زهراء فرحات – «صدى الوطن»
رياضة التايكواندو ليست مجرد فن من الفنون القتالية المتنوعة المخصصة للدفاع عن النفس، بل هي أيضاً رياضة تقوم على تهذيب النفس وانضباطها.
فهذه الرياضة لا تنفك عن التطور عبر إضافة تقنيات حديثة تؤكد على أنها أرفع من كونها مجرد رياضة بدنية، لاسيما مع استخدامها المتزايد في مساعدة الأطفال والبالغين الذين يعانون من المشاكل السلوكية، كالقلق وتشتت الانتباه والثقة المنخفضة بالنفس وغير ذلك من المشاكل النفسية.
الفائزون بميداليات بطولة ميشيغن في آذار (مارس) الماضي، ويبدو في الصف الخلفي (من اليسار): الماستر علي قبيسي، الماستر حميد دكروب، زينب قبيسي، وزينب بعلبكي. وفي الصف الأمامي (من اليسار): زين حجيج، زينب قانصوه وعلي عبيد. |
ولا شك أن مدارس الفنون القتالية كثيرة ومتنوعة في منطقة ديترويت الكبرى، غير أن «مدرسة قبيسي للتايكواندو» التي تأسست في ديربورن عام 1989، تتمتع بمكانة خاصة ليس فقط بسبب الإنجازات والألقاب التي حصدها أبطالها في لعبة التايكواندو على مدى السنوات الماضية، بل أيضاً لمواكبتها الدائمة لأحدث التطورات في عالم هذه اللعبة لتتمكن من الارتقاء بمتدربيها الى أعلى المستويات عن طريق تحسين إمكاناتهم البدنية والعقلية.
«بعض الأطفال يأتون إليّ لأن سلوكهم غير جيد في المدرسة.. وآخرون يأتون لأنهم يعانون من اضطرابات في الدم»، يقول «الماستر» علي قبيسي، مؤسس «مدرسة قبيسي للتايكواندو»، مؤكداً أنه ساهم خلال العقود الثلاثة الماضية بحلّ الكثير من مشاكل الطلاب المتنوعة عبر هذه الرياضة.
من بين هؤلاء طفل كفيف كان يبلغ من العمر أربع سنوات، عندما انضم الى مدرسة قبيسي. لكن «الماستر» اعترف لـ«صدى الوطن» بأنه كان مضطرباً في البداية وراح يتساءل كيف له أن يعلم طفلاً أعمى فنون التايكواندو.. فكانت المفاجأة: «صدّقوا أو لا تصدقوا، هو علّمني كيف أدرّبه».
ويشغل قبيسي حالياً منصب نائب رئيس هيئة التايكواندو في اتحاد ألعاب الفنون القتالية بولاية ميشيغن، وهو بطل سابق في هذه اللعبة وحاز على العديد من الألقاب على الصعيد الوطني والدولي.
نتائج ممتازة
آخر إنجازات طلاب مدرسة قبيسي للتايكواندو كانت في بطولة ميشيغن التي أقيمت في آذار (مارس) الماضي، حيث حقق ستة من طلاب المدرسة المراتب الأولى في فئاتهم، حيث شاركوا بروحية عالية استقوها من تجربة وخبرة مدربهم قبيسي الذي كان ذات مرة في نفس مكانهم ليعلمهم كيف يصبحون أبطالاً.
ويحضر قبيسي تلاميذه للبطولات من خلال السعي إلى اختيار الأفضل وتدريبهم على أعلى المستويات. وعن ذلك صرِّح «أسعى دائما لأفضل تدريب، وأفضل تعليم، وأفضل معدات، وأي شيء يحتاجون إليه من التغذية المتعلقة بالصحة البدنية والعقلية. فأنا أيضاً ما زلت أذهب إلى الكثير من الندوات والمحاضرات المخصصة لتعليم التقنيات الجديدة، وأقصرها تستغرق تسع ساعات».
وفي مباريات البطولة، يتم تقسيم الطلاب إلى أقسام مختلفة على أساس السن والوزن والفئة والجنس ودرجة الحزام. إبنة قبيسي، زينب، فازت بالمرتبة الأولى عن فئة «الجونيور»، غير أنها لا تخفي شعورها بالتوتر قبل كل مباراة، «لكن ليس بسبب والدها».
«أشعر دائماً بالتوتر قبل المباراة لأنني أجهل إمكانيات خصمي»، أفصحت زينب قبيسي، وأضافت «عندما أكون في حلبة التايكواندو ذات اللونين الأحمر والأزرق، تتسارع دقات قلبي لدرجة أنني لا أعد أستطيع التحمل».
لكن وجود والدها كمدرب يقلل من الضغط والتوتر حسب تأكيدها «فوالدي يساعدني دائماً على التركيز».
زينب بعلبكي، حلت في المرتبة الثانية ضمن فئتها العمرية، انتابها أيضاً القلق والتور خلال مباريات البطولة. «كنت خائفة من الخسارة وكنت خائفة أيضاً من منافستي التي كانت أطول مني ولم أكن متأكدةً من أن ركلاتي ستطالها».
