ديربورن – خاص “صدى الوطن”
لم تعد ثقافة الحجاب كما كانت في الماضي، تعتمد على البساطة والحشمة. فمع دخول الموضة عصر الحداثة واختراق التكنولوجيا الحديثة للثقافات، أصبح من الصعب على المرأة المحجبة عدم مجاراة الموضة وكل ما هو عصري وحديث. الا ان بعض النساء المحجبات تناسوا الاصول الشرعية للحجاب مبتكرين لانفسهن موضة خاصة كتلك التي تشبه ناطحات السحاب او ما يطلق عليه “حجاب أبو نفخة”، أو الحجاب “المودرن” الذي يعتمد الاكسوارات والزركشة في الألوان. بعض هذه الحجابات أنيق ومرتب والبعض الآخر يخدش العين ولا يمكن تفادي النظر اليه دون الشعور بالاشمئزاز.
بغض النظر عن اشكالية لباس المحجبات اليوم، الذي في معظمه لا يتماشى مع الأحكام الشرعية بحيث يظهر المفاتن ويثير الشهوات. نتناول الحجاب بشكل خاص، من حيث مصدر فكرة هذه الموديلات المستحدثة والرأي الشرعي وآراء متفرقة حول هذا الحجاب.
وقد يبدو الموضوع تهجماً على المحجبات الا انه يطرح ظاهرة واقعة نصادفها في حياتنا اليومية وكان لا بد من التطرق اليها.
فكرة “الحجاب ستايل” في ميشيغن
تعود الى الحاجة تغريد الأتات
منذ ثمان سنوات، قررت الحاجة تغريد الاتات، صاحبة بوتيك “تيريزا” في ديربورن، ان ترتدي الحجاب. وولدت فكرة الحجاب “المودرن” معها. قالت الاتات “لم أكن أحب الحجاب، لكنني كنت مدركة لوجوبه على المرأة المسلمة، وكي أتقبله وأحبه بدأت أتفنن بلباس الحجاب. فموضة اللباس تتخطى موضة الحجاب حسبما كنت ارى. وانا أعشق الموضة ولباسي مستر ويتماشى مع الاصول الشرعية الا انه كان ينقصني الحجاب”.
ومن هنا ولدت الفكرة، حيث كانت الاتات تتفنن بلباس حجابها مما لفت نظر صاحباتها وجيرانها ومعارفها اللواتي بدأن يطلبن من الأتات ترتيب حجاباتهن بما يتماشى مع لباسهن.
مرت اول سنتين على الاتات وهي تقوم بترتيب حجابات صاحباتها لتجد ان الاقبال على هذا الحجاب يتزايد يومياً، فلا يمر أسبوع دون ان يكون عندها مواعيد لتزيين حجابات العرائس والنسوة. تضيف الاتات “بدأت الفكرة كهواية خاصة لتتحول الى مهنة أمارسها وذلك بسب الاقبال الكبير عليها”.
“الحجاب ستايل” يحتاج الى 20 دقيقة أو 30 دقيقة كي يجهز، أما حجاب العروس فيحتاج التصميم الى ساعة من الوقت. أما التكلفة فتتفاوت حسب الطلب.
وتقدم الأتات عرضاً خاصاً مع كل 4 زيارات حيث تحصل المحجبة على الزيارة الخامسة مجاناً، و”الحجاب ستايل” مع مستلزماته يكلف 35 دولار وبدون المستلزمات، أي الاكسسوارات، يكلف 25 دولار.
ومعظم الزبونات، حسب الأتات، هن لبنانيات، وهذه الموديلات ليست حكراً على العرائس بل تتخطى ذلك الى بعض الموظفات في القنصلية اللبنانية والمحاميات وغيرهن.
الجدير بالذكر ان الاتات لا تعتمد موضة “الحجاب أبو نفخة” في موديل حجاباتها، والتي مصدرها الخليج، وتعتبر الاتات ان موضوع “الحجاب ستايل” خرج عن اطار السيطرة. “فهنالك بعض النساء اللواتي يشوهن الصورة المرتبة والجميلة للحجاب. ففي احدى المرات كنت ذاهبة الى الفرن ورأيت احدى النسوة ترتدي “الحجاب ستايل” منذ الصباح، هذا امر غير مقبول.. تخنوها كتير”، حسب قول الاتات.
وتضيف الاتات “الحجاب ليس موضة رغم انه تحول الى ذلك، وكان المغزى من “الحجاب ستايل” هو الترتيب والاناقة وليس التعارض مع الاسس الشرعية للحجاب. و”الحجاب ستايل” هو خاص بالمناسبات، كالعروس التي نشجعها يوم عرسها الى ترتيب حجابها بما يتناسب مع اهمية هذا اليوم لها، بدل ان تفكر في خلع حجابها”.
