واشنطن – على مدار الشهرين الماضيين، شكلت الجامعات الأميركية الكبرى مسرحاً رئيسياً للاعتراض على الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، مما استدعى حملة «تأديبية» شنها أنصار دولة الاحتلال وأسفرت عن الإطاحة برئيسة «جامعة بنسلفانيا» وسط مطالبات بتنحية مسؤولين آخرين بتهمة التهاون مع ما يسمى بـ«معاداة السامية».
ويأتي ذلك وسط مخاوف متزايدة من تنامي معاداة السامية داخل الولايات المتحدة وخارجها، في ظل تداعيات العدوان الهمجي على غزة، والذي يواجه انتقادات عالمية متزايدة بسبب المجازر اليومية المروعة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، في حين تشهد الجامعات الأميركية احتجاجات طلابية متزايدة ضد السياسات الإسرائيلية.
واشتدت الضغوط على الوسط الأكاديمي الأميركي، الأسبوع الماضي، إثر شهادة رئيسات «جامعة بنسلفانيا» ليز ماكغيل، و«هارفرد» كلودين غاي، و«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» سالي كورنبلوث، أمام الكونغرس يوم الثلاثاء 5 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، حول تزايد معاداة السامية في الجامعات الأميركية مند اندلاع الحرب على غزة.
استقالة رئيسة «جامعة بنسلفانيا» .. و«هارفرد» تتمسك برئيستها
.. و«ميشيغن–آناربر» تؤسس معهداً لمكافحة معاداة السامية
وقد أسفر ذلك عن استقالة ماكغيل، من منصبها بحلول يوم السبت المنصرم، فيما انتظرت جامعتا «هارفرد» و«أم آي تي» لنحو أسبوع كامل قبل إعلانهما عن بقاء كل من غاي وكورنبلوث في منصبيهما.
وكانت رئيسات الجامعات الثلاث قد مثلن في جلسة استماع أمام لجنة التعليم والقوى العاملة بمجلس النواب، حيث أفدن بأن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في الحوادث المعادية لليهود والمسلمين في حرُمهم الجامعية منذ بدء حرب غزة. كما أدانت المسؤولات الثلاث معاداة السامية وكراهية الإسلام، وأكدن على أنهن يتخذن خطوات لمعالجة هذه المشكلة.
ورغم ذلك، واجهت الرئيسات الثلاث موجة واسعة من الضغوط والانتقادات اللاذعة بسبب إجابتهن على سؤال طرحته عضوة الكونغرس الجمهورية إليز ستيفانيك (نيويورك)، وهو: «هل الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود تنتهك قواعد السلوك الجامعية أو القواعد المتعلقة بالتنمر والتحرش؟ نعم أم لا؟»
لكن ردهن كان حذراً وغير مباشر، مؤكدن أن ذلك «يعتمد على السياق»، مما استفز ردود فعل قاسية من أنصار إسرائيل، حيث هدد مانحون كبار بإلغاء ملايين الدولارات المقدمة إلى المؤسسات الثلاث، وانتشرت مناقشات حادة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما كتب 74 مشرعاً رسائل تطالب بإقالتهن فوراً.
جامعة بنسلفانيا
جاءت استقالة ماكغيل، بعد أن قام ملياردير بارز بسحب تبرع بقيمة 100 مليون دولار من «جامعة بنسلفانيا»، وهو روس ستيفنز مؤسس شركة «ستون ريدج» الذي اشترط تنحية الرئيسة الحالية لإعادة النظر في قراره.
وكان ستيفنز، وهو أحد المانحين الرئيسيين للجامعة، قد تبرع لها في 2017 بحصص شراكة محدودة بالمؤسسة والتي تصل قيمتها اليوم لنحو 100 مليون دولار لمساعدة الجامعة على إنشاء مركز للابتكارات المالية. لكن محامي ستيفنز أرسلوا خطاباً للجامعة يُفيد بانتهاكها لاتفاقية الشراكة الخاصة بـ«ستون ريدج» بسبب فشلها في الالتزام بقواعد مكافحة التمييز والتحرش.
كما جاء بالخطاب أن ستيفنز والمسؤولين لدى شركته «منزعجون جداً من موقف الجامعة بشأن معاداة السامية داخل الحرم الجامعي».
وأضافوا أن «تساهل إدارة الجامعة تجاه خطاب الكراهية الذي يُثير العنف ضد اليهود، وعدم التدخل بشأن ما يصدر من مضايقات وتمييز ضد الطلاب اليهود يُعتبر انتهاكاً صريحاً للسياسات التي تحظر التعنُت والتمييز على أساس الدين، بل وسياسات الشركة نفسها». لكن ستيفنز أكد من خلال رسالته، أنه على استعداد لإعادة النظر في سحب تبرعه، لكن بعد قيام إدارة الجامعة بتعيين رئيس جديد لها بدلاً من ماكغيل. وهذا ما حصل بالفعل.
وبعد استقالتها، نشرت ماكغيل مقطع فيديو قالت فيه إن شهادتها خلال جلسة الاستماع بالكونغرس ركزت على سياسات الجامعة والحماية الدستورية لحرية التعبير، لكنها كانت أيضاً واضحة حول كَون «الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود أمر مثير للقلق».
