2,4 مليون حالة مساعدة في الولاية ومقاطعة وين لها حصة الأسد
الموظفون يرزحون تحت أعباء الملفات المتراكمة.. والتأخير سيد الموقف
ديترويت – خاص “صدى الوطن”
يواجه موظفو الاعانة الاجتماعية (ولفير) في ولاية ميشيغن صعوبات غير مسبوقة في محاولاتهم تلبية طلبات المتقدمين للحصول على المساعدات، وسط تزايد في أعداد الطلبات المقدمة يصفها بعض المسؤولين بـ”الفلكية”. وينتج عن هذا الوضع تأخير في انجاز طلبات المساعدات على أنواعها، خصوصا المساعدات الطارئة للعائلات التي يجري إيقاف المساعدات لبعضها بصورة خاطئة.
وتعتمد عشرات الألوف من عائلات الولاية، خصوصا في مقاطعة وين على الإعانات الاجتماعية من قسائم الطعام والمساعدة المالية والبطاقة الصحية “ميديكيد”. ويتجلى هذا الوضع في الازدحام اليومي الذي تشهده مباني دائرة الخدمات الانسانية والذي يتسبب بمشاكل تنجم عن فقدان الكثيرين من المراجعين لانضباطهم تحت وطأة الحاجة التي يعانون منها في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد عموما، وولاية ميشيغن على الأخص، التي تعدت نسبة البطالة فيها ١٥ بالمئة لتصبح الأعلى على الصعيد الأميركي.
وتتمثل المعضلة الأساسية بافتقار دائرة الخدمات الإنسانية (ولفير) الى العدد الكافي من الموظفين لمواكبة الزيادة الكبيرة التي طرأت على عدد طالبي المساعدات الذين يقدر عددهم بـ مليونين وأربعمئة ألف حالة أي ما يوازي ثلاثة أضعاف الحالات التي كانت موجودة في العام 2002 ما جعل العبء على الموظف الواحد يرتفع من 320 ملفا في ذلك العام الى 740 ملفا حاليا.
وفي حين لجأت سلطات دائرة الخدمات الانسانية الى اعتماد نظام كمبيوتر جديد يسمى “بريدجيز” منذ شهر آب (اغسطس) العام الماضي، لأجل اختصار كمية الروتين الإداري وعدد المقابلات النصف سنوية والسنوية للمستفيدين، الا أن هذا البرنامج الذي صمم لاستيعاب ليس أكثر من 450 حالة لدى كل موظف أخذ يتعرض لعمليات فشل من حين الى اخر نتيجة الضغط الهائل للمعلومات المخزنة فيه، مما أدى في أوقات كثيرة الى وقف المساعدات عن أعداد كبيرة من العائلات والى فقدانها لفوائد كانت تستحقها.
وبعد تعرض القوة العاملة في دائرة الخدمات الانسانية الى تخفيض بلغت نسبته 10 بالمئة منذ العام 2002، مع إخفاق الولاية في سد هذا النقص المريع في أعداد الموظفين نتيجة أزمة الميزانية العامة، أسهمت عوامل أخرى في تدهور الخدمة في مباني الدائرة في السنة الأخيرة. ومن أبرز هذه العوامل بطء أعداد كبيرة من جيل الموظفين القدامى في اكتساب المهارات التقنية التي يتطلبها العمل وفق نظام “بريدجيز” وعدم قدرتهم على انجاز ملفاتهم التي تضاعفت أعدادها ووضعتهم في حالة سباق مستمر مع المواعيد الثابتة لاقرار أهلية المتقدم الى المساعدة.
وتجعل الميزات التقنية لنظام “بريدجيز” الجديد من الموظفين والموظفات أسرى لتلك المواعيد والمتطلبات التي يرسلها النظام بصورة آلية الى المتقدمين، مما يجعل من عدم الاستجابة لها ضمن مهلة زمنية محدودة (10 ايام في غالب الأحيان) سببا لإقدام النظام الكمبيوتري على اقفال الملفات بصورة آلية، لا يستطيع الموظف/الموظفة إزاءه شيئا.
وفي كثير من الحالات يضطر طالب المساعدة الى التقدم بأكثر من طلب واحد للمساعدة رغم ايفائه بكل الشروط والمتطلبات. ويخلق هذا الواقع حالات من المرارة والاحباط لدى العائلات التي تعتمد بصورة أساسية على الإعانة ويعلو الصراخ يوميا في مباني الدائرة من امرأة مطلقة أو أخرى فقدت معيل أطفالها طالبة شرحا لأسباب التأخير في دفع مستحقاتها من قسائم طعام أو مساعدة مالية أو بطاقة صحية لطفل مريض يحتاج الى زيارة الطبيب.
وفي حالات كثيرة يتعدى الإحباط التعبير بالصراخ الى حدوث نوبات عصبية لدى بعض طالبي المساعدة، وقد بات مشهدا مألوفا رؤية نساء، وحتى رجال تنتابهم نوبات بكاء في قاعة الانتظار أو خلال المقابلات مع الموظفين على خلفية تكرار طلب الوثائق والاثباتات المرتبطة بالمساعدة لمرات عدة دون أن ينجم عن الأمر موافقة على طلب المساعدة إلا بعد أشهر عديدة.
وتشهد مقاطعة وين الإقبال الأعلى في الولاية على طلبات المساعدة ويقوم موظفو دائرة الخدمات الإنسانية في مبانيها بإنجاز نحو 45 ألف حالة مساعدة شهريا، معظمها مساعدات غذائية (فود ستامب).