كما تؤكد الاتات أن للحجاب آداب واخلاق تعتمد على الحشمة في اللباس والترتيب فيما لا يتعارض مع الاصول.
آراء محجبات حول “الحجاب ستايل”
تقول فداء الماني، من ديربورن، “أنا لا اعارض “الحجاب ستايل” اذا كان من اجل مناسبة او عرس، وقمت بذلك في احدى المناسبات. ولكن أن يتحول الى موضة يومية فهو امر غير مقبول خصوصاً كونه ملفت للنظر. وتبالغ النساء في ارتداء هذا الحجاب يومياً ليصبح تسريحة شعر، والمسألة اصبحت غيرة عند النساء وكذلك تجارة لكثير منهن”.
أما ديانا هاشم، من ديربورن، فتجد ان “الحجاب ستايل” فكرة تافهه، “ارتداء الحجاب أساسه تعزيز فكرة الحشمة والحياء وليس لفت الانظار. وعندما تبدا المرأة بتزيين نفسها بهذه الطريقة فما تسعى اليه هو لفت الانتباه لا شيء آخر. وربما سبب هذه الظاهرة هو ان بعض الفتيات ارتدين الحجاب في سن مبكرة دون اقتناع، وهذه طريقتهن في التعبير عن انفسهن لأنه لم يكن لديهن الفرصة في اختبار التزيين قبل الحجاب”.
من ناحيتها، ترى نرجس جاسم، من ديربورن هايتس، أن “الحجاب ستايل” “جميل لكنه يبرز بشكل ملفت ما يتعارض مع الاصول الشرعية للحجاب والذي مغزاه البساطة والحشمة. فعندما ترتدي المرأة الحجاب المنتفخ والبراق فهي تجذب الانظار مما ينقض فكرة الحجاب من الاساس”.
الرأي الشرعي
يقول السيد محمد باقر كشميري “في الشريعة الاسلامية تنطلق المسائل الفقهية بالحلال والحرام وفق الخلفية الفلسفية وكيفية النظر الى الدين والاعتقاد به”. ويضيف “أساس فلسفة الحجاب، حين نفهمها سوف تنحل عندنا ولدينا جميع أشكال الحجاب. فإذا ما عرفنا ان الحجاب فيه قسم، طلب رباني وأمر لا بد من الامتثال اليه، وقسم آخر من فلسفة الحجاب يرجع الى حشمة المرأة وطبيعة انوثتها ودورها مقابل الرجل”. ويتابع السيد الكشميري بالقول “ان الفتاة بلبسها وحركاتها تفعل بعض الأشياء حتى تزيد من الانتباه اليها.وهذا ليس بعيب بل هو موجود في فطرة الانسان. اما الدين فهو يوظف هذا الشيء، ومن جملة التوظيف يضع للحجاب حدود. الحجاب يعطي للمرأة حشمة ويزيد من عفتها ويزيد ايضاً من جاذبيتها . بناءاً على هذا نقول ان حجاب المرأة في الاسلام واجب ويحق لها كشف الوجه والكفين، أكثر من ذلك لا يجوز”.
ويضيف السيد كشميري “أي نوع حجاب يأتي، في رأينا كمسلمين وكرجال دين، لا يهم اذا كان يتقاطع مع فلسفة الحجاب. الألوان جائزة والموديلات غير مهمة، الاساس هو ان لا تتعارض مع فلسفة الحجاب ولا سيما في قضية الاثارة. فالمرأة حين ترتدي حجاباً يكون ضيق عليها ويبرز مفاتنها هذا غير جائز. واذا كان الزي الجديد والموضة الجديدة لا تتعارض مع هذه المبادئ من حيث عفة المرأة وكرامتها وموقعها الاجتماعي وكذلك العرفية من حيث الدين والتقاليد لا ارى في ذلك عيباً. أما الزينة وحدها فيها اشكال بغض النظر عن الحجاب. واذا دخل الحجاب موضع الزينة فستحدث مشكلة. الزينة وحدها فيها مشكلة وورد ذلك في القرآن الكريم في صورة النور الآية 31: “وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ…” ويستمر في المحارم. يجوز للمرأة ان تبرز زينتها لكن ليس أمام الاجانب والمقصود بالأجانب الغرباء. لانها بزينتها ستوقع الاخرين في الحرام، فتكون بذلك عامل على تشجيع ضرب القوانين الاجتماعية والدينية. فاذا كان لباس الحجاب يدخل في هذا العنوان ويثير في المجتمع فهو غير جائز لان اللباس الشرعي يجب الا يثير. ان لباس المحجبة عليه الا يظهر عورتها ومفاتنها وان لا يلفت النظر بحيث يدخل المجتمع في مشاكل اجتماعية أو مشاكل شرعية. المرأة المحجبة ينظر اليها كمثال وقدوة في المجتمع، والتحلي بالبساطة وعدم لفت النظر اساساً.”
