عرفتُها عن قُرب، كانت جميلةً وجذّابة، تتمتّع بسمارٍ عربيٍّ أخّاذ، تتدفّق بالحيويّة والنشاط، جمالُها ملفِتٌ وساحر، فجأةً وجدت نفسَها أسيرةَ حبّ جارف، لم يكن العمرُ بينها وبين من أحبّت متكافئاً، إذ كان الذي أحبّته طاعناَ في السن كما كان طاعناً بالمكر وترويض النساء، كان يسقّطهنّ الواحدة تلو الأخرى كتفّاحة في حجره، لكنّه يريدها أن تنضج على غصنِ الإنتظار.
أغدقَ عليها المفاجآت المغرية، أينما تذهب تدركها ورودُه، وكانت فتنتُها تكمن في جمالها البكر، لم تكن تشبه واحدةً في زمنٍ ماعاد فيه الجمال الطبيعي موجوداً، حيث يطغى الجمال الصناعي المنطلِق من عيادات التجميل، أدخلَها في حالة دوارٍ عشقيٍّ يصعب الخروج منه، أسكنها على حافّة حرائق الإنتظار، وقد أحبّته هي بعد أن أظهرَ لها الهيام والشغف بحبّها، ولم يبخل عليها بالهدايا الثمينة، واصطحبَها إلى رحلاتٍ نجوميّةٍ آسرةٍ لم تكن تحلم بها أو تراها أو تعيش أجواءها حتّى في الأحلام، فأصبحت ظلّه الذي لا يفارقه، بادلته الحبَّ وحدّثت نفسها بأن لن تفارقه مدى الحياة، والحب هو حصيلة اثنين يضحكان للمشاهد نفسها، ويشتعلان معاً بعود كبريت واحد، وينطفئان بهبّة هواءٍ واحدة، وكلّ ذلك دون تنسيق أو اتّفاق مسبّق.
كانت العلّة الكامنة فيه أنّه دائمُ الشكِّ في كلّ من تدخل حياتَه العاطفيّة، كما كان دائمَ الحذر كأنّ دبوّساً ملتصقاً بجنبه يحذر أن يوخزَه في أيّة لحطة، وكان مصدر الحذر يأتي من ثرائه، والسحر الساطع من ماله كثيراً ما غطّى على سحره الشخصيّ، والكثيرات من النساء يحمن حوله، يغازلن جيبه لا قلبه، ويحلمن وهنّ في سريرِه برجلٍ سواه، لم يُراعِ مشاعرَ تلك الفتاة ذات السمار الجذّاب ولم يخلص لشبابها الغضّ، بل تمادى في تصرّفاته الصبيانيّة المريبة، فأخذ الشكّ يدخل قلبها والظنون تراودها بالتريّث، ولسان حالها يقول: هي الحياة، لا ندري ونحن نجلس وراء مائدة مباهجها، ماذا تراها تسكب لحظتها في أقداحنا، في الواقع لنا من يختار مشروبنا، نحن نختار النديم، أمّا الندم فيختاره القدر.
وأخيراً دعاها العقلُ إلى تركه فلبّت النداء، وذهبت إلى حال سبيلها بعد أن أخطأت لحظة قبولها بقانون لعبته، قرّرت الإبتعاد عنه بعد أن أهانت ما كان كبيراً فيه، وشوّهت ما كان جميلاً فيه، وشوّشت علاقته برجولته، لكنّه حاولَ التبربر لها، وجلس يحشو غليونه تبغاً كما صبراً ومكراً، واضعاً في كلامه وجُمله ما يكفي من اللعب الموارب لإطاحة صمودها.
أمّا هي فقد جلست في غرفتها تتأمّل الورود التي أرسلها لها، فذكّرتها بالزوال المحتوم للجمال وللسعادة، في عزّ تفتّحها تكون الوردة أقرب إلى الذبول، وكذا كلّ شيء يبلغ ذروتَه يزداد قرباً من زواله.
إنقضت أشهرٌ قبل أن يلتقي بها ثانيةً في مناسبة مفرحة، هذه المرّة سيلقي من الحطب ما يكفي لإشعال موقدها لأيّام، لكنّه لم يستعمل سوى عود ثقاب واحد، أرسلَ لها باقة ورد وبداخلها رقم هاتفه مع ورقة مفعمة بكلمات الحب والإعتذار وجنونه العشقيّ، وأخيراً انتابتها مشاعر طفحت بأحاسيس جارفة نحو العودة إليه، قاومت لهفتها ، ولكنّ الحبّ الدفين تحرّك داخلها ودفعها إليه ثانيةً.
Leave a Reply