ويشكو موظفون من لجوء بعض طالبي الإعانة، تحت ضغط الحاجة الى العنف والتهديد. ومؤخرا أقدمت امرأة كانت تقف في طابور الانتظار الطويل في مبنى الدائرة في مدينة والدلايك على مهاجمة مسؤول في المبنى مما أدى إلى كسر في أحد أصابعه.
غير أن الأمر كان مختلفا مع امرأة عربية غاضبة من عدم حصولها على المساعدة لأطفالها، إذ أقدمت خلال المقابلة مع احدى الموظفات على لطم وجهها بعنف ولم تتوقف إلا بعد إبلاغها من قبل المسؤولين بأن ملف مساعدتها سوف ينجز خلال ساعات.
وفي العام الماضي تعرضت الموظفة نانسي أوباتيش إلى ضربة على رأسها بواسطة حزمة مفاتيح من امرأة كانت تجري معها مقابلة في مكتبها، بعدما فقدت السيطرة على نفسها نتيجة التأخر في انجاز ملف مساعدتها. ولا تتمتع مكاتب دائرة الخدمات الإنسانية بأية حماية، مثل الزجاج الواقي أو العازل، ويجلس موظفو الاستقبال وراء “الكاونتيرات” مكشوفين أمام أعداد كبيرة من المراجعين الذين يقضون ساعات طويلة من الانتظار.
ويجهد المديرون والمسؤولون في مباني الدائرة لأجل الاستجابة للضغوط الكثيفة لطالبي المساعدة، إلا أن النقص الحاد في أعداد الموظفين لا يساعدهم، ويخشون من زيادة الضغط على موظفيهم المحميين بعقود نقابية.
ويلجأ الموظفون والموظفات إلى إقناع طالبي المساعدة بالاتصال هاتفيا للمراجعة بشأن طلباتهم، لتخفيف ضغط الازدحام في المباني. إلا أن مدير دائرة الخدمات الانسانية في مقاطعة وين دواين هاي دود الذي يشرف على 15 مكتبا في المقاطعة يقول “ان بعض الناس لا يطمئنون الى سير معاملاتهم عبر الاتصال الهاتفي أو البريد الالكتروني، ويفضلون الحضور شخصيا للمراجعة”.
يقول راي هولمان الناطق باسم نقابة العمال الأميركيين المتحدين – الفرع 6000 “المشكلة هي مزيج من اقتصاد سيء وأناس عدائيين يرون في موظفي الدائرة أهدافا سهلة، وآخرين مصابين بالإحباط من فترات الانتظار الطويلة”. وتمثل هذه النقابة 17,000 موظفا وموظفة تابعين للولاية من بينهم 5000 يعملون لدى دائرة الخدمات الانسانية (ولفير).
وفي العام الماضي أنفقت دائرة الخدمات الانسانية 18 مليون دولار أجورا لساعات دوام اضافي لعاملين خلال عطلة نهاية الأسبوع لأجل انجاز المعاملات المتراكمة.
تقول الموظفة شايلا تايلور من مكتب غرايدال في مدينة ديترويت “هاتفي لا يتوقف عن الرنين.. والأمر عبارة عن كفاح يومي أقوم به.. وفي بعض المرات يكون الأمر أشبه بسباق مع الزمن. فالتوجيهات الفدرالية تقضي بانجاز المعاملة ضمن الوقت المحدد الذي لا نستطيع الالتزام به لبعض البرامج، فينجم عن ذلك إرغام طالبي المساعدة أتوماتيكيا على البدء بعملية طلب المساعدة من جديد”.
الموظفون يطلبون المساعدة
في الأشهر الأخيرة نظم موظفون احتجاجات في مختلف أنحاء الولاية طالبوا خلالها سلطات الولاية بتوظيف المزيد وباجراءات أمنية أفضل وبتكنولوجيا محسنة لأجهزة الكمبيوتر.
وفي شهر كانون ثاني (يناير) الماضي اقترحت حاكمة الولاية جينفر غرانهولم توظيف 850 عاملا وعاملة في دائرة الخدمات الانسانية (ولفير) في السنة المالية القادمة لأجل الاهتمام بقضايا تخص مساعدة الأطفال، فضلا عن الاستجابة لطلبات المساعدة المتزايدة بصورة كبيرة غير أن لجنة الاعتمادات المالية الفرعية في مجلس نواب الولاية تقترح زيادة أقل في عدد الموظفين (514) في دورة الانعقاد التالية، أواخر الشهر الحالي.
وقال الناطق باسم دائرة الخدمات الانسانية ادوارد وودز “إننا نريد قبول اقتراح الحاكمة وهذا ما نأمل في الحصول عليه”.
وبانتظار اقدام حكومة الولاية التي تشرف على ادارة المساعدات الفدرالية على المحتاجين على اتخاذ خطوات جذرية وعملية لتصويب مسار العمل وتحسينه في دوائر الـ”ولفير”، يتوقع أن تزداد مشاكل الموظفين وطالبي المساعدة وأن تتعمق أكثر اشكالية العلاقة بينهم لأسباب لا شأن للطرفين بها، لكن حكم التقابل بينهم، بصورة يومية يرفع من درجة التوتر في ظل أزمة اقتصادية ضاغطة ومفتوحة على آفاق ستظل مجهولة في المدى المنظور.
أخيرا للمرء أن يتخيل: ماذا لو أقفلت دوائر “الولفير” أو تقلصت خدماتها الى الحدود الدنيا، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها الولايات المتحدة والعالم؟
الأرجح أن ذلك الاحتمال، على استبعاد حصوله، سيشكل الامتحان الأكبر لأميركا التي يبقى نظام الـ”ولفير” فيها أحد صمامات الأمان الأساسية في حفظ استقرارها الاجتماعي والأمني.
Leave a Reply