يرفعون الرأس، هؤلاء الطلاب العرب في جامعتي ميشيغن ووين ستايت وهم يضيفون نقطة تلو الأخرى إلى سجلهم النضالي الذي يضاهي ويبز ما يدعيه عتاولة النشطاء والفعاليات الأخرى في جاليتنا الذين تحولت نشاطاتهم إلى مسارح فارغة ومعارك مع طواحين الهواء وألعاب بهلوانية وجلسات للسهر والسمر، إلا من رحم ربي.
وهكذا يخوض هؤلاء الشبان المفعمين بالحيوية “معارك” لم يتنسَ لهم خوض غمارها بسبب طول المسافات، بوسائل راقية تربك الخصوم وتفسد عليهم ادعاءاتهم، فما خطط له الطلاب ونفذوه خلال الأسبوعين الماضيين، عبر انسحابهم من محاضرة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي غيل هوفمان في جامعة “وين ستايت”، ومن محاضرة العربي الإسرائيلي اسماعيل خالدي في “جامعة ميشيغن”، وهو الذي قطع سبعة بحور وجاء ليتكلم باسم الإسرائيليين، ليجد في وجهه عربا أميركيين متمسكين بالحقوق الفلسطينية المشروعة ومستعدين للدفاع عنها.
لا ينقصنا الوعي، نحن العرب، ولكن تذبحنا المصالح. ولا تعوزنا الشجاعة ولكن التقاعس من عاداتنا في كثير من الأحيان، بيد أن بصيص الأمل لا تنطفئ جذوته، ولا تتيبس جذوره في تربة النفوس الأصيلة. ومن محاسن الصدف ودواعي الفخر، أن يقوم الطلاب العرب الأميركيون بما قاموا به، في الوقت الذين يشق فيه أبناء جلدتهم، من الشباب العربي في الأوطان البعيدة والحزينة، عصا الطاعة والخضوع لسلاطين يحكمون البلاد بعقليات استبدادية وسلطوية مريضة.
والجميل، أنه رغم عقود، بل القرون من التسلط و”التخلف” والسلبية، نهض الشباب العربي من رماده، مثل طائر الفينيق، ليحلق في سماء جديدة، بزرقة خفيفة. وبدوره، أثبت الشباب العربي الأميركي انتماءه الراقي لثقافته الأصيلة والتزامه بقضايا أمته، من دون أن تستطيع الحياة الأميركية أن تجرفه إلى متاهاتها وملذاتها.. أو استهلاكيتها المريضة.
والسؤال المنطقي في هذا السياق: ما هو سبب تغييب الشبان العرب عن المؤسسات العربية الأميركية وعدم إفساح المجال أمامهم وقد أثبتوا جدارتهم المرة تلو الأخرى وما هو سبب إقصائهم؟
صحيح أن بعض المؤسسات تفتح أبوابها أمام بعض الشباب، ولكن لدى التدقيق البسيط يمكن أن نكتشف أن الحضور الشبابي في مؤسساتنا تحكمه عوامل متخلفة وشخصية، ليس أقلها المحسوبيات والعلاقات الاجتماعية والمصلحجية، كما أن بعض المؤسسات الأخرى تناور في هذا الأمر فتعطي الفرصة لبعض الشبان شكليا، لتأدية الخدمات، أو خلق الشعور بأنها مؤسسات مفتوحة أمام الجميع، مع العلم أن معظم مؤسساتنا محصنة، وقلاع مغلقة، في الوقت الذي يتحكم فيه الديناصورات بمقاليد الأمور.
نعم. هناك ديناصورات في مؤسساتنا العربية والأميركية، يتلطون خلف متاريس وهمية ويتكلمون نيابة عنا بإسم مصالحنا ومشاعرنا وآلامنا وديننا. ديناصورات لا يشبعها شيء ولا تجهر عيونها آلاف فلاشات التصوير. ديناصورات طويلة الأعناق والأذناب.. لدرجة أن رؤوسها الضامرة تبدو مثل نهاية أذنابها.. ولا شي فيها كبير سوى بطونها.
إن انقراض الديناصورات يثبت بلا شك ذكاء الطبيعة وعبقريتها الفذة، وسقوط “الديناصورات” عن عروش الحكم في عالمنا العربي يثبت أيضا ذكاء الأمم وعمق تجربتها الحضارية، وهنا في الولايات المتحدة.. حيث يقوم طلاب عرب أميركيون بمناهضة ودحض دعايات وأكاذيب الآلة الإعلامية الإسرائيلية، فهم يضربون عصفورين بحجر واحد. فالمعول الذي يضرب جدار الخصم الباغي، يضرب في الوقت نفسه جدار.. الديناصورات.
آن للديناصورات أن تنقرض في كل مكان!
Leave a Reply