جنبلاط انقلب على الحوار بعد تلقيه وعداً بالتدويل تحت الفصل السابع
حكومة السنيورة تشتكي على السيد نصرالله كمتمرد على الدولة
عندما تحدث مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ولش عن صيف ساخن في لبنان، كان يقصد ما يعنيه، وقد اكد ان لا سياحة ولا اصطياف فيه هذا العام، وهو كان يتكلم بعد لقاءات عقدها في بيروت مع قوى السلطة، وشدّ من ازرهم، ورفع من معنوياتهم، بعد ان ابلغهم ان المعارضة قوية، ولكن ادارته لن تتراجع عن دعمها لهم وتقويتهم وتقديم كل العون لهم، ولم تمض ايام قليلة حتى تحدث الرئيس الاميركي جورج بوش مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وجدد تأييده له، وحيا صموده وبقاءه في رئاسة الحكومة، واكد له، انه لن يتخلى عنه.
وهذا العطف الاميركي للفريق الحاكم جاء على خلفية، ان بعض اركانه قد استجابوا لدعوة الحوار التي اطلقها الرئيس نبيه بري، الذي لمس ان ثمة تعثر في المبادرة العربية، فقرر ان يلبنن الحل، من خلال التوافق بين الموالاة والمعارضة على «اعلان نوايا» حول الحكومة وقانون الانتخاب، يكون مدخلاً لانتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، ولقي تجاوباً لمبادرته من قبل النائب وليد جنبلاط الذي قرأ تحولات في المنطقة، وقال لحلفائه في قوى 14 شباط، لا بدّ من تسوية سياسية، يقدم كل طرف فيها تنازلات، وان التطورات الاقليمية والدولية، قد لا تكون لصالح فريقنا، كما قال جنبلاط لحلفائه، الذي فتح كلامه الاعين الاميركية عليه، بعد ان ظهر له ان النظام السوري ليس محاصراً او معزولاً، فإنعقدت القمة العربية في دمشق، ودخلت تركيا على خط الوساطة بين اسرائيل وسوريا لمعاودة المفاوضات، وان رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت لا يمانع في الانسحاب من الجولان.
هذه التطورات دفعت بجنبلاط ليرى في مسار الاحداث، ان ثمة تحولات، ولا بدّ من حصول التسوية الداخلية كي لا تأتي على حسابه، فأبدى مرونة تجاه الحوار، لا سيما بعد ان عاد بري من دمشق حاملاً بما يشبه التطمينات لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، مما اقلق الادارة الاميركية التي ابدت تخوفاً من ان تمر الصفقات من دونها، وهي تغرق في المستنقع العراقي، ولا بدّ من مقايضة مع سوريا وايران في لبنان، مقابل الوضع في العراق، بالرغم من النفي المتكرر لمسؤولين اميركيين، ان لا ترابط بين الوضعين العراقي واللبناني، كما لا صفقة على حساب لبنان، لكن الوقائع لا تتحدث الا عن ذلك، وان عدم التوصل الى حل في لبنان، وافشال كل المبادرات، سببه القرار الاميركي ابقاء الازمة اللبنانية مفتوحة، وعدم تسهيل الحل بإعطاء المعارضة حقها في المشاركة بالحكومة، قبل ان تتوصل واشنطن الى حل مأزقها في العراق اولاً، ثم تعثر مشروع الرئيس بوش في فلسطين والقائم على قيام دولتين يهودية وفلسطينية.
ونجحت الادارة الاميركية في ثني الفريق الحاكم عن معاودة الحوار مع المعارضة، ووضع النائب سعد الحريري شروطاً، تقوم على انتخاب رئيس الجمهورية فقط حتى ولو لم يتم التوصل الى اتفاق على بندي الحكومة وقانون الانتخاب اللذين اعطى موافقة ملتبسة عليهما، حيث ذكرت المعلومات ان رئيس «تيار المستقبل» تبلغ من اميركا والسعودية، ان لا يستعجل الحوار، لان ثمة تطورات ستحصل في لبنان والمنطقة ستكون لصالح قوى الموالاة.