من ناحيته، اعتبر الشيخ محمد دبوق ان الحجاب منبوذ عند الكثير من النساء، بمعنى انهن لا يحبونه لأنهن يعتبرن انه يقيدهن، وخاصة تلك التي لم تتربى في بيئة اسلامية.ويقول الشيخ دبوق “المرأة تُحفظ من مخاطر المجتمع بالحجاب. والحجاب ليس عقاب للمرأة انما هو طمأنينة وراحة وحفظ وعنوان الغيرة الشفافة الطيبة. فالمرأة معززة في الاسلام الى جانب ان المرأة غير ممنوعة عن كل امور المجتمع والامور الحياتية اليومية”. وحول “الحجاب ستايل”، يقول الشيخ دبوق “الحجاب واجب ونحن نريد ان نشجع بناتنا على الحجاب وخاصة في الدول الغربية. اذا كان لباس المرأة بالنسبة لجسدها فضفاض وشرعي وارتدت حجاب مرتب، عادة عندما تنسق الالوان مع الطريقة التي تضع بها المنديل من حيث الترتيب والتفنن بتنسيق الالوان بحيث يكون غير مثير وغير ملفت للنظر فلا اشكال فيه. أما اذا ارتدت المرأة حجاب لونه فاقع ووضعت الاجراس لتزينه بشكل يلفت النظر ويثير الريبة ،ذلك يخالف العرف للشرع الاسلامي وفي ذلك اشكال بالطبع”.
كما يؤكد الشيخ دبوق على ضرورة الالتفات الى الحجاب وما يتبع الحجاب من لباس لائق، فهما امران لا ينفصلان. ويضيف “يقوم بعض الاهل على تشجيع بناتهم في المرحلة الاولى من الحجاب بتعريفهم على الحجاب المرتب والانيق والمقصود هنا الحجاب الرصين وليس المثير،كي لا افهم خطأ. فهنالك طريقة مستحدثة للحجاب غايتها اظهار المرأة بصورة مرتبة ولائقة ومع ما يتماشى بالزي الاسلامي الفضفاض والمحتشم. والاشكالية الحقيقية ليست بالحجاب كحجاب. انما في الحجاب المثير للنظر مع ما يتبع ذلك من لباس على الجسد ما قد يثير الاشمئزاز ويلفت النظر.الحجاب المناسب له اصول، فلا يكون ضيق على الرأس أو شفاف يظهر الشعر أو ألوان صاخبة مثيرة للنظر أو يعتمد الزينة البراقة مما يجعل المرأة المحجبة عرضة للتساؤل والانتقاد. على الحجاب ان يكون رصيناً وليس صاخباً”.
آراء شباب حول “الحجاب أبو نفخة”
يتفق فلاح وحسين وعلي، من ديربورن، على أن “الحجاب أبو نفخة” غير جميل وكبير جداً مما يجعل المرأة تبدو كالمخلوق الفضائي او كأن خلية نحل تعتلي رأسها حسب قولهم. ويضيفون “هذه الموديلات الجديدة التي تقوم بها المحجبات من حيث التزيين أو القيام بموديل تحت الحجاب لاظهار ان عندها شعر طويل او غير ذلك، يضيع الفكرة الاساس التي يبتغيها الحجاب وهي حجب النظر وعدم الاثارة”.
الله يحب الجمال كذلك الانسان. وعلى مر التاريخ، ،اتبعت العديد من الحضارات انواعاً متعددة من الموضة التي تعكس ثقافة هذا المجتمع وخلقياته. ويصح القول ان الموضة ملعونة، لأنها تسلب الناس مشاعرهم وتسيرهم حسب رغبة السوق لا حسب رغبتهم. وبغض النظر عن الرأي الشرعي لأصول الحجاب الذي هو بأهمية عالية، لا نقصد تسخيفها، الا اننا نجد أنفسنا امام سؤال أساسي، ما هي الثقافة التي تسعى من وراءها “محجبات أبو نفخة” او “محجبات الزينة والاكسسوارات” ان تعكس للمجتمع؟ اذا كانت الغاية لفت النظر، فهي غاية حتماً تحققت، اما اذا كانت الغاية ابراز الجمال، فلا نعرف كيفية الاجابة عن ذلك..
Leave a Reply