صمود غزة ومقاومتها تعززان نهج المقاومة فـي لبنانجنبلاط يعترف بهزيمة اسرائيل ويعيش قلق خسارة فريقهالحرب العداونية الاسرائيلية على غزة، والنتائج التي سنتتهي اليها، ستكون لها انعكاسات على المنطقة وانظمتها، والحل الذي سيكون عليه للصراع العربي- الاسرائيلي، وهي سترسم خارطة جديدة، ومحاور عربية واقليمية.فالعدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، وصمود المقاومة وانتصارها في مواجهته، اسقط مشروع «الشرق الاوسط الجديد»، الذي بشرت به وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس، واعلنت انه سيولد من دم اللبنانيين ودمار بلدهم، وهي كانت تقول ان مرحلة ما قبل 12 تموز 2006، وهو التاريخ الذي بدأت اسرائيل عدوانها بعد اسر الجنديين الاسرائيليين من قبل «حزب الله»، هي مرحلة ستكون مختلفة جداً، حيث لن تعود هناك مقاومة، وسيدخل لبنان في مفاوضات مع اسرائيل وينهي الحرب معها، ويوقع معاهدة سلام، ويرسم للمنطقة خارطة جديدة، فيسقط المحور الممانع والمقاوم للخطط الاميركية والاسرائيلية، والذي يسميه الرئيس جورج بوش بـ«محور الشر» والذي يضم كل من ايران وسوريا و «حزب الله» و«حماس» وكل القوى المقاومة.وهذه الخارطة هي التي تجري حياكتها منذ عقود، وبعد زيارة الرئيس المصري المقتول انور السادات عام 1977 ،حيث حصل أول اجتياح للبنان عام 1978، وتبعه بعد عامين اجتياح ثانٍ في عام 1982، حيث وسعّت اسرائيل من احتلالها للبنان ووصلت الى عاصمته بيروت واقامت نظاماً سياسياً تابعاً لها، عبر ايصال بشير الجميل، ثم شقيقه امين بعد اغتيال الاول على يد المقاومة الوطنية اللبنانية الى رئاسة الجمهورية، حيث حاولت اميركا ان تفرض اتفاق سلام بين لبنان واسرائيل اسمته اتفاق17 ايار، كنتيجة سياسية للغزو الصهيوني، لكن المقاومة الوطنية، اسقطت هذا الاتفاق، بعد ان الحقت هزيمة بقوات الاحتلال الاسرائيلي وطردتها من بيروت وضواحيها ومناطق الجيل وصيدا وشرقها والنبطية وصور، واعادتها الى منطقة «الشريط الحدودي» السابقة مع تعديلات عليه.سقوط اتفاق 17 ايار، غيّر طبيعة الصراع، وتمكنت القوى الوطنية بالتحالف مع سوريا، ان تحقق انجازات على المستوى الداخلي، لجهة اجتثاث المشروع الانعزالي، واجراء اصلاحات في النظام السياسي، تم تكريسها في اتفاق الطائف.ومع عدم تمكن اسرائيل بمساندة اميركا من جر لبنان الى سلام مع الدولة العبرية، ثم التركيز على المسألة الفلسطينية، وقامت منظمة التحرير الفلسطينية بالألتحاق بمؤتمر مدريد للسلام، بعد غزو العراق للكويت واخراجه منها في حرب الخليج الثانية، ورأت اميركا وحلفاؤها ان ايجاد حلول للقضية الفلسطينية، يفتح ابواب الحل في كل المنطقة، ويتحقق السلام.الا ان ما حصل، هو ان العرب الذين ذهبوا بوفد واحد الى مدريد، وتحت سقف «الارض مقابل السلاح» وتطبيق القرارات الدولية، واسترجاع الاراضي المحتلة، تفرقوا الى اقامة مفاوضات منفردة وجزئية، فخرجت منظمة التحرير الى اتفاق اوسلو عام 1993 الذي دفنته اسرائيل فيما بعد ولم تحقق التسوية شيئاً للفلسطينيين، الذي تقدم في صفوفهم خيار المقاومة والكفاح المسلح، فكانت الانتفاضة الثانية في عام 2002، بعد ان رفض الرئيس ياسر عرفات تقديم التنازلات في المواضيع الاساسية والرئيسية وهي القدس، وحق العودة، وحدود الدولة الفلسطينية وبناء المستوطنات.