وبدأ الحريري يتشدد، منذ ان عاد من الرياض، كما ان لهجة جنبلاط تجاه الحوار تبدلت، وتركت علامة استفهام، حيث اشارت المعلومات، الى ان رئيس الاكثرية النيابية، نقل الى رئيس «اللقاء الديمقراطي»، اغراءات مالية، وطلب منه، ان يوقف الحديث عن الحوار، ويصوب بإتجاه ايران وحلفائها في لبنان وتحديداً «حزب الله»، وقد تلقى جنبلاط ايضاً رسالة اميركية تقول، ان عليه ان يؤخر الحل الداخلي وتقديم التنازلات، الى ما بعد زيارة بوش الى المنطقة والنتائج التي يمكن ان يخرج منها، اذ هو سيركز على الخطر الايراني وتعطيله للسلام ودعمه «للإرهاب» وفق التعبير الاميركي، وان الساحة اللبنانية يجب ان تبقي للاعب الاميركي، ليفاوض فيها خصومه في المنطقة وتحديداً سوريا وايران، وعدم تمكينهما من اعادة السيطرة على لبنان.
تبلغ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الرسالة، وطلب منه التصعيد ضد ايران و«حزب الله»، ليستخدمه الرئيس الاميركي في جولته بالمنطقة، وهذا ما فعله جنبلاط فوراً، وانقلب على الحوار، وباشر هجومه على «حزب الله»، من خلال مؤتمر الاشراكية الدولية الذي عقد في بيروت، ومن ثم بعد توقيف النائب الفرنسي وعضو الاشتراكية الدولية كريم بازاد، في الضاحية الجنوبية اثناء قيامه بالتصوير في اماكن حساسة فاشتبه به، وبعد التعرف عليه والتأكد من ما كان يقوم به فافرج عنه، فإستغل جنبلاط الحادثة، وشن هجوماً على «حزب الله» واتهمه انه يختطف المواطنين على طريق المطار، ويقيم «دولة ضمن الدولة»، واراد من ذلك، توجيه رسالة عبر هذا النائب الى الدول الاوروبية، عن «تجاوزات حزب الله» على القانون، والقفز فوق الدولة وتشويه صورته النضالية كحزب مقاوم، حيث يلقى التأييد والتفهم من الشعوب والدول الاوروبية.
هذه المحاولة لجنبلاط هي تتمة لما كان بدأه قبل العدوان الاسرائيلي في تموز 2006 واثناءه وبعده، عندما بدأ يشكك بالمقاومة وبهويتها اللبنانية، وما اذا كانت تعمل للبنان ام لإيران ومشروعها «الفارسي» في المنطقة، بإستعادة امجاد الامبراطورية الفارسية، او الارتباط الديني بـ«ولاية الفقيه»، وعدم الاعتراف بلبنان ودستوره ومؤسساته لكنه لم يتمكن من الوصول الى غاياته، التي انكشفت وهي ارتباطه بالقرار 1559 الذي يطالب بنزع سلاح المقاومة، بالرغم من ترداده الدائم انه ذهب الى فرنسا واميركا، وقال للمسؤولين فيهما ان سلاح المقاومة يحل بالحوار، لكن تبين انه لم يكن صادقاً بما كان يعلنه بدليل الحرب الاسرائيلية في تموز، والتي كشفت التقارير عن تورط فريق 14 شباط فيها، وقد اكد هذه المعلومات الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي كشف في تصاريح له، عن ان بعض الوزراء كانوا يطالبون الادارة الاميركية عدم وقف العدوان قبل ان تدمر المقاومة وسلاحها، لأن لا قدرة للحكومة اللبنانية على ذلك، كما ان الحوار لن يوصل الى نتيجة مع «حزب الله» الذي يطرح استراتيجية دفاعية تنص على ان تبقى المقاومة ككيان قائم وتنسق مع الجيش دون ان تندمج به، او تكون من الويته وافواجه.
