أطرح دائماً على المعارف والأصدقاء الجدد، سؤالاً حول من يسمعون ويقرأون على اليوتيوب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. أسألهم لعلَّهم يدلونني إلى ما فاتني معرفته في خضم المعلومات التي لا حدَّ لها والتي من الصعب متابعتها. وغالباً ما يكون الجواب متوافقاً مع الانطباع العام مدحاً أو نقداً، وبعض الأجوبة يتجاوز الإعجاب إلى المحبة والتقدير، ويدخل قلبي فرحٌ عظيم عندما يوافق ويتلاقى موقفي مع من سألت.
تيقنت أن الذين يسمعون محاضرات سماحة الشيخ ياسر عودة عبر اليوتيوب، متفقون على ميزاته وخصاله، ويستمعون إليه، وانا واحدة منهم، ليس من أجل ثقافته الدينيَّة الموسوعية، بل من أجل أن لا نفقد الثقة في هذا العالم المتوحش وفي هذه الغربة البعيدة، حيث نشعر أن الشيخ ياسر عودة يتكلم بلغة الأمل والصفاء والسماح في عالم متناحر لا صوت فيه إلَّا للجهل والاضطهاد والظلم والقتل وفلسفة الموت والعداء.
مثل نور ضئيل في عتمةٍ كبرى، وبكل معرفة وتواضع، يعلو صوت الشيخ عودة، فيشعر السامع بأن الظلام ليس دامساً والظلم ليس دائماً في هذا العالم المدجج بالطائفية، والمدمى بالحقد والمعمى بالجهل. إنه الصوت الذي كنت أتمنى الإنصات إليه وأحب الإستماع له، وهذه اللهجة التي أرى فيها خلاص الأمة الإسلامية والعربية. إنه صوت الفهم في غابة الجهل، وحرارة التقوى في برودة التعصب، ورحابة التسامح في ضيق الحقد. إنه صوت العقل الصارخ في برية الجاهلية الهوجاء وصوت القلب النابض بالإيمان الحقيقي بالله الواحد الأحد، الخالق المدبِّر لهذا الكون، لا في معابد الأصنام والآلهة التي ابتدعها المتدينون الجدد، أتباع علماء الدين الجهلة.
بكل صدق وبساطة، إنني منذ زمن بعيد، وبعد سنوات الغربة، وفي منقلب عمري الأخير، كنت بأشد الحاجة كالكثيرين في بلاد الاغتراب، بحاجة لصوت عالم ديني عاقل وفهمان، يقول كلاماً يدخل العقل قبل القلب. عالم دين حقيقي يمثلني حين يتحدث ويشعر بتعبي ووجعي ويعاني مثل ما يعاني الناس ولا يكرر الكلام اللامعقول عن الدين. ورغم حملات السوء والتخوين له، لم أسمع منه مرة كلمة ضيقة الأفق يعلو فيها الغضب على الرؤية، أو يسقط فيه حق المحكوم أمام الحاكم ولم أجد مرة تشجيعاً على عداء أو خصومة أو نفور.
الشيخ ياسر عودة لا يسعى إلى منصب ديني أو دنيوي، لأنه عالم دين مثقف تنويري، وفرع مثمر من شجرة العلَّامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، يقف في الصف الأول من علماء الإسلام الذين يدعمون جدران الدين المتداعية في وقت يتكالب الكثيرون للنيل من الإسلام والمسلمين. إنه ببساطة يدعو إلى دين إسلامي واحد، خالٍ من المذاهب والفِرَق والطوائف التي أضعفت الملَّة. ولأنه يدعو إلى التسامح والمحبة بين السنة والشيعة، لا بل بين أتباع المذهب الواحد، ويحث على احترام أتباع الأديان الأخرى واحترام جميع مخلوقات الله، ولاستثمار أموال المسلمين فيما ينفعهم وليس في ما يفرقهم ويقتلهم ويشردهم، لأجل ذلك برز العديد من المعارضين له بشدَّة، وهو لا يبالي ولا يحيد عن قول الحق.
كم أتمنى أن يسمعك شيوخ الدين الكثيرون هنا في ديربورن، ليتعلموا كيف يجذبون الشباب إلى الدين الحنيف.. ومن دون أراكيل!
Leave a Reply