في إحدى الدول العربية التي أصابها اليسر بعد العسر، وفي إحدى مدارسها الخاصة التي لا يدخلها إلا الطلاب المهذبين، المروضين على الطاعة وعلى تقديم الهدايا الحرزانة في يوم عيد المعلم وفي بقية الأعياد والمناسبات الاجتماعية والدينية. في هذه المدرسة وبمناسبة شهر رمضان المبارك طلب معلم اللغة العربية من تلاميذه أن يكتبوا موضوع إنشاء عنوانه: وصف عائلة فقيرة.
المعروف أن هذه المدرسة كما في سواها من المدارس التي لا تضم الا طلابا مهذبين، مولودين في بيوت واسعة تفيض رهافة وثراء من نعم الله الذي رزقهم بغير حساب، وعند أهلهم عدد كبير من السيارات الفخمة وكلاب الصيد وجوارح الطير والخدم الأمناء. الواحد من هؤلاء التلاميذ عندما يذهب الى المدرسة ليرتشف العلوم، ويمتص المعارف، على أيدي معلمين أكارم مستوردين، يمتطي ظهر الخادم من باب البيت الى باب السيارة ويركب على ظهر السائق من باب السيارة إلى باب المدرسة حيث تبتسم الوجوه بلطف، وأدب لمال أهله من خلال الاحتفاء به.
في هذه المدرسة يتعلم الأولاد من أهلهم ومن معلميهم ومن خلال الاعلانات في الجرائد والتلفزيونات، أن هناك عائلات فقيرة يعيشون في مكان ما، وحالة هذه العائلات تثير الشفقة وتصلح أن تكون موضوعا للوصف في مسابقات الانشاء في شهر رمضان الفضيل، تماما مثل الولد الهزيل الذي يتصدق عليه أهل الفضل في يوم العيد بعد حفلة تبرع خيرية تقام في سبيل الأولاد المشردين والفقراء يحضرها البعض من أهالي هؤلاء التلاميذ لكثرة ما عندهم من عطف ورحمة وإنسانية.
احتار أحد التلاميذ كيف يصف عائلة فقيرة وهو الذي لم يعرف الفقر ولم ير فقيرا إلا من خلال ما يقرأه عنهم في نصوص الإنشاء المنشورة في الكتب المدرسية والدينية وإعلانات الإغاثة التلفزيونية، التي ألفها وكتبها كتّاب، ومؤلفون فارغون وتافهون مثل نجوم المجتمع ونجمات الجمعيات الخيرية.
بعدما حار ودار وفكر ذلك التلميذ المؤدب والمربرب والذي يقدم هدية للمعلم والمدير على الرايح والجاي حتى ينجح، حمل القلم بحنان وانسانية دافقة وكتب واصفا عائلة فقيرة كما يلي:
هي عائلة فقيرة جدا “