عباس الحاج أحمد
العين لا تعلو عن الحاجب. ولكنها تستطيع إطلاق الرصاص، كتكسير سيارة، أو إصابة شخص آخر بعارض صحي أو حتى فسخ عقد الزواج بين طرفين بإطلاق أشعة لامرئية عنوانها: «صيبة العين». تلك «الصيبة» التي تُحرك مجتمعاً بأكمله وتبرمج سلوكاً جماعياً تحت سلطة ديكتاتور اسمه «الحسد».
الإصابة بأزمة صحية يمكن علاجها بسكب «الرصاص» فوق رأسك باستشارة من الخبيرة الحاجة أم حسين. سيارتك قد تُعفى من الحاجة إلى تأمين بعد وضع حذاء صغير في مؤخرتها. بيتك الجميل قد تستبدل نظام الإنذار فيه بـ«خرزة» زرقاء كبيرة تضعها على الباب الرئيسي…
أساليب حماية من العوارض السلبية متوارثة عبر الأجيال، لها تراثها وأصولها وأساليبها المتنوعة بين الشعوب. ابتدأت مع بداية فهم الإنسان للطبيعة في عصور اعتبر فيها خسوف القمر عملية التهام من قبل حوت كبير يتجول في أفق البحر. لكن، وبعد توالي الثورات العلمية وتطور التكنولوجيا، استمرت موروثات الشعوب في الانتقال بين الأجيال بلا أية مصفاة. ليستمر معها ضعف القدرة البشرية في الفصل ما بين العلم الزائف والعلم الحقيقي. واستمر معها أيضاً، انهزامنا أمام الخوف من المجهول باحثين عن «قشة» نتعلق بها في غرقنا حتى ولو كانت خرزة زرقاء أو يد بخمسة أصابع مرفوعة في وجه الحسّاد.
أستذكر هنا أغنية الممثل المصري طلعت زكريا في فيلم «أبو علي»: «التاكسي الجاي من الحمام عليه خميسة من قدام»، والتي تحملني بدورها إلى سيارات المرسيدس «اللف» التي تجول في شوارع بيروت لتحمل الركاب بميكانيك هزيل وعلى طرقات غير آمنة نسبياً… ولكن تكفي «الخميسة لي قدام» لحملنا بأجنحة الملائكة التي لم يرها أحد.
ولا يتنبه الكثيرون لما تخلفه فكرة الحسد من جدار عازل بين الناس، بل تُنبه الأم ابنتها بأن لا تخبر أحداً عن تقدم العريس المتمول لها لكي لا تُصاب بالعين. وتذكر الزوجة زوجها بضرورة الانتباه من عيون الجارة خوفاً من الحسد. كما تُعاود الجدة رفع أصابها الخمسة مع الجملة المعهودة «خمسة بعيون الحاسدين» أثناء حديثها عن إنجازات أحفادها. ننتبه لخطوات تعزلنا عن الآخر باعتباره الجحيم. نتنبه لسلطة وهم الحسد فنحتاط منه ليل نهار، ونغضّ النظر عن سلطة الفاسد، فنبني جدران الأصابع الخمسة مع الجار وبها نبني سجناً لأنفسنا يُديره تجار الخرافات.
لا شك في أن أساطير الشعوب تُشكل في بعض الأحيان أيقونات تعطي الإلهام للإنتاج الفكري والسياسي والاجتماعي. ولكن أيضاً، لا جدال في أن بعص الموروثات تمد ساحة للسُبات الجماعي بوضع الرأس على ريش نعام في طرقات عامة مليئة بالفوضى والقمامة.
طرقات، رفع فيها أحد المتظاهرين عبارة في وسط حراك مدني: «شو ناطر من شعب إذا تغوط عليه العصفور بيقول اجتني الرزقة؟».
ليست صيبة العين بتلك الأسطورة التي تُنوّم الشعب. ولكنها مفهوم يحمل في طياته العصفور المتغوط في كل التنقلات، على أمل أن يأتي يوماً ويرسل أشعة مرئية كأشعة تسلا الخارقة التي تتقاتل عليها جيوش العالم.
Leave a Reply