد انتخابه عام 2006 تحديات قاسية من قبل حيث سحق محاولة للانفصال عام 1994. وفي تحرك وصف بأنه خطوة نحو اللامركزية أجرى اليمن هذا الشهر انتخابات المجالس المحلية لاختيار المحافظين الذين كانت الحكومة المركزية تعينهم فيما سبق.
لكن جماعات معارضة قاطعت الانتخابات قائلة انها غير ممثلة بصورة عادلة في المجالس. ويقول محللون ان الانتخابات تظهر أن الدولة ما زالت تملك السيطرة لكن الغضب في تزايد. في الوقت نفسه ما زالت الاشتباكات في صعدة مستمرة.
وترجع جذور الصراع ولو جزئيا الى المطالب بمزيد من الخدمات الحكومية مع خفض السيطرة الا أن البعض يقولون ان الحوثي يريد عودة نظام حكم رجال الدين الذي انتهى منذ عشرات السنين.
وقال العاني «ليس جديدا على اليمن أن تكون حكومته غير فاعلة. وليس جديدا على اليمن أن يكون دولة غير مستقرة. وتوجد في اليمن نقاط ساخنة (…) لكن اليمن يبقى».
Leave a Reply