محمد أبو حسين بضيافة عائلة عربية أميركية في ديربورن
عباس الحاج أحمد – «صدى الوطن»
تحمل القضية الفلسطينية لنا دائماً قصص المعاناة والظلم. تتحرك أحداثها بإرادة التحدي لأبنائها فتستمر الحياة فيها بلملمة الجراح. حياة تنتقل من الكهل إلى الشاب لتصل إلى الطفل كحال ابن غزة الجريح محمد أبو حسين الذي فقد ساقه اليمنى خلال تظاهرات العودة، ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو اليوم بضيافة عائلة عربية أميركية في مدينة ديربورن حيث سيحصل على ساق اصطناعية بمساعدة «جمعية إغاثة أطفال فلسطين» PCRF.
يطل محمد البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً على عكازيه بابتسامة صغيرة ووجهٍ مهموم. فهو اليوم فرِحٌ بقدومه إلى الولايات المتحدة وإن كان بعيداً عن أمه وأخوته الستة (أربعة صبيان وبنتان). فهو سيحصل هنا على قدم اصطناعية تعيد له بعضاً من أحلامه المليئة بكرة القدم. أحلام صنعها في أزقة غزة بمبارياته اليومية مع أولاد الحي حيث تدور كرتهم بين جدران مليئة بصور الشهداء وآثار الحرب والحصار. صور موجودة أيضاً في منزل محمد بينها صور والده الراحل عام 2016، بالإضافة الى صورة نجمه المفضل كريستيانو رونالدو الذي يحلم محمد بلقائه يوماً ما.
لا تتوقف معاناة عائلة أبو حسين بفقدان ساق محمد وموت والده بل تمتد إلى ساق أخيه الذي فقدها أيضاً في مسيرة احتجاجية أخرى ضد الاحتلال. معاناة تتوازى وتتواكب النكبة المستمرة لوطن مُغتصب. معاناة تعيق الحركة ولكنها لا تجمدها.
عائلة أيوب المضيفة
محمد العاشق للغة العربية والمحب للاسكتشاف، أكد لـ«صدى الوطن» رغبته بالعودة إلى الولايات االمتحدة لاحقاً لإكمال دراسته الجامعية ليصبح طبيباً. لكنه الآن يعتزم العودة إلى غزة للوقوف إلى جانب أمه وأخوته فور الانتهاء من تركيب ساقه الاصطناعية وخضوعه لفترة من التدريب والعلاج الفيزيائي.
محمد سعيد بإقامته مع عائلة أيوب التي لا تخفي رغبتها في احتضانه بشكل دائم، إلا أنها في الوقت نفسه لا تريد حرمان والدته في غزة من ابنها.
يعبر رب العائلة مايك أيوب عن شعوره الشخصي بإحساس الأبوة تجاه محمد، بقوله: «كان لدي صبي واحد وأصبح لدي الآن صبيّان إضافة إلى ابنتيَّ».
ويدعو أبناء الجالية إلى فتح بيوتهم وجيوبهم لمساعدة الجمعية وأطفال فلسطين، معرباً عن أمله بأن يعاود محمد إلى أميركا للدراسة في الجامعة، حيث ينتظره هنا «مستقبل باهر سنتعلم منه جميعاً»،.
يعمل الأب اللبناني الأصل على توطيد علاقة محمد بأبنائه بالرغم من صعوبة التواصل بسبب حاجز اللغة… أحياناً يلجأون إلى «ترجمة غوغل»، ولكن كرة القدم وكرة السلة والبلايستايشن هي لغات مشتركة فيما بينهم.
يضغط محمد على أزرار البلايستايشن ليحرك أقدام اللاعبين على الشاشة. ومع كل هدف افتراضي يُسجله يتحرك خياله ليستذكر أهدافه السابقة في بلدته ويحلم بتسجيل أهداف جديدة بقدمه الاصطناعية.
يتصفح محمد صفحته الفيسبوكية باستمرار. فهو حريص على متابعة أخبار غزة والتواصل مع أصدقائه يومياً. يصل إليه العديد من الرسائل التي تحمد حظه لأنه وصل إلى أميركا واستطاع أن يشم هواء أرض الحرية. يسأله أحد الأصدقاء عن جمال الشقراوات الأميركيات، فيرد محمد مع ضحكة خجولة بأنه وقع بغرام إحداهن. كما يرسل لهم صوره بحوض السباحة ومع كرة السلة.
إغاثة أطفال فلسطين
تؤكد ياسمين حامد، من «جمعية إغاثة أطفال فلسطين» أن محمد سيحصل على رعاية طبية واجتماعية مميزة خلال فترة إقامته في ديربورن. مشيرة إلى أن الجمعية تساعد الأطفال من جميع أنحاء الشرق الأوسط عبر استقدامهم إلى الولايات المتحدة وبلدان أخرى حول العالم حيث يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية التي يفتقدونها في أوطانهم.
وتقوم الجمعية حالياً برعاية تسعة أطفال في الولايات المتحدة، ومحمد هو الصبي السادس الذي تتم مساعدته في منطقة ديترويت.
«جمعية إغاثة أطفال فلسطين» PCRF هي مؤسسة غير ربحية، معفاة من الضرائب تأسست في عام 1991 في الولايات المتحدة، بهدف معالجة الأزمات الطبية والإنسانية التي يواجهها الأطفال الفلسطينيون، ومنذ ذلك الحين توسعت لتقديم المساعدات الطبية والإنسانية للأطفال الذين يعانون المرض في مختلف بلدان الشرق الأوسط الأخرى.
بعد مضيّ ثلاثة أشهر، سيعود محمد إلى فلسطين ليصنع حياةً جديدة، محملاً بتجربة أميركية جميلة قد تعوضه عن بعض تجربته الأليمة التي أبقته أربعة وعشرين يوماً طريح الفراش. سيعود محمد وتعود مسيرات العودة وشعار وطنه الأزلي: «العودة حق لا عودة عنه». يعود حاملاً مفتاح حنظلة لباب مقفل.. باب الأمل الذي سيسير على طريقه دائماً بساق طبيعية وأخرى اصطناعية.
Leave a Reply