طلّ وسألني.. إجا نيسان.. دق الباب
حبّيت افتحلو.. وعَ الحب اشرحلو
طليت.. ما لقيت.. غير الورد عند الباب
بعدِك على بالي يا ضيعتي الجميلة. لو يمر ألف نيسان هنا في ديربورن لن أنساك، ولن أنسى ربيعك الجميل بين مرتفعات تتدرج، وآكام وهضاب تتجمع، وسلاسل تتقطع وتتقارب وتتباعد، فتلقي في النفس أحاسيس الخشوع والجلال أمام صنيع الله الذي لم تصل إليه يد الصناعة والتكنولوجيا الجامد، والبرد الثقيل الوطأة على الإنسان وقيم الجمال ومعانيها.
قريتي، ضيعتي قديمة وجميلة، تتخاصر بيوتها أو تتجاور على تلال مستطيلة من الأرض وكأنها مركب في بحر الطبيعة الخضراء الذي يتموج تحت سماء لبنان الزرقاء. وهي إحدى الضياع في جنوب لبنان، الغارقة في الطبيعة في أسرار روحية، لكنها تضج بالحياة والجمال وإثراء الشعور ببركة وخير الوجود.
وفيها من الذكريات ما يملأ النفس بالطمأنينة وتحرّك فيها الحنين إلى الإيمان بالله الذي يصنع وحده سلام النفس، لأنه ينبع من القلب وإلى القلب يتدفق، فيلامس الكيان الإنساني ويملأه بالأمل والبراءة والسعادة، بعيداً عن صقيع الفلسفة وتجهم الجدل السياسي والدجل الاجتماعي وغلاظة تحليل ودراسة الأوضاع والمناخ المحلي والعالمي، وبعيدا، أيضا، عن سائر ما “أبدعه” العصر التكنولوجي الذي لم يجلب للبشر إلا أسوأ الأمراض والكآبة والشذوذ التي هدمت ودمرت معاني الحياة البسيطة.
كل ما في الطبيعة هناك، في ضيعتي الجميلة، موزون ومتناغم على اختلاف أشكاله وصوره، وحيث التفتَّ تشعر بأن ماضياً لانهائياً يخرج من تلك الأرض ويلف الحاضر في تآلف مع مشاهد الطبيعة، وبعيداً عن المدن الاسمنتية الباردة بكل مجالسها الاقتصادية والتجارية والمادية والاعلامية.
وتاريخ ضيعتي حافل بالقداسة، ففي أحد أنحائها يرقد واحد من أولياء الله الصالحين، وقبل اختراع مكبر الصوت، كانت أرجاء الضيعة تغفو وتصحو على صوت المؤذن الحي ناشراً السلام والطمأنينة. وفيها، أيضاً، العديد من الأديرة التاريخية التي تكتنز بذكريات النُّساك والرهبان وأصوات النواقيس التي قال فيها الشاعر العربي القديم:
سقياً لأرض إذا ما نمت نبّهني
بعد الهدوء بها، قرع النواقيس
“طلّ وسألني إجا نيسان”.. واحدة من أغنيات فيروز الرائعة. فيا ضيعتي الجميلة والبعيدة.. ترى كم نيسان سوف يطل عليك، وأنا هنا في الغربة بعيدة عنك؟!
Leave a Reply