مع تراجع الحل على الجانب الفلسطيني – الاسرائيلي، تقرر في الادارة الاميركية، ان يبدأ الحل في مكان اخر، وتحت شعار الحرب على «الارهاب» بعد احداث 11 ايلول في اميركا، وتفجير برجي نيويورك وغيرهما، فشنت واشنطن حرباً على افغانستان في نهاية العام 2001، ثم احتلت العراق في العام 20032، ومع سقوط بغداد، قرر الرئيس الاميركي جورج بوش، وضع مشروع للمنطقة التي اصبحت تحت الهيمنة الاميركية، ولم ير من يقف بوجهه سوى سوريا، التي رفضت الاصطفاف معه في العراق، ووجه اليها اتهامات انها ترعى «الارهاب» بدعم المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، واتخذ قراراً مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لاضعاف سوريا ونظامها فكان القرار 1559، الذي اتخذه مجلس الامن الدولي، لسحب قواتها من لبنان ونزع سلاح المقاومة، وهكذا عاد المشروع الاميركي – الاسرائيلي القديم الى لبنان الذي فشل في مطلع الثمانينينات الى البروز، حيث اعتبرت الادارة الاميركية ان سوريا في لبنان تشكل دعماً للمقاومة وحلفائها، وان اخراجها منه، يمكن حلفاء اميركا من ان يأخذوا السلطة، ويضربوا المقاومة وينهوا وجودها ويجردونها من سلاحها، ويذهبوا الى سلام مع اسرائيل، يجري تلطيفه تحت عنوان تطبيق اتفاق الهدنة، لكن «ثوار الارز» لم يتمكنوا من تحقيق ما التزموه امام البيت الابيض الذي انقذ حسب رأيهم لبنان من «الاحتلال السوري» وان التحولات الدولية جاءت لصالحهم، باتفاق بوش – شيراك، وهذا ما كان يقوله النائب وليد جنبلاط والبطريرك نصرالله صفير، اللذين تحالفا منذ العام 2000، على انهاء الوجود السوري في لبنان، فكان بيان المطارنة الموارنة الشهير في 5 ايلول من ذلك العام، ثم في «مصالحة الجبل»، وقيام «لقاء قرنة شهوان» وكل ذلك لإسقاط قوى المقاومة والممانعة، حيث تم استغلال الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان، للضغط باتجاه انسحاب القوات السورية منه، وان تسلم المقاومة سلاحها الى الجيش اللبناني.فشلت قوى 14 شباط في تنفيذ المخطط الاميركي – الاسرائيلي وتم اسقاطه بعد العدوان الاسرائيلي في صيف 2006، ثم في منع حكومة السنيورة التي نالت اكبر دعم اميركي ومن عرب اميركا لها، من ان تحكم، وسقطت في انتفاضة 7 ايار من عام 2008 التي قادتها المعارضة ،وحققت توازناً داخلياً، بانتخاب رئيس جمهورية توافقي هو العماد ميشال سليمان وتشكيل حكومة وحدة وطنية.وجاءت احداث غزة، كانتقام لما جرى في لبنان اولاً في صيف 2006، وهزيمة الجيش الاسرائيلي امام المقاومة، ثم في تمكن المعارضة من الامساك بالقرار داخل الحكومة، او على الاقل تعطيله عند اللزوم، وهو ما اعتبرته اسرائيل واميركا هزيمة سياسية لحلفائها في لبنان، واشار قادتها الى ان ما بنته في ثلاث سنوات انتهى في ثلاث ساعات، وهددوا بان اي حرب جديدة لن يوفر العدو الاسرائيلي، المراكز الحكومية والمؤسسات الرسمية وقوى الجيش وقوى الامن الداخلي، اضافة الى المرافق العامة، ومحطات الكهرباء والمياه، تحت حجة وجود «حزب الله» في الحكومة، ووقوع قرارها تحت سيطرته.