من منا لا يذكر ولم يستمتع بمشاهدة أفلام الكارتون في عالم ساخر بين القط الساذج «طوم» والفأر الحربوق «جيري». ويبدو أن هذا العالم الكرتوني راق للقس تيري جونز والذي بين الفينة والأخرى يتخذ من مدينة ديربورن رهنية لمقالبه الساذجة والتافهة. ويرفع في وجوه مسلمي أميركا مسدساً من دخان، ويطيب له أن يتسلى بالجالية الإسلامية خصوصاً في ديربورن، وبوليسها ورئيس بلديتها، ويشعر بالنشوة وهي ترتعد –أي مدينة ديربورن– من شطحاته وتستعطفه وترجوه أن لا يعلّق مصير العالم كله على السلك الكهربائي العالي التوتر بين الغرب والإسلام.
الفأر المدلل، تيري أو جيري جونز، وبفضل أفلامه البهلوانية تلك، لم يعد قس مجهول في كنيسة مجهولة، وفي بلدة مجهولة. فقد جعله عصر الإعلام الفضائي، ورد المسلمين الأجوف العالي، مشهوراً وقوياً، ربما أكثر من أول رئيس أسود لبلد ابيض مزقته الحروب الأهلية في التاريخ بسبب غلو وكبرياء بعضه في الاستعباد.
لا أحد يعلم من أي معهد أو مؤسسة لاهوتيه تخرج؟ ومن يعرف مرجعية كنيسته؟ وبموجب أي فكر ديني أو لاهوتي يعطي نفسه الحق بالإساءة للإسلام والقرآن؟ لا أعتقد أن أحداً في هذا العالم لديه الوقت للبحث والإجابة.
في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، كبار كثيرون. فقد جاء إبراهام لنكولن من كوخ في سهول كنتاكي. لم ينتمِ في حياته لكنيسة. ونشأ في ذلك الكوخ على القيم الإنسانية السامية، ورفْضِ العبودية ومحاربتها. ووضع جيمس مونرو مبادئ مثالية للدولة وللحكم. وتبنى جورج مارشال أوروبا المدمرة في الحرب وغيرهم الكثير من الزعماء ومن ملايين الأميركيين الذين وقفوا ضد مجازر حكوماتهم في فيتنام وكوريا والعراق وأفغانستان. وبالمقابل هناك عدد من الغلمان -أشباه تيري جونز وغيره- زعزعوا علاقة أميركا، ليس بالمسلمين على نحو خاص، ولكن بالإنسانية عموماً.
للأسف نحن الآن نعيش في زمن طوم أند تيري. عالم مضحك مبكي مليئ بالنكد والهزل. عالم لا كبار فيه، والصغار مثل تيري جونز يصبح مثل «طوم جونز» الأرستقراطي الريفي الذي عاث فساداً في نساء القرى، حسب الفيلم السينمائي الشهير، وفي نهاية الفيلم يُحكم عليه بالشنق لكنه ينجو منه.
بالتأكيد، ولازم ولا بد، أن للقس جونز، أنوف وآذان وعيون هنا في ديربورن، نعرفهم ونغض الطرف عنهم، لأننا مسلمون وعلى خلق ونغفر لمن يسيئ إلينا. وحبذا لو يعلم هو وهم، أن المسلمين سواء في ديربورن أو في أميركا يعيشون تحت سقف القانون. وهم مواطنون شرعيون وليسوا دخلاء أو غرباء. يعملون ويدفعون الضرائب ولهم عاداتهم وتقاليدهم كما الآخرين من خلق الله وكما يكفلها الدستور الأميركي.
من هذا المنطلق، إذا اعتبر السيد جونز أن المسلمين مواطنون وجيران له في الوطن، فواجب الجار إكرامه وضيافته وكف اليد واللسان عنه. تماماً كما فعل سكان أميركا الأصليين مع أجداده وآبائه. وإذا اعتبر القس جونز أن المسلمين أعداءٌ له، فالحكمة تقول: إعرف عدوك!! ونحن أبوابنا وقلوبنا مفتوحة لنتعرف عليه ويتعرف علينا، ويا حبذا لو تواضع وفتح القرآن وقرأه وتعّرف عليه قبل أن يشعل ناراً لإحراقه. فالنار قد تحرقه هو أولاً.. من يعلم؟
Leave a Reply