برغم التضحيات التي يقدمها الجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب التكفيري، وبرغم الإنجازات المتلاحقة التي يحققها على هذا الصعيد بينما تواجه دول عربية وغربية اختراقات إرهابية متكررة.. إلا أن ذلك كله لم يشفع للجيش عند بعض الأصوات اللبنانية التي شنت حملة على سلوك المؤسسة العسكرية حيال النازحين السوريين خلال العملية الاستباقية الاخيرة في بعض مخيمات عرسال، متهمة العسكريين بانتهاك الحقوق الإنسانية للنازحين والتسبب في وفاة أربعة من الموقوفين الذين جرى اعتقالهم، علماً أن تقارير الطبيب الشرعي أثبتت لاحقاً أن وفاتهم تعود إلى أسباب صحية، وليست ناجمة عن التعذيب، كما روّجت بعض الاوساط.
صحيح، أن الجيش غير «معصوم»، وصحيح أنه من الممكن أن يكون قد ارتكب أخطاء في سياق المهمة الحساسة التي نفذها في ظروف دقيقة ومحفوفة بالمخاطر، إلا أن مصلحة الأمن القومي اللبناني تقتضي عدم التشهير بالمؤسسة العسكرية في وقت تواجه التهديد الإسرائيلي والخطر التكفيري في آن واحد، وبالتالي فإن طبيعة هذه المرحلة تستلزم الوقوف خلف الجيش وإلى جانبه، مع الحرص على تصحيح اي خلل قد يقع.
تشدد مبرر.. ولكن!
من المفارقات، أن مراجع وعواصم دولية تشيد بجهد الجيش وإنجازاته النوعية، فيما تستسهل جهات لبنانية توجيه السهام إليه، تحت شعارات حقوقية وقانونية، غالباً ما تخفي وراءَها أبعاداً وحسابات سياسية.
وإذا كانت هناك أخطاء ميدانية قد وقعت أثناء مداهمة عدد من مخيمات عرسال، فمن الواجب ابداء الحرص على إبقائها في إطارها الموضعي، من دون تضخيم أو تحوير، بالتزامن مع إخضاعها للتحقيق حتى يبنى على الشيء مقتضاه، علماً بأنه ليس سهلاً من حيث المبدأ انجاز مهمة عسكرية خاطفة، وسط انتحاريين فجّر خمسة منهم أنفسهم ما أدى إلى إصابة عدد من الجنود، وبالتالي فإن الجيش كان مضطراً إلى التشدد في الإجراءات الاحترازية خلال مداهمة المخيمات، تحسباً لاحتمال وجود انتحاريين أو إرهابيين آخرين بين النازحين.
وأياً يكن الامر، ينفي الجيش بشدة، الاتهامات الموجهة إليه، واضعاً بعضها في خانة السعي إلى تشويه صورته والتشويش على عمله، ورابطاً بعضها الآخر بعدم إدراك الواقع والحقيقة، مع الإشارة إلى أن المطلعين على المنهجية المتبعة في الجيش يؤكدون أن قيادته تشدد دائماً على وجوب تقيد العسكريين بالقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، في كل العمليات العسكرية.
ووفق المعلومات المتوافرة بحوزة الجيش، فإن هناك بين النازحين أنفسهم أشخاصاً على تواصل مع المجموعات الإرهابية أو يحملون الفكر التكفيري، كما أن بعض الإرهابيين التابعين لتلك المجموعات يعمدون إلى التسلل بين الحين والآخر إلى داخل المخيمات للقاء أقاربهم أو بغية تجنيد عناصر لصالحهم، أو بهدف التحضير لتنفيذ عمليات إرهابية.
خطر داهم
ولئن كان الإرهابيون الموجودون داخل المخيمات يشكلون قلة قياساً إلى العدد الاجمالي للنازحين السوريين، إلا أن خطرهم كبير جداً، سواء على النازحين أنفسهم أو على المواطنين اللبنانيين.
وإزاء هذا الواقع، باتت مخيمات النازحين القريبة من الحدود مع سوريا تشكل عبئاً إضافياً على الجيش، باعتبارها قريبة من مراكز التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي يسمح أحياناً بتسلل بعض الإرهابيين إليها، أو استخدامها لأغراض أمنية، وهذا ما يفسر حرص الجيش على تكثيف اجراءاته الامنية حول هذه المخيمات.
ومع تراكم الأعباء الأمنية المترتبة على وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان، أصبح الجيش على قناعة تامة بوجوب تأمين عودتهم إلى سوريا في أقرب وقت ممكن، لكنه يعتبر أن القرار في ذلك يعود إلى السلطة السياسية اللبنانية كما إلى الأمم المتحدة والسلطات السورية، لإجراء التنسيق والترتيبات اللازمة التي تكفل للنازحين حق العودة والاستقرار في مناطق آمنة داخل سوريا.
ويأخذ الجيش بالاعتبار احتمال أن تفرز الهزائم التي منيت بها التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، ردود فعل متفلتة في ساحات أخرى، ما دفعه إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات والتدابير الوقائية على الحدود لمنع تسلل الإرهابيين إلى داخل الاراضي اللبنانية.
ويبقي الجيش كل الاحتمالات واردة، في «أجندته»، ومن بينها اعتماد خيار الحسم العسكري ضد المجموعات المسلحة في جرود عرسال انطلاقاً من قرار حاسم متخذ من قبل القيادة بدحر الإرهابيين بصورة نهائية، إذا تعذر إقناع تلك المجموعات بالانسحاب عبر المفاوضات، أما توقيت تنفيذ «الجراحة العسكرية» فيعود إلى توافر الظروف المناسبة التي تضمن نجاحها بالكامل.
ويؤكد العارفون أن الجيش اللبناني بات يملك القدرة القتالية الكاملة على تنفيذ هذه العملية العسكرية، مع الاشارة إلى أن الواقع الحالي للحدود اللبنانية–السورية، يفترض وجود عوامل داخلية وخارجية تساعد في اتمام تلك العملية، تبعاً للقناعة السائدة لدى قيادة المؤسسة العسكرية.
Leave a Reply