مريم شهاب
مع حلول شهر رمضان المبارك في كلِّ سنة، ينشط الناشطون وتنهمر مواعظ المتديِّنين حول فضائل الصوم، ومنافعه، والحكمة وراء فرضه، وبينها كيف أنه يقوي عزيمة الصائم ويعلمه الصبر والجَلَد ومجاهدة النفس والترفع عن الصغائر. لذلك على المسلم أن يدخل «كورس» لمدة ثلاثين يوماً ليدرك فيه فلسفة الجوع، ولكي يقتنع أن.. الجوع كافر، وليدرب مشاعره على التعاطف فعلاً مع الذين يصومون مجبرين لعدة أيام لا يأكلون فيها لقمة واحدة. وعادة ما يكون ختام الموعظة بتعداد فوائد الصيام الصحية على قاعدة: صوموا تصحُّوا!
صوموا تصحُّوا؟ هذه المقولة تصلح للأغنياء الذين يعيشون فساداً وبطراً في الأرض. هم أصلاً متخمون من الحفلات والموائد التي يقيمونها على مدار أيام السنة، ويهدرون فيها الملايين على المآكل والمشارب وقلة الحياء، فيما الملايين من فقراء المسلمين يتضورون جوعاً وعطشاً وتشرداً في مخيمات تنفق عليها جهات غير مسلمة. هؤلاء الجائعون والعطاشى يجب أن يأكلوا ليصحوا، لا أن.. يصوموا ليصحُّوا.
نحمد الله أننا نعيش في هذا البلد الخيِّر. ونحمد الله على النعم التي يتمتع بها الكثيرون من أهلنا وناسنا في منطقة ديترويت الكبرى. لكن منذ انتصاف شهر شعبان بدأت الأسواق والمحلات تشهد جنوناً محموماً على شراء مختلف أنواع السلع الغذائية والمشروبات. وعاما إثر عام، أسأل نفسي: هل البيوت خالية من الأطعمة في الأيام والأشهر التي تسبق شهر رمضان؟ ولماذا الركض وراء العروض التجارية المغرية التي تقدم تخفيضات في الأسعار؟ التخفيضات والحسومات موجودة طوال السنة، فلماذا لا ينظر الناس إلى شهر رمضان على أنه فرصة حقيقية لتخفيف الذنوب، وليس للتهافت على شراء وتخزين المواد التموينيَّة بكميات كبيرة، وكأن المجاعة العالمية الثالثة سوف تنشب في شهر رمضان.
من الطبيعي ان تكون المائدة الرمضانية أكثر دسامة وجاذبية من موائد الأيام العادية. لكن حمَّى التسوق وجنون الشراء تجعل من الشهر الفضيل ذريعة للإنفاق الباذخ والتشاوف والتباهي بإقامة الحفلات والموائد العامرة بما لذَّ وطاب والسهر والسمر حتى مطلع الفجر في ملاهي «الأركيلة».
هذا جنون آخر. جنون السهر والتسكع بين المقاهي والأفران والمطاعم لالتهام أكبر قدر ممكن من الطعام في الوقت المسموح به. أما جنون النهار في ديربورن، فحدِّث ولا حرج. وكله عند البعض، بسبب الصوم. فعدا عن العجقة والضجة في مراكز التسوق والتسابق والتدافع لمن يمر أولاً، والتجهم والعبوس على الوجوه والسواقة بسرعات جنونية، والمشاجرات هنا وهناك، «أنا صائم وخلقي ضيِّق»، و«روحي براس مناخيري» و«أحسن لك تحلّ عن سمايي» و«ابعِد عن طريقي».. وغيرها من الأقاويل والسلوكيات الغريبة العجيبة التي وصلت الى حد تقديس صحن الفتوش أكثر من الصوم ذاته.. وكأن الإفطار لا يكون مقبولاً إلا بوجود هذه السلطة الفولوكلورية على المائدة.
في هذه الدنيا الفاقدة لكل عقل وحياء.. كل صحن فتوش وأنتم بخير!
Leave a Reply