عجيب كان أمر الزمن في حيفا، أخذ كل أشكال الحركة أثناء مروره.
كان يتباطـأ حين يسطو الغازي (وما أكثر غزاة حيفا)، لم أعد أدري إن كان تباطؤه تواطؤاً مع الغازي لُُيجرّعنا طعم القهر والذل على مهل، علّـنا نتلذذ به، أم أنه تواطأ معنا ليمنحنا المزيد من الوقت كي ندرك هول المصيبة ونقول “لا” للغازي.
كان يسرع خطاه حين ننعم بالأرض التي حضنت رفات الأجداد الممزوجة بعرقهم ودمائهم؛ وفي كلتا الحالين كان أهل حيفا الأصليون هم الخاسرون دوماً.
خسروا زمنهم الضائع في سراديب الغازي، وبكوه أطلالاً بعد انقضاء عهده..
لكن زمن حيفا المجنون أبى أن يجاري العادة، فاتخذ لنفسه منحى آخر.. وأتاح لنفسه لحظة يتوقف فيها؛ فكان حراكه الأخير صبيحة سقوطها الأخير..
وتتوقف ساعة حيفا عند الساعة التاسعة عشرة والدقيقة الثامنة والأربعين. ويصبح، بطبيعة الحال، من الكفر البكاء على الأطلال بذريعة أنه لم يعد هناك أي أثر منها، فقد توقف الزمن، فلا ماضي الا ما يخبرنا به الزمن الجديد، وهو ماض لا يمت لأهلها بصلة؛ فلماذا البكاء على أطلال شـيدت فوقها قصور الحاضر؟!
وننسى حيفا، حيث أنها اصبحت خارج الزمن؛ ويسأم اهلها مرارة توقف الوقت لديهم وحدهم، فهم يرون شركاءهم الدخيلين يستفيدون من توقف الزمن هذا؛ لا بل يعتبرونه أفضل ما حصل لهم منذ خلق بني البشر. ويحاول أهلها بين الفينة والأخرى تذكيرنا بأنها حاضرة هنا في توقيتنا الحالي، وتفشل مراراً وتنجح مرات قليلة؛ ولا نأبه، لأننا اصبحنا خارج الزمن أيضاً حين تركناها..
واليوم يعقد في حيفا مؤتمر “كلمات بلا حدود” الذي دعا اليه المؤتمر العالمي لـ”أدباء من أجل السلام” الذي تقاطعه منظمة “القلم” الدولية بعد ضغط الأدباء العرب في مؤتمر طوكيو الذي أدى الى عدم مشاركة هذه المنظمة في مؤتمر حيفا؛ ولكن الممانعة لم تمنع الجزائري طارق اسمي ولا العراقي نجم والي، ولا حتى المغربية سهام اسمي من المشاركة (على اساس انهم يعيشون خارج الزمن، فنسوا او تناسوا..). هذا ليس نوعاً من العودة الذي ترتضيه حيفا لها ولنا..
حسناً نفعل إذا تذكرنا كلمات الشاعر أحمد دحبور، وتمتمنا بها: “حيفا هذه ليست مدينة، إنها الجنة ومن لا يصدق فليسأل أمي”.
Leave a Reply