وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد سبع سنوات من الحرب والحصار، لا يزال اليمنيون أصحاب الكلمة الفصل في الميدان. ورغم المعاناة التي يعيشونها على الصعد كافة، يواصلون الصمود في وجه طموحات ولي العهد السعودي التوسعية، التي لا تقيم وزناً للأرواح التي تزهق كل يوم، فكان لا بد من رد يقترب من حجم تلك المعاناة التي صُنفت كأكبر أزمة إنسانية عرفها العصر الحديث. وإذا كان العالم قد نسي أو تناسى مأساة الشعب اليمني، في غمرة تباكيه على «المأساة الأوكرانية» ها هم اليمنيون أنفسهم يذكّرون العالم المتغافل بحضورهم على الخريطة الإنسانية، وبأنهم يُهجَّرون ويُقتلون ويُجوَّعون ويُحاصَرون منذ سبع سنوات، ولا مَن يسعى جدياً إلى وقف ذلك النزيف! ربما لأنهم سمر البشرة بعيون سود وينطقون بلسان عربي!
أرامكو في عين العاصفة
هي رسالة قوية ومباشرة تلك التي وجّهها الحوثيون يوم الأحد الماضي إلى الأراضي السعودية، وإن اقتصر الهدف منها هذه المرة، على إمدادات «أرامكو» للسوق السعودية بعيداً عن استهداف المنشآت التي تزود سوق النفط العالمية. إذ صبت الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة حممها على ينبع وأبها وخميس مشيط وجيزان وسامطة وظهران الجنوب، ولم تقترب من تلك التي في تنورة أو خريص وأبقيق والمنطقة الشرقية عموماً، موقعة أضراراً جسيمة.
بذلك، أثبتت قيادة «أنصار الله»، في المعركة المفتوحة مع السعودية وحلفها «العربي»، ومِن خلفهما الولايات المتحدة، أن ما لم يكن في الحسبان قد تَحقّق. وعلى قاعدة «تحويل التهديد إلى فرصة»، أصبح اليمنيون يتحدّثون اليوم عن تحوّلهم إلى «قوّة تُصنّع احتياجاتها من الأسلحة المناسبة لاستراتيجية المواجهة التي وضعتها القيادة لإدارة المعركة مع السعودية والإمارات، كعدو قريب».
بدورها، حاولت الرياض استغلال الضربة الأخيرة لتأليب الولايات المتحدة والغرب، وهم المتعطشون للنفط، في ظل الأزمة العالمية المستجدة من جراء العملية الروسية في أوكرانيا، فأعلنت أنها غير مسؤولة عن أي نقص قد يحصل في إمدادات الطاقة في السوق العالمية، للإيحاء بأن الحوثيين هم السبب في مفاقمة أزمة النفط، هذا على الرغم من أن شركة أرامكو نفسها –والتي صُنفت الشركة الثانية الأكبر عالمياً بعد شركة «آبل»– كانت قد أعلنت أن الهجمات التي تعرّض لها بعض منشآتها، لم تؤثر على إمداداتها من النفط للسوق العالمية. ومن خلال ذلك تحاول الرياض ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول هو تأليب الرأي العام الغربي ضد الحوثيين لتسببهم بتعميق أزمته النفطية، والثاني هو التهرب من الضغوط الأميركية والغربية لزيادة إنتاجها بغية تعويض النفط الروسي بخلاف ما ينص عليه اتفاق أوبك بلاس الذي يشمل روسيا.
بنك أهداف
أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذ عملية «كسر الحصار الثانية» العسكرية في العمق السعودي وشملت في مرحلتها الأولى قصف عدد من المنشآت الحيوية والحساسة التابعة لشركة «أرامكو» في الرياض ومنطقة ينبع ومناطق أخرى بدفعات من الصواريخ المجنحة والبالستية والطائرات المسيرة.
وأشار الناطق باسم القوات اليمنية المسلحة، العميد يحيى سريع، إلى أن المرحلة الثانية من العملية استهدفت عدداً من المواقع الحيوية والمهمة في مناطق أبها وخميس مشيط وجيزان وسامطة وظهران الجنوب. وأكد سريع امتلاك قواته إحداثيات متكاملة ضمن بنك أهداف خاص يضم عدداً كبيراً من الأهداف الحيوية.
سريع، وفي إطلالة ثانية من خلال مؤتمر صحافي في اليوم التالي لعملية «كسر الحصار»، بمناسبة انتهاء السنة السابعة من العدوان على اليمن، أشار إلى أن العمليات الجديدة قد تشمل أهدافاً حساسة ضمن بنك أهداف جديد يشمل «عواصم العدوان»، وأبرز منشآته الحيوية. سريع تحدث أيضاً عن خطط أطلق عليها اسم «مسار كسر الحصار» والتي تنتظر الأوامر للتنفيذ، معتبراً أنها مشروعة لأي شعب يتعرض للعدوان. كما قدّم سريع خلال المؤتمر الصحافي نفسه ما يشبه الجردة لنتائج عمليات قواته على مدى سبع سنوات من الحرب والحصار، وأسهب في تناول مجريات الميدان على مدى السنوات السبع من الحرب على بلاده، فأكد أن هذه العمليات أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 10,759 جندياً وضابطاً سعودياً، إضافة إلى مقتل وإصابة 1,251 من الجيش الإماراتي، و9,440 من السودانيين وأكثر من 253,693 ما بين قتيل وجريح في صفوف القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبدربه منصور هادي. كما أكد سريع أن قواته غنمت الكثير من العتاد العسكري حتى باتت تلك الغنائم مصدراً أساسياً من مصادر تسليحها، وفقاً لسريع، إضافة إلى الصناعات التسليحية المحلية.
