فاطمة الزين هاشم
أب حقود وأناني عديم المسؤوليّة والرحمة، يجازف بطفولة ابنته ويحرمها من الاستقرار النفسي والهدوء الذي تتنعم به فـي حضن والدتها التي تجد فـيها شوقاً مستديماً لوجودها معها فحضن الوالدة هو المكان الطبيعي للطفولة البريئة.
الطفلة ذات السادسة من العمر، انفصل والدها عن والدتها وهي مازالت رضيعة، حيث طردها مع والدتها فـي إحدى الليالي الحالكة دون رحمة أو شفقة، حينها اتّصلت الأم بوالدتها الساعة الثالثة صباحاً وهي تكاد تختنق من البكاء طالبة تذكرة سفر لها ولابنتها لتعود إلى منزل الأهل فـي ولاية ثانية، لم تتأخّر الأم عن تلبية الطلب فعادت الزوجة مع ابنتها الرضيعة إلى كنف الأهل.
ماكان من ذلك الزوج القاسي ذي القلب المتحجّر إلّا أن اتّفق مع أحد الشيوخ الماديين الظلاليين مثله وأرسل لها ورقة الطلاق دون أن يسبق ذلك إعلامها بالأمر حسب مقتضيات الشريعة الإسلاميّة حيث تفرض على الزوج إعلام زوجته قبل إجراء الطلاق ووجود شهود معروفـين من قبل كل من الزوج والزوجة، لتكتشف بعدها – الزوجة – أنّ ذلك الشيخ منافق وليست لديه أيّة صفة دينيّة والشهود أسماء وهميّة.
بعدها فـي أحد الأيّام حضر الزوج إلى المنطقة التي تعيش فـيها الأم والطفلة لا لمشاهدة ابنته وإنّما لوجود علاقة قديمة له مع إحدى المقيمات فـي المنطقة، وما أكثر علاقاته الغير سويّة، تلك التي كانت السبب الرئيسي فـي انفصاله عن زوجته، كما علمت الزوجة فـيما بعد أنّه تزوّج عدّة مرّات وطلّق بسبب دناءة نفسه وعلاقاته الرخيصة.
بقيت الطفلة مع الأم حيث تلقى الرعاية والحنان الغامر والتعويض عن غياب ذلك الأب المستهتر بكلّ القيم الإنسانيّة، حتّى إذا بلغت الطفلة السادسة من العمر، انتفض الأب الذي لا علاقة له بالأبوّة إلّا بالإسم، فانقضّ على الأم كالوحش الكاسر وأخذ الطفلة بحكم من المحكمة وذلك لأنّه يمتلك النقود وباستطاعته الدفع للمحامي ضارباً بعرض الحائط بكاء الطفلة وتوسّلاتها ورفضها العيش معه، فالدافع الفطري يستجيب لها لأنّها فـي مثل هذه المرحلة من العمر تحتاج لوجود أمّها بجانبها، وممّا زاد الطين بلّة أنّه تزوّج بعانس تجمّعت فـي شخصيّتها كلّ عُقد العالم السلبيّة، فأخذت تعامل الطفلة بكل قسوة وازدراء حتّى وصل بها الحقد إلى محاولة ضربها وشدّها من شهرها وتقدّم لها الطعام الذي لا تستسيغه كي تبقي عليها جائعة، عدا عن حدّة مناداتها بألفاظ نابية خشنة وشتمها بأقذع الشتائم لدرجة أصبحت معها الطفلة تعاني من الشدّ العصبي فبدأت تعلن عن كرهها للحياة حين ردّدت (سأموّت نفسي) وتصيح (أنا لا أريد أن أعيش)، فأخذتها الأم إلى طبيب نفسي أرسل لها أخصّائية نفسية جلست معها فراحت الطفلة تقصّ عليها ما حدث لها ممّا جعلت الدهشة والاستغراب تسيطران على تلك السيّدة، فكانت أمام مأساة إنسانيّة تمخّضت عن تحطيم لنفسيّة هذه الطفلة المسكينة.
وما أن خرجت الأخصّائية من المنزل حتّى اتصل الأب طالباً تجهيز الطفلة لأخذها من والدتها، وحال سماع الطفلة بالخبر جلست على الأرض وهي تضرب رأسها بالحائط مستنجدةً: أرجوكم لا تعيدوني إلى الجحيم ثانية.. ابقوني معكم.
ماذا كان بمقدور الأم المغلوب على أمرها أن تفعله أمام هذا الموقف المأساوي سوى اللجوء إلى البكاء، كان الألم يفطّر قلبها لبعد ابنتها عنها وقد تطّعت أوصالها وهي ترى ابنتها تستنجد بها أمام عجزها عن ضمّها لصدرها وإبقائها معها وحمايتها من زوجة الأب الشرّيرة، وغمرها بحنان الأمومة التي هي بأمسّ الحاجة إليه، هل انفلتت الرحمة والإنسانيّة من قلوب البشر فأصبحوا كالوحوش لا يرحمون الضعفاء لا سيّما الطفولة منهم؟ وهل المال أصبح هو المتسلّط على رقاب العباد؟ أين العدالة الإلهيّة من قلوب أولئك الجُفاة القُساة؟ لماذا لا تقتصّ العدالة الإنسانيّة من أب كهذا ليعتبر به غيره من البشر؟
لدينا محامون كثر فـي جاليتنا يتوافرون على الكفاءة وهم ليسوا فقراء، فلماذا لا يؤسّسون جمعيّة خيريّة من بينهم تدافع عن المظلوم الذي لا يملك المال لاسترداد حقوقه؟ وخاصة إذا كانت أمّاً تحرم من أبنائها ظلماً بسبب عدم استطاعتها دفع أتعاب المحاماة أو لإنقاذ طفلة بريئة من براثن وحوش آدميّة كما حصل فـي الواقعة التي أوردت لمحات من تفاصيلها؟ إذاً هم مطالبون أمام الله والناس إذا كان بإمكانهم المساعدة ولا يفعلوها..إرحموا من فـي الأرض يرحمكم من فـي السماء.
Leave a Reply