صواريخ القسام المصنعة محليا في قطاع غزة، والتي يصل مداها إلى نحو 40 كليومترا، ويتم تركيب أجزائها في ورش الحدادة، وتطلق من قواعد متحركة باتجاه مدن إسرائيلية في الجنوب خاصة سيدروت، وتوقع خسائر طفيفة في صفوف العدو، هذه الصواريخ نالت من التغطية الإعلامية ومن الجدل السياسي في أروقة صناعة القرار الإقليمية والعالمية، وعلى السنة قادة المنطقة وزعمائها، ما لم تنله صواريخ سكود والصواريخ البالستية وتلك العابرة للقارات والحاملة لرؤوس نووية، والسبب في ذلك بالطبع كونها موجهة لكيان هو بمثابة طفل أميركا المدلل – إسرائيل – ، ولو أن هذه الصواريخ كانت استخدمت بين أطراف متقاتلة في العالم العربي أو في كردستان العراق أو دارفور أو كينيا أو الصومال، لما سمع بخبرها أحد ولظلت مطوية في صفحة النسيان.
لا أدري كيف يتغاضى العالم عن صفحة الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ها هو الجيش الإسرائيلي يرتكب مجازر شبه يومية بحق أهالي غزة ورفح وبيت حانون وخان يونس، مستخدما بذلك طائرات الـ«أف 16» وصواريخ موجهة بالليزر وطائرات الكوبرا العمودية ودبابات الميركافا، ولا نجد أحدا يتحدث عن هذه الأسلحة المدمرة أو يطالب إسرائيل بوقف إستخدامها، مثلما هو الحال مع صواريخ القسام، وكأنها نوع من أسلحة الدمار الشامل المحرّمة دوليا.
تقول تقارير أن صواريخ القسام أودت بحياة 12 إسرائييليا منذ بدء إطلاقها عام 2004، فيما وصل عدد ضحايا القصف الإسرائيلي لمناطق فلسطينية إلى 800 شهيد في عام واحد 2006 – 2007، وهذا يجسّد فكرة صهيونية مفادها أنه «كلما قتلت إسرائيل مزيدا من الفلسطينيين كلما اقتربت خطوة من تحقيق أمنها»، وهذا خير دليل على أن إسرائيل كيان عنصري يقوم على إقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وإحلال اليهود مكانهم، إذ لا سبيل في وجهة نظرهم إلى التعايش بين الأديان والإثنيات، وهذا ما يفسّر لنا إصرار تل أبيب على إقامة دولة يهودية خالصة، أحاطتها سلفا بأسوار على طول حدودها مع الضفة الغربية، ما اعتبره الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في كتابه «فلسطين أرض الفصل العنصري» تجسيدا لهذا المبدأ من جانب الدولة العبرية، في حين أن المقاومة الإسلامية لا يضيرها إقامة دولة علمانية على كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، يعيش فيها سواسية المسلمون والمسيحيون واليهود.
عودا إلى صواريخ القسام المثيرة للجدل، فهي وإن كانت آخر سلاح في جعبة المقاومة، بعد أن فرض على هذه المقاومة حصار من البر والبحر والجو، ولم يعد بإمكانها تنفيذ عمليات إستشهادية مزلزلة في العمق الإسرائيلي، أو الإشتباك مع جنود العدو إلا أن الأعداء والأصدقاء يصرون على إسقاط هذا السلاح حتى لو كان تأثيره طفيفا ومحدوداً.
بالأمس خرج علينا وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، يصف صواريخ القسام بأنها صواريخ «كاريكاتورية»، وقبله اعتبرها رئيس السلطة محمود عباس بأنها «عبثية»، فيما قال عنها كاتب كويتي بأنها مجرد مواسير أي «أنابيب» ولفرحة الإسرائيليين بهذا الوصف، وضعوا مقالة هذا الكاتب على الموقع الإلكتروني بوزارة الخارجية. والمفارقة المحزنة هنا، أنه بينما تطلق أطراف عربية أوصافا تهكمية على صواريخ القسام، نجد أن الإسرائيليين يحملونها على محمل الجد، فهي وإن لم توقع في صفوفهم خسائر جسيمة، لكنها تظل تسبب لهم الرعب وتدّب الخوف في أوصالهم، وقد بان ذلك جليّا في أحدث هجوم بهذه الصواريخ الأسبوع الماضي على سيدروت، حيث شوهد الإسرائيليون وبينهم جنود ورجال شرطة وهم منبطحون أرضا ومرتعبون، وكأن تلك الصواريخ طير أبابيل ترمي المجرمين القتلة الصهاينة بحجارة من سجيل.
والشاهد أن سكان المدينة – سيدروت – خرجوا عقب توقف القصف في مظاهرة صاخبة مطالبين حكومة أولمرت أما بالإستقالة أو الهجوم على غزة وشطب بيت حانون التي تطلق منها هذه الصواريخ من على الخارطة، دعوة تلقفها السفاح أيهود باراك وزير الدفاع، ليجد فيها ضالته، فهو يود إستعادة مركزه كرئيس لحكومة إسرائيل القادمة، وذلك في نظره لن يتأتى إلا عبر هجوم بري واسع النطاق على غزة من شأنه تدمير المقاومة والإطاحة بحكم حماس، لكنه يخشى أن تتكبد قواته خسائر فادحة في الأرواح، المجتمع الإسرائيلي غير مستعد تحملّها، في ظل إستمرار تداعيات هزيمة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، وكونه جنرال يداه مخضبتان بالدماء، فلن تردعه حسابات سياسية عن البدء بهجوم عسكري يعيد للجيش الإسرائيلي هيبته المهدورة، حتى لو كان ذلك ثمنه مئات القتلى في صفوف جيشه.
Leave a Reply