تحكي رواية طواحين الهواء قصة دون كيشوت، الرجل النحيل الطويل، والبورجوازي الذي يعيش في إحدى القرى الاسبانية، والذي لم يتزوج رغم بلوغه سن الخمسين لكثرة هوسه بكتب الفروسية، إذ كان يقضي معظم أوقاته بقراءتها بلذة وشغف مما جعله ينسى الخروج لتحصيل لقمة عيشه بشكل ما.
وأدى ذلك إلى فشله من الناحية العملية وإلى جنوحه المتهور لأن يصبح فارسا جوالا يعرض نفسه للأخطار في سبيل إصلاح الأخطاء. كاد يفقد عقله بسبب انقطاع الصلة مع الواقع وبلغ به الهوس حدا جعله يقرر تقمص دور الفرسان الجوالين الذين يسيحون في الأرض لمناصرة الضعفاء والمغلوبين ولنشر العدل.
ولأجل ذلك، حمل دون كيشوت سلاحا قديما متآكلا وأسبغ على نفسه درعا وركب حصاناً هزيلاً وأخذ صحن حلاقة من أحد الباعة المتجولين ليستخدمه كخوذة، وتزود أيضا برمح وسيف.
أثناء سيره مزهوا بنفسه، شأن الفرسان السابقين الذين انقرضوا، تذكر بأن الفارس الجوال لا بد له من تابع أمين ومخلص، ووقع اختياره على سانشو بانزا، وهو فلاح بسيط ساذج من أبناء بلدته. فاوضه على القبول بأن يكون تابعا له، وحاملا لشعاره مقابل وعده بأن يجعله حاكما على احدى الجزر حين تتسع فتوحاته. صدقه سانشو وترك حقله وأعماله وسار خلف سيده الجديد.
كانت أولى معاركهما مع طواحين الهواء. لم يكن دون كيشوت قد رأى مثلها من قبل، فتوهم أنها شياطين ذات أذرع هائلة معتقدا أنها مصدر للشر في العالم، فهاجمها راشقا رمحه عليها، فرفعته أذرعها الى الفضاء ورمته أرضا. وكانت تلك هزيمته الأولى.
تلى ذلك، معركة قطيع الأغنام الذي تخيله جيشا زاحفا، فاندفع بحصانه الهزيل ليثبت شجاعته، وليخلد اسمه في عالم الفروسية، وانتهت المعركة بمقتل عدد من الأغنام وسقوط دون كيشوت تحت وابل من أحجار الرعاة وفقدانه لمعظم أسنانه.
وتتوالى مغامرات الفارس الموهوم وهزائمه، مجرجرا وارءه تابعه سانشو المغلوب على أمره. وفي كل مرة كان يعزي هزيمته الى خصومه من السحرة الذين خططوا لحرمانه من الفوز بأن يكون ناصراً للفقراء وناشراً للعدل في الأرض، بأن مسخوا بسحرهم العظيم، الشياطين والعمالقة، وحولوهم إلى طواحين هواء، وغيروا هيئات الفرسان المحاربين إلى أغنام.
عاد دون كيشوت من معاركه الى منزله منهزما ومحبطا، فقرر التخلص من جميع كتبه عن الفروسية وتخلى عن حلمه المتهور بأن يصبح فارسا جوالا يعرض حياته للأخطار من أجل إصلاح الأخطاء.
لا يملك قارئ القصة التي ظهرت في اسبانيا عام 1605 ولاقت نجاحا منقطع النظير حيث تم طبعها خمسة عشر مرة بالاسبانية ومئتي مرة بالانكليزية وتمت ترجمتها الى معظم لغات الأرض، لا يملك هذا القارئ إلا التعاطف مع تابع دون كيشوت المسكين، سانشو، كونه يرمز للملايين من التابعين الأقدمين والحاليين، الذين يسيرون وراء المصلحين الدونكيشتيين الذين يحاربون طواحين الهواء والقضايا الوهمية ويمنون تابعيهم بأحلام سعيدة لن تتحقق يوماً.
Leave a Reply