وفي معرض «تصحيح» موقفها، استدركت ماكغيل عبر منصة «أكس» قائلة: «لم أركز على الحقيقة التي لا يمكن دحضها، والتي كان ينبغي أن أركز عليها، وهي أن الدعوة إلى الإبادة الجماعية للشعب اليهودي هي دعوة لبعض أفظع أعمال العنف التي يمكن أن يرتكبها البشر».
وقال سكوت بوك، رئيس مجلس إدارة «جامعة بنسلفانيا» التي يقع مقرها في فيلادلفيا، في بيان نُشر على الموقع الرسمي للجامعة، إن ماكغيل ستغادر منصبهما فور تعيين رئيس مؤقت، وهو ما تم يوم الثلاثاء الماضي باختيار جاي. لاري لاميسون بديلاً مؤقتاً لها. فيما اضطر بوك نفسه إلى التنحي إثر تعرضه لضغوطات مماثلة.
جامعة هارفرد
تعليقاً على استقالة ماكغيل، قالت النائبة ستيفانيك على موقع التواصل الاجتماعي «أكس»: «سقطت واحدة ويتبقى اثنتان.. هذه مجرد البداية لمعالجة الفساد المتفشي لمعاداة السامية الذي دمّر مؤسسات التعليم العالي المرموقة في أميركا». وأضافت أن استقالة ماكغيل كانت «الحد الأدنى لما هو مطلوب»، وحثت جامعة «هارفرد» و«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» على اتخاذ إجراءات مماثلة.
غير أن مجلس إدارة «جامعة هارفرد» أعلن صباح الثلاثاء الماضي عن استمرار كلودين غاي بمنصبها رئيسة للجامعة المرموقة، متجاهلة الدعوات إلى استقالتها، في أعقاب جلسة الاستماع المثيرة للجدل، وذلك بعد أن قدمت غاي اعتذارها عن «فشلها في إدانة التهديدات بالعنف المعادي للسامية بقوة أكبر في حرمها الجامعي».
وأنهى قرار «هارفرد»، أسبوعاً من دعوات خريجين ومانحين لاستقالة غاي، التي حظيت في المقابل بدعم من أعضاء هيئة التدريس، المهتمين باستقلال الجامعة عن الضغوط السياسية.
وكان مئات من أعضاء هيئة التدريس في «جامعة هارفرد» قد وقّعوا رسالة دعمت رئيسة الجامعة بعد ساعات من استقالة نظيرتها في «جامعة بنسلفانيا».وحذرت الرسالة من أن المحاولات السياسية لإزاحة غاي «تتعارض مع التزام جامعة هارفارد الحرية الأكاديمية»، بحسب ما ذكرت صحيفة بوسطن غلوب، ودعت المسؤولين إلى «الدفاع عن استقلال الجامعة».
وقال مجلس الإدارة في رسالة إلى «مجتمع هارفرد»: «أكدت مداولاتنا المكثفة ثقتنا في أن الرئيسة غاي هي القائدة المناسبة لمساعدة مجتمعنا على التعافي ومعالجة القضايا المجتمعية الخطيرة التي نواجهها».
كذلك، أعلنت إدارة «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» عن دعمها لبقاء كورنبلوث في رئاسة الجامعة.
جامعة ميشيغن
في سياق متصل، أعلنت جامعة ميشيغن –الأسبوع الماضي– عن إنشاء معهد جديد في حرمها الجامعي في آناربر، سيتم تخصيصه للأبحاث والمنح الدراسية حول معاداة السامية من أجل إيجاد طرق لمكافحتها.
وقال رئيس الجامعة، سانتا أونو، المؤيد لإسرائيل، إن إنشاء هذا المعهد يأتي في إطار جهود «جامعة ميشيغن» لمحاربة معاداة السامية وسط تزايد الهجمات المستوحاة من الكراهية على مستوى العالم، وفقاً لوكالة «أسوشيتد برس». وأضاف أونو، في كلمة وجهها لمجلس أمناء الجامعة أنه تم تسمية المعهد على اسم «راؤول فالنبرغ» خريج جامعة ميشيغن، والدبلوماسي السويدي، الذي يُنسب إليه الفضل في إنقاذ حياة الآلاف من اليهود خلال المحرقة، من خلال إصدار جوازات السفر وإيواء اليهود في المباني التي حددها على أنها أراضٍ سويدية.
وكان مجتمع الجامعة، الذي يضم 6,500 طالب يهودي، مسرحاً لأعمال معادية للسامية وللمثليين حدثت خارج الحرم الجامعي في شهر يوليو المنصرم، وشهدت كسر عدد من النوافذ ورسم الصليب المعقوف في أحد المواقع.
وقد أظهر استطلاع حديث قامت بنشره مؤخراً «رابطة مكافحة التشهير» اليهودية أن 73 بالمئة من طلاب الجامعات اليهود و44 بالمئة من الطلاب غير اليهود تعرضوا أو شهدوا حوادث معادية للسامية منذ بداية العام الدراسي 2023–24، وتفاوت ذلك بين المعاداة للسامية إلى التهديد بالعنف.
Leave a Reply