إلا أن زينب قانصو، الفائزة بالمركز الأول في فئة «اليافعات» (يوث)، لم يعتريها الخوف بعكس زميلتيها. وأكدت «المباراة كانت سهلة جداً والتايكواندو ليس فقط ممتعاً بالنسبة لي ولكنه أيضاً مفيد. انه يساعدني في الدفاع عن النفس وتحقيق الاحترام».
ويعتقد قبيسي أن التايكواندو مهم للفتيات والفتيان على حد سواء، مع أن كثيراً من الآباء يقولون له ان هذه الرياضة ليست للفتيات لأنها تعطيهم خشونة رجولية. وفند قبيسي ذلك باعتقاده «ان الرياضة هذه على العكس تعزز ثقة الفتاة وتساعدها في مواجهة العالم الحقيقي بنفسها، خصوصاً مع تصاعد مظاهر البلطجة».
وتابع «أنا دائما أسأل الآباء من الذي سوف يهب للدفاع عن ابنتكم اذا تعرض لها بلطجي أو حاول أحدهم ايذاءها؟ عليها أن تكون قوية ومدربة تدريباً جيداً».
أبطال
الذكور من «مدرسة قبيسي» كان لهم أيضاً نصيبهم من المراكز الأولى في بطولة ميشيغن الأخيرة. علي عبيد، حاز على المركز الأول عن فئة النمر (تايغر) للذكور الحاملين للحزام الأحمر، لكنه لا يخفي توتره الذي كان شديداً كونها مشاركته الأولى في بطولة على مستوى الولاية.
«كنت عصبياً جداً وخائفاً من الخسارة» أوضح عبيد واستدرك قائلاً «لكنني ركزت على الخصم وعلى تطبيق الركلات التي تعلمتها في الصف».
أما زين حجيج، الفائز بالمركز الأول عن فئة النمر للذكور حاملي الحزام الأسود، فيتمتع بالخبرة اللازمة لتجاوز التوتر في مثل هذه المنافسات، فعاد باللقب الثمين مؤكداً أن ذلك منحه «شعوراً جيداً».
أما بالنسبة لكيفية استفادته من هذه الرياضة في حياته الشخصية، فاعتبر أنها تساعده على التركيز في المدرسة والدفاع عن نفسه.
أما الماستر حميد دكروب، الفائز بالمركز الأول عن فئج المتمرسين (سينيور) من حاملي الدرجة الرابعة من الحزام الأسود، فإنه في طريقه للمشاركة في خوض المباريات الوطنية مرة أخرى بعد حلوله بالمرتبة الأولى في ميشيغن.
وقد بدأ دكروب، وهو محام بالغ من العمر 26 عاما و«ماستر» في التايكواندو، تعلم هذه الرياضة في سن الخامسة وقد فاز بالعديد من الجوائز العالمية، ووصل الى المنافسة الوطنية على مستوى أميركا عدة مرات، ولكنه لا يزال يطمح الى تمثيل الولايات المتحدة في الالعاب الاولمبية.
«سيكون من المثالي لي أن أصبح بطلاً اولمبياً»، أفصح دكروب مستدركاً «ولكن أولاً، لا بد لي من الفوز في دورة الألعاب الوطنية».
بدوره أكد قبيسي أنه اذا حالف الحظ دكروب بالفوز في المباريات الوطنية، فستكون مدرسة قبيسي أول مدرسة تحقق هذا الإنجاز على صعيد ميشيغن. وأضاف «لقد حاولنا في السابق، وقد تكون الفرصة متاحة هذا العام».
نصائح من «الماستر»
يحرص علي قبيسي الذي يشرف شخصياً على تدريب جميع الفئات العمرية في مدرسته، على توجيه الطلاب الى مواصلة ارتقائهم في لعبة التايكواندو حتى بلوغ درجة «الماستر» الى جانب مواصلة تعليمهم الى المراحل العليا، وهو ما نجح به الكثيرون من طلاب المدرسة الذين حذوا حذو معلمهم.
ويقول قبيسي «أنا دائما أنصح طلابي بأن ينالوا رتبة الماستر وأن يصبحوا أبطالاً كباراً، لكن بالتوازي مع مواصلة تحصيلهم العلمي»،«فالتايكواندو يساعد ولكنكم بحاجة الى جني المال».
ويقوم قبيسي بتدريب جميع الفئات العمرية من الأطفال الصغار حتى كبار السن من جميع الأوزان. ويشدد على أن الاعتقاد الشائع بأن أصحاب الوزن الزائد غير مؤهلين لممارسة التايكواندو، هو اعتقاد خاطئ، مؤكداً أنه «لا يهم ما اذا كان الشخص نحيلاً او سميناً لأنهم سيتم وضعهم ضمن فئة الوزن المناسبة لهم». وخلص إلى القول «لا داعي لتخجل من نفسك.. لأن التايكواندو للجميع».
* صحافية متدربة في «صدى الوطن»
Leave a Reply