ويروي قادة المقاومة عن ان وزراء وشخصيات من فريق السلطة زودت العدو الاسرائيلي بمعلومات عن المقاومة وتواجد قادتها، فيذكرون عن القصف الذي استهدف عدة مبان سكنية، على خلفية وجود السيد نصرالله فيها او احد من قادة المقاومة، الذين يتهمون قوى من 14 شباط بالتجسس عليهم، مما خلق لديهم عدم ثقة بهذه القوى التي كانت على علم بالعدوان الاسرائيلي، والذي استغلته لإبتزاز المقاومة لجهة تسليم سلاحها للجيش اللبناني وقرار الحرب والسلم للحكومة اللبنانية، في الوقت الذي كانت فيه تواجه اشرس عدوان على مدى 33 يوماً فصمدت بوجهه وانتصرت على اكبر قوة عسكرية في الشرق الاوسط. ولم تكن استقالة وزراء «امل» و«حزب الله» من الحكومة من فراغ،
ولم تكن لها علاقة بالمحكمة الدولية، كما يشيع الفريق الحاكم، بل السبب يعود الى ان المقاومة لم تعد تأتمن لهذه السلطة التي كانت تفاوض على ان يكون القرار 1701، تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وان تنتشر القوات الدولية في كل لبنان، وتحديداً في الجنوب، وعند الحدود مع اسرائيل وسوريا، اضافة الى التواجد في المرافئ والمرافق العامة، تحت حجة مراقبتها ومنع وصول السلاح الى المقاومة، وقد اصر جنبلاط ومعه سمير جعجع وغيرهما من الفريق الحاكم على ان يتم تدويل الامن في لبنان، لان بعض ضباط الجيش غير موثوق بهم ولهم ولاءات لـ«حزب الله» و«امل».
لم يتمكن الفريق الحاكم من تحقيق هدفه بإستدعاء قوات دولية الى كل لبنان، تقوم هي بتطبيق القرار 1559 الذي لم ينفذ منه سوى بند الانسحاب السوري وبقي بندان الاساسي منهما هو «سلاح الميليشيات» والمقصود سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني، اضافة الى الغاء التمديد للرئيس اميل لحود وانتخاب بديلاً عنه، وهذان البندان لم تستطع قوى 14 شباط تنفيذهما، بالرغم من الوعود التي قطعت للإدارة الاميركية، لاسيما في موضوع سلاح المقاومة الذي شكر السنيورة الوزيرة رايس على صبرها، لكنها هي لم تصبر عليه في ربيع 2006، وقررت تلزيم الموضوع الى اسرائيل، ففشلت في عدوانها صيف 2006، كما لم تنفع المحاولات بان تأتي قوات دولية تحت الفصل السابع لنزع السلاح.
وهكذا عادت الكرة من جديد الى الملعب اللبناني، وطلب من الحكومة ان تقوم بدورها، وجرى تنسيق المواقف بين اطرافها وناظر مراقبة تطبيق القرار 1559 تيري رود لارسن، وبدعم عربي ودولي، ان يتم تدويل الازمة اللبنانية من مكان ما، واستدعاء قوات دولية لنزع سلاح المقاومة، بعد ما تبين وفق الادارة الاميركية وحلفائها ان له دور تعطيلي في اجراء الانتخابات الرئاسية وبناء الدولة وبسط سلطتها، والغاء المربعات الامنية التي استحدثها «حزب الله» في الضاحية الجنوبية وفي مكان اعتصام المعارضة في ساحة رياض الصلح، كما يقول الفريق الحاكم، الذي قرر فتح ملف سلاح المقاومة، وقد اوكل الامر الى جنبلاط، الذي تلقى معلومات حسب ما اشار عن وجود «كاميرا» في احد المستوعبات قرب حرم مطار بيروت، وان دورية للجيش اللبناني لاحظت ذلك في 25 نيسان الماضي، فإستغل هذا الموضوع ليفتح ملف المقاومة وسلاحها وامنها وشبكة اتصالاتها، في الوقت الذي كانت الانظار متجهة نحو الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري، حيث ظهر تفاؤل بإمكانية التوصل الى تسوية تحدث عنها جنبلاط الذي انقلب عليها وعلى الحوار، واخذ لبنان من الاستحقاق الرئاسي الى