عماد مرمل – «صدى الوطن»
عكست المفاوضات حول تركيبة الحكومة اللبنانية خصوصية الواقع اللبناني الذي يكاد يكون فريداً من نوعه لجهة تعقيداته وتوازناته التي يحتاج تنظيمها وتقليم أظافرها الى خلطات سحرية خاصة.
وتطفو التعقيدات والحساسيات المفرطة في العادة دفعة واحدة على سطح الحياة السياسية عندما يحتدم الصراع على السلطة، كما هو الحال مع استحقاق تشكيل الحكومة الذي يستنفر في كل مرة حواس الطوائف وغرائزها، خصوصاً بعدما أصبح مجلس الوزراء هو مركز القرار بموجب اتفاق الطائف الذي انتقلت اليه أغلب صلاحيات رئيس الجمهورية.
ويدفع النظام الطائفي والزبائني المتحكم بكل شاردة وواردة كل فئة الى محاولة تحسين مواقعها في المؤسسات الرسمية وزيادة حصتها من مغانم الدولة التي تتعامل معها معظم القوى على أساس انها قالب حلوى، ينبغي الاستحواذ على أكبر قدر منه.
ولعل من أبرز العلامات الفارقة التي طبعت التجاذب حول الحصص الوزارية في حكومة العهد الأولى هو التنافس الحاد بين الاطراف الداخلية على الحقائب المصنفة بأنها «سيادية» و«سوبر خدماتية»، انطلاقاً من أداة قياس استنسابية ومصلحية تعتمد على تحديد حجم المنافع التي تأتي بها هذه الحقيبة أو تلك.
يندرج هذا النوع من التصنيفات والتوصيفات في خانة البدع أو الصرعات اللبنانية التي تؤشر الى فرز طبقي للحقائب الوزارية، بين درجة أولى وثانية.
واستنادا الى هذا الفرز، درج العرف في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف على أن تتولى الطوائف الكبرى الوزارات الدسمة، خصوصاً «السيادية» منها، ما أدى الى توليد شعور بالغبن لدى المكونات الأخرى، عبر عنه مؤخرا وبصوت مرتفع رئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهاب، على سبيل المثال لا الحصر، حين اعتبر أن من حق الدروز أن ينالوا حقيبة سيادية متهماً النائب وليد جنبلاط بتهميش حضورهم الوزاري والقبول بالأمر الواقع.
البيئة
وتحت وطأة حمى التجاذب حول الوزارات المدللة، فقدت وزارات أخرى جاذبيتها، برغم أن التدقيق في وظائفها وأدوارها يبين أنها حيوية وتعادل أو تفوق أهمية شقيقاتها.
في لبنان، يجري التعاطي مع حقائب كالبيئة والثقافة باستخفاف واستهتار، ويتم النظر الى الوزراء الذين يشغلونها بإشفاق ودونية، وبالتالي فإن الأطراف التي تحصل عليها تبدو وكأنها تعرضت للاستضعاف أو التهميش، على المستوى السياسي.
ولكن التمعن قليلاً في الجدوى الوطنية لهاتين الوزارتين يبين أنهما تنطويان على قدر كبير من التأثير العام الذي يتجاوز بأشواط تأثير الوزارات الصاخبة والمظهرية التي تسلط عليها الاضواء وتندرج في خانة «البرستيج» السياسي. ولعل التحدي الذي يواجه البيئة في لبنان بفعل تراكم عوامل التلوث هو أحد التحديات المفصلية في هذه المرحلة، وبالتالي فإن هذا الملف المزدحم بالمخاطر يحاكي صحة جميع اللبنانيين ويشغل بالهم، مع العلم أن وزارة البيئة هي الأكثر حيوية ومحورية في الدول الديمقراطية لكنها في لبنان تصبح متواضعة وهزيلة.
الثقافة والتربية
وكذلك وزارة الثقافة لا يصح اعتبارها نوعاً من الكماليات أو الترف، بل هي من المواقع المفصلية على المستوى البنيوي للمجتمع، لو تم التعامل معها بجدية ومسؤولية، كونها على تماس مباشر مع المفاهيم والنخب التي تصنع الرأي العام وتوجيهه.
وقد وصل الدلال في لبنان الى حد تراجع الشهية والحماسة حتى حيال حقيبة وزارية أساسية كالتربية التي تدير شؤون جيش كبير من الطلاب والمعلمين وتعنى بالنظام التعليمي وقيمه، بينما ازداد الطلب على الحقائب المتخصصة في تقديم الخدمات الاستهلاكية للناس، باعتبارها تسمح باستقطاب جماهيري أوسع وبالتالي تعزيز الولاءات والانتماءات الجانبية للزعامات.
وما يزيد المفارقات دوياً هو أن قاعدة «الشخص المناسب في المكان المناسب» غير معمول بها أغلب الأحيان عند تشكيل الحكومات، إذ كثيرا ما يستلم الوزارات التي تتطلب احترافية مهنية أشخاص غير متخصصين، وسط طغيان المعايير السياسية على طريقة الانتقاء، الامر الذي يستوجب من الوزير وقتاً طويلاً للاحاطة بالملفات، وهذا ما يفسر أن المدير العام الذي يعرف كل كبيرة وصغيرة يكون أحيانا هو الحاكم بأمره.
Leave a Reply