ان الصمود الذي اظهرته المقاومة في غزة وتصديها للاحتلال الاسرائيلي، ومقاومتها لاجتياحه البري، وعدم تمكن طائراته من تحقيق اهدافها، ونفاذ بنك اهدافه، كل ذلك، فرض نفسه على الوضع اللبناني واعترف فريق 14 شباط، بانتصار المقاومة الفلسطينية، ببقاء قيادتها وتماسكها، واستمرار سقوط الصواريخ على المستوطنات والتي من اجل وقف اطلاقها، كان العدوان على غزة، التي يتكرر فيها مشهد صيف 2006 في لبنان، في شتاء 2009وقد اعترف قادة العدو، بان معركتهم ليست سهلة وحاولوا تخفيض اهداف العملية العسكرية، كي لا يحاسبوا على ما اقدموا عليه، كما حصل اثناء الحرب على لبنان، فبات الهدف يتلخص بوقف الهجمات الصاروخية وليس انهاء حكم «حماس» وهو كان مطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس، مدعوماً من مصر والسعودية بشكل مفضوح، ومن اميركا وحلفائها.فانتصار «حماس» في غزة، سوف يفرض نفسه على لبنان، الذي حاول البعض فيه، المراهنة على هزيمة المقاومة الفلسطينية، لاعادة ترتيب الوضع الداخلي اللبناني، واستعادة ما خسروه في 7 ايار، لكن وليد جنبلاط سارع الى الاعتراف مبكراً بانتصار المقاومة في غزة، كما فعل في لبنان وسأل في صيف 2006، لمن سيهدى السيد حسن نصرالله الانتصار، الذي احدث انقلاباً ليس على الساحة اللبنانية بل على الساحة العربية التي شعر «الاعتدال العربي» بالهزيمة، كما ان اميركا خسرت مشروعها، وخرجت لجنة بايكر هاميلتون، توصي بالحوار مع سوريا وايران، واخذ مصالحهما في المنطقة في الاعتبار.في ذلك الوقت من تشرين الاول 2006، ذهب جنبلاط الى اميركا، وعاد منها الى طاولة التشاور في مجلس النواب، ليقر امام المعارضة عن هزيمة المشروع الاميركي وفشل رهانه هو وحلفائه عليه، لكنه لم يسلم بالهزيمة فوراً وانتظر تطورات ما ستحصل ضد سوريا، لكنه فوجئ بان الادارة الاميركية تريد تغيير سلوكها وليس نظامها، فلعب لعبة اخيرة كانت في قرار الحكومة وقف شبكة اتصالات المقاومة، فجوبه بالقوة العسكرية من قبل المعارضة،وكانت الضربة القاضية لمشروعه مع حلفائه.وباعتراف جنبلاط بهزيمة اسرائيل في غزة، بدأ يبحث عن مخرج له عشية الانتخابات النيابية، الذي يعيش قلقاً على خسارة قوى 14 شباط فيها، وان انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة، ستعزز من دور المعارضة اكثر داخل لبنان، لا سيما «المعارضة السنية»، التي ظلت على مواقفها ومبادئها في دعم المقاومة ومواجهة المشروع الاميركي – الاسرائيلي، حيث تعزز خطها السياسي، وتقهقر الخط الذي راهن على اميركا، وفي طليعته «تيار المستقبل» وان استعادة الطائفة السنية الى موقعها القومي الطبيعي، سوف يلحق هزيمة سياسية بـ «تيار المستقبل»، الذي يحاول ان يجمّل مواقفه، ويلتحق سريعاً بقطار المقاومة.
ان تطورات غزة، ستغير من وجه المنطقة، ولبنان من ضمنها، الذي سيتعزز فيه خط المقاومة وثقافتها، وان البحث في استراتيجية دفاعية، سينطلق من انتصارات المقاومة في لبنان وغزة، وستسقط مقولات «الحياد السويسري»، او شعار «قرار الحرب و السلم بيد الدولة» تحت ذريعة انهاء المقاومة، الى مقولة، التكامل بين الجيش والمقاومة الذي اكد عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
Leave a Reply