المقاومة وسلاحها، منطلقاً من تقارير سرية متبادلة بين قيادة جهاز امن المطار ومديرية المخابرات في الجيش ووزير الدفاع، وهي تتحدث عن اشتباهات حول وجود «كاميرا»، جرى التأكد منها، فتبين لمديرية المخابرات انها «كاميرا» للمراقبة كتلك التي تستخدمها المؤسسات لكشف السرقات ومراقبة الداخلين اليها، وهي تابعة لمؤسسة «جهاد البناء» التي لديها قرب المطار ارضاً تضع فيها مستوعبات لمواد بناء لإعادة اعمار المباني التي تهدمت في الضاحية اثناء العدوان الاسرائيلي، لكن جنبلاط الذي يحاول منذ فترة بعيدة التشكيك ببعض قادة الاجهزة الامنية الرسمية ومن بينهم قائد جهاز امن المطار العميد وفيق شقير وقبله مدير عام الامن العام العميد وفيق جزيني الذي شن حملة عليه ايضا، كما على غيرهما من الضباط الذين يتهمهم الفريق الحاكم، بأن لهم ولاءات حزبية، ويتعاطفون مع المقاومة، وكأن الدستور اللبناني والبيان الوزاري للحكومة لا ينصان على تبني المقاومة ودعمها. لذلك فان اثارة موضوع الامن في المطار، يدخل من باب السيطرة عليه من قبل فريق 14 شباط، لاستخدامه بنقل السلاح عبره، دون رقيب او حسيب، حيث كانت التقارير قد ذكرت عن استقدام السلاح عبر الطائرات الخاصة، وكشف عن ذلك العماد ميشال عون، كما ان بعض المعلومات تحدثت عن ان ما ذكر عن «الكاميرا» كانت تصور تفريغ اسلحة في المطار لقوى السلطة.
والى جانب موضوع قائد جهاز امن المطار، فإن المسألة الخطيرة التي اثيرت كانت شبكة اتصالات المقاومة او هاتفها، وهي امتداد ومكمل لسلاح المقاومة، ومن الضروري ان يكون للمقاومة هذه الشبكة الخاصة، التي لم يتمكن العدو الا سرائيلي من اختراقها والوصول الى قادة المقاومة وعلى رأسهم سيدها حسن نصرالله، وان التركيز من قبل اطراف الحكم على هذه الشبكة واعتبارها بأنها اعتداء على املاك الدولة، يؤشر الى امر خطير، وهو ان الحكومة قررت تجريد المقاومة من سلاحها، وبدأت بكشفها امام العدو الاسرائيلي، عندما تنشر خرائط تقول انها عائدة للشبكة، وتتقدم بشكوى الى الجامعة العربية وترفع كتاباً الى مجلس الامن الدولي عشية البحث في تقرير لارسن حول القرار 1559، والذي يتجه الى تدويل الازمة اللبنانية، وهو ما سبق وطرحه على اجتماع «اصدقاء لبنان» الذي عقد على هامش مؤتمر دول جوار العراق في الكويت، ويبدو انه تلقى دعماً من السعودية ودول عربية اخرى، ولم يواجه اقتراحه برفض من قوى وشخصيات لبنانية، اذ تحدث البطريرك صفير عن تدويل المطار والامن فيه، كما سبق له واقترح تعيين حاكم دولي على لبنان، وهي اشارات سلبية، بأن الدولة اصبحت ساقطة وفاشلة، وان التدهور الامني الذي شهدته العاصمة، يصب في اتجاه تدويل الامن فيها، ووضع القرار 1701 تحت الفصل السابع، حيث يستعيد اللبنانيون ان مطار بيروت لم يفتح الا بعد ثلاثة اسابيع من وقف المعارك العسكرية في صيف 2006، لان كان الاتجاه هو وضعه تحت الحماية الدولية.
فهل دخل لبنان الصيف الساخن، مع قرارات حكومة السنيورة التي رفعت شكوى جزائية ضد المقاومة، مما يعني انها وضعت قائدها امام المحاكمة وهو ما كانت الادارة الاميركية وعدت به قوى 14 شباط خلال عدوان تموز، بأن يعدوا السجون للسيد نصرالله وقادة المقاومة، بعد الهزيمة التي ستلحق بها ولكن العملية فشلت وتعمل الحكومة على تطبيقها، لكنها تعرف انها لن تستطيع، وستقطع يدها، اذا ما امتدت الى سلاح المقاومة.
Leave a Reply