استمرار الحصار
وسط كل ذلك، ورغم وصول المعاناة حداً لم تبلغه من قبل، تستمر قوات التحالف السعودي في تشديد الحصار على اليمن بمطاراته وموانئه، مانعة دخول الحد الأدنى من مقوّمات الحياة ومستلزماتها. فرغم خضوعها للتفتيش في ميناء جيبوتي، وحصولها على الترخيص الأممي، يستمر احتجاز سفينة وقود إسعافية منذ الإثنين الماضي وتُمنع من دخول ميناء الحديدة!
سلوك سعودي تصعيدي ومحاولة لتدمير ما تبقى من أثر للحياة في اليمن، يستدرجان بطبيعة الحال سلوكاً تصعيدياً من جانب اليمنيين، ترجّح المصادر أن يكون أوسع وأشمل في المرات المقبلة، ليصل إلى حد الإيلام الحقيقي حين تُقصَف المنشآت النفطية المفصلية، والتي تصدّر عبرها الرياض النفط إلى العالم، والتي قد يستلزم إصلاحها أياماً وربما أشهراً طويلة، وهذا ما توعّد به وزير الدفاع في حكومة صنعاء، اللواء محمد ناصر العاطفي، الذي أكد أيضاً أن العام الثامن من عمر الحرب سيكون «عام أعاصير اليمن» والإنجازات التسليحية الاستراتيجية الأكثر تطوراً والأقوى، وأن قوات بلاده ستحقق مفاجآت غير مسبوقة، وستقلب موازين القوى رأساً على عقب.
أرقام كارثية
ورغم بعدها الجغرافي، أرخت الحرب الروسية–الأوكرانية التي اندلعت منذ نحو شهر بظلالها على الساحة اليمنية، لتُضاف أزمة جديدة إلى سجل الأزمات الحافل في هذا البلد، فبرز إلى الواجهة همّ معيشي جديد على أعتاب شهر رمضان المبارك، بارتفاع قياسي لأسعار الغذاء والدواء والوقود لتزداد الضائقة المعيشية الخانقة التي يعانيها الشعب اليمني من جراء حرب التحالف السعودي عليه، والتي تسببت بارتفاع نسبة البطالة ومعدلات الفقر وانهيار العملة المحلية وتراجع معدل الدخل إلى أدنى مستوياته.
كل ذلك، وسط تراجع حاد في التقديمات الأممية. فقد فشلت المنظمات الإغاثية في مؤتمر جنيف، الذي عُقد خلال الأيام الماضية، في حشد الدعم المالي، إذ حصلت على 1.3 مليار دولار من مجموع 4.3 مليار تحتاج إليها. ولم تستطع الأمم المتحدة إلا أن تعرب عن إحباطها إثر ذلك.
المنظمات الإغاثية حذرت من أن نقص التمويل، وأحد أسبابه غياب ممولين رئيسيين من دول الخليج الثرية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، سيعود بعواقب تفاقم آثار الحرب التي قتلت عشرات الآلاف وشردت ملايين السكان ودمرت الاقتصاد وتسببت بأكبر أزمة إنسانية في العالم.
وبمناسبة دخول الحرب على اليمن، عامها الثامن، نشر مركز «عين الإنسانية للحقوق والتنمية» منذ عدة أيام، إحصائية تفيد بمقتل وإصابة 46,262 مدنياً بينهم نحو 14 ألف امرأة وطفل و 17,734 شهيداً من جراء القصف المباشر لقوات التحالف السعودي على اليمن على مدى سبع سنوات. كما تحدث التقرير عن أن عدد الشهداء والجرحى من الأطفال بلغ 4,017 شهيداً و 4,586 جريحاً، أما النساء فقد أوضح المركز أن عدد الشهيدات منهن قد بلغ 2,434 شهيدة وعدد الجريحات 2,910.
كذلك استهدف التحالف خلال 7 سنوات 590,069 منزلاً و1,612 مسجداً و410 مستشفى ومرفقاً صحياً و1,214 مدرسة ومرفقاً تعليمياً و182 منشأة جامعية و999 مخزن أغذية و2,799 خزاناً ومحطة مياه و416 محطة وقود و965 شاحنة غذاء، و9,721 حقلاً زراعياً و433 مزرعة دواجن ومَواشٍ و482 قارب صيد. المصانع والمنشآت التجارية والاقتصادية بدورها، نالت نصيبها الوافر من التدمير، فقد أشار التقرير الحقوقي إلى استهداف 404 مصانع و11,901 منشأة تجارية و696 سوقاً و378 ناقلة وقود و9,770 وسائل نقل مختلفة. وفي مجال البنى التحتية والخدمية أوضح مركز عين الإنسانية الحقوقي أن العدوان استهدف 15 مطاراً و16 ميناءً و6,743 طريقاً وجسراً و340 محطة ومولد كهرباء و609 شبكة ومحطة اتصال، و2,091 منشأة حكومية و2,573 موقعاً أثرياً و139 منشأة رياضية و60 منشأة إعلامية و375 منشأة سياحية. وكانت إحصائية رسمية نشرتها وزارة الصحة في صنعاء خلال الأيام الماضية تحدثت عن أرقام متقاربة جداً مع تلك التي ذكرها المركز الحقوقي، مضيفة إلى ذلك وفاة نحو 95 ألف مريض يمني بسبب الحصار المطبق، مع الإشارة إلى أن الرقم مرشح للارتفاع بسبب استمرار الحصار غير الإنساني.
Leave a Reply