… وأخيراً وبعد جهدٍ جهيدٍ ولدت، ولادة قيصرية، “حكومة الوحدة الوطنية” رغم كل الهمروجة وكل ما أثير من لغط حول معزوفة الأكثرية والاقلية التي مللنا سماعها وكأن لبنان بلدٌ تتعدد فيه الأحزاب التي تملك برامج وطنية وتقام فيه الانتخابات على أساس قانون نسبي ديمقراطي عصري صحيح، لا على أساس قانون من العصر الحجري تتدلى منه كل الموبقات المذهبية والطائفية والفساد والرشوة السياسية.
حتى بمقاييس الانتخابات المنصرمة، التي كلفت المليار و٢٠٠ ألف دولار نقداً وعداً وشارك فيها المغتربون الذين أكثرهم لم ير “وجه” وطنه الأصلي منذ عشرات السنين لكنهم عادوا والعود أحمد بخفي البترودولار لممارسة “واجبهم الوطني” والتمتع بالسياحة المدفوعة الثمن، اختلط فيه الحابل بالنابل بعد تراجع وليد جنبلاط، دولاب اليانصيب الوطني البشري، عن موقعه في جوقة “١٤ آذار” الذي جناه بـ”عرق” لسانه السليط آخر مواقف جنبلاط “الدولابية” دعوته إلى إزالة جدار الحذر بين إيران وعرب المواجهة، وهو كان قد طالب يوماً بطرد السفير الإيراني قبل أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى!.
فالحقيقة أنه بعد إنقلاب جنبلاط لم تبق الأغلبية على اكثريتها ولم تعد المعارضة أقلية. لكن رغم ذلك ظلت المعارضة تقبل بمعادلة ١٠-٥-١٥ غير العادلة وغير المنطقية وهذا، للمناسبة، تنازلٌ كبير من قبل المعارضة.
وحده بطرك العروبة ليومٍ واحدٍ فقط إعتصم حتى آخر لحظة وبقي على موقفه بأن الأكثرية والأقلية لا يجتمعان في حكومةٍ واحدة مع أنه، كما أسلفنا، الأغلبية لم تعد أكثرية ولو ورقياً! وربما هذا الأمر إستدعى سابقة أن يزور سعد الحريري بكركي ويقدم واجب الطاعة للبطرك الذي اعتبر، الخاسرالأكبر في مسألة تأليف الحكومة التي سوف “تشيل الزير من البير” وتحل أزمات لبنان الكبرى!
ربما يشعر البطرك بالمرارة لأنه لم يؤخذ برأيه لا في مسألة رئاسة الجمهورية ولا التشكيلة الحكومية الجديدة، ولأن تصريحه الشهير قبل يومٍ واحدٍ من إنتخابات ٧ حزيران هذا العام، وان أدى إلى بلبلةٍ مسيحية، لكنها لم تكسر الجنرال ميشال عون. وعندما لم تنفع هذه الخطة، فتح البطرك النار على الحليف الأكبر لعون حين طعن هذا الحليف، الوازن والكبير والمضحي، في انتمائه الوطني بالقول أنه تابع لإيران! هذا الحديث الذي ادلى به لمجلة “المسيرة”، التابعة لتيار “بشير حيةٌ فينا” والذي أصر عليه، تقصد عبره لا إنتقاد إيران رغم الإظهار وكأنها طاعون سياسي (لكنه لا يجد غضاضةً في استقباله للسفير الإيراني عدة مرات ونحن بالتالي لا نفهم إصرار سفير إيران على نيله هذه الحظوة؟)، بل محاولة حثيثة من قبله من أجل تحطيم ميشال عون. ذلك بأن الجنرال الوكيل لولاية الفقيه في لبنان إرتكب جريمة لا تغتفر: لقد تمكن من جعل الموارنة، أو أكثرهم، ينخرطون في مساندة اخوانهم في المواطنية من الطائفة الشيعية في مشروعٍ واحدٍ للدفاع عن وطنهم الذي لم يعط أبناء هذه الطائفة أي شيءٍ يذكر. وبسبب هذا التفاهم العوني-الشيعي اللاطائفي (لأنه غير صفقة “الميثاق الوطني” المذهبي المدفون) توقفت الحرب ألأهلية البغيضة عند حدود الشياح وعين الرمانة بالرغم من تحريض “الكتائب” و”القوات” لإذكاء نار الفتنة وتبرير وجودها المهزوز، بعد أن كادت تشتعل مراتٍ عديدةٍ نتيجة الإحتكاك الفردي! فيا ويلنا لو كانت “القوات” ما زالت تتحكم بخناق الشارع المسيحي (الماروني) في “مار مخايل” أو “عين الرمانة”، حيث لها في قتلها للمسيحيين قبل المسلمين اسوةٌ سيئة!
من هنا سر الحملة الكنسية-الكتائبية-القواتية الشرسة ضد عون من أجل إضعافه وتكبيله في المفاوضات مع الحريري، لكنه أثبت بعد نيله ما أراد أنه الزعيم الأكثر شعبيةً والأكثر مهارةً في إنتزاع الحقوق والمناورة والإستقلالية والتفلت حتى من ضغوط الحلفاء، بعكس مسيحيي “١٤ آذار” (أو ما تبقى من فلولهم). ألم يبق أمين الجميل البحصة ويعاتب سعد الحريري على معاملة قريطم لمسيحيي “١٤ آذار” كتابعين مقارنةً مع “مسيحيي ٨ آذار”؟ صح النوم أمين الجميل (ليك وين بعدو)! لقد لفت انتباهي كلمة لأمين بيار الجميل يقول فيها “إننا لا نستحي من تاريخنا”! وحسناً فعل سعد الحريري، الذي كان والده الشهيد يمنع هذا الفخور مع “اعطاب” القرنة (السوداء) من دخول بيته، بعدم تسليم “الكتائب” و”القوات” حقيبة التربية. فقد أعلن “حزب العائلة” نيته إعادة تدوين تاريخ لبنان المزيف والمزور من أجل جعله أكثر تزييفاً وتزويراً تحقيقاً لاجندته ألخاصة كما أسلفنا في مقالةٍ سابقة. فلو إستلم الحزب الذي بدأ الحرب الأهلية كتاب ألتاريخ لأصبح العدو هو الصديق والعكس، ومجازر السبت الأسود وغيرها وولادة “القوات” المشؤومة، و”المجلس الحربي الكتائبي” الذي تسببب بإختفاء الآلاف من الشباب، والنفايات النووية السامة التي زرعتها “القوات” في لبنان، وغيرها من “الانجازات الباهرة”، من العلامات المضيئة في تاريخ لبنان. أما “القوات” فحدث ولا حرج.
الخاسر الأكبر الثاني، هو فؤاد السنيورة الذي جاء إلى السلطة بدلاً عن ضائع، الذي كان يمني النفس لآخر لحظة بالبقاء متربعاً على كرسي الحكم لمدةٍ أطول بدعمٍ مصري-أميركي (حتى أنه لم يحضر عملية التسلم والتسليم في السراي الحكومي)، كجحود فج لولي نعمته، وهو لم يرف له جفن رغم سقوط دماء ضحايا بريئة بسببه. السنيورة هذا لم تعد تعرفه طرقات صيدا ومقاهيها بعد الانتخابات بعد أن أكل فيها الفول والحمص ودنس جوامعها بكلابه البوليسية! بالمناسبة، أين أصبح مبلغ ١٠ ملايين دولار سعودي لمعالجة “جبل النفايات” في صيدا، الذي تمخض فولد جبلين إثنين من النفايات و… معدات إسرائيلية!
صفوة القول، أن مجرد تشكيل الحكومة، حتى ولو كان إنجازها الوحيد هو فقط إستياء إسرائيلي، مكسب للصف الوطني طالما تضر بإسرائيل وبمن لف لفها من غلمان السياسة في الداخل وفي الامم المتحدة إبتداءً من بان كي مون (هذا الأبله الذي لا يعرف كوعه الجغرافي من “بوعه التاريخي) إلى المندوب الاسرائيلي الفعلي في مجلس الأمن تيري لارسن. لكن على هذه الحكومة ألا تكرر أخطاء السنيورة وشطحه خصوصاً لجهة البيان الوزاري ونبش مقامات الأنبياء وردم مستقبل اللبنانيين!
مرةً ثانية ضيعان المليارات الإنتخابية وأطنان الإدانات ضد سوريا والمزاعم والفبركات.. فإلى دمشق شدوا الرحال وبلغوا السلامات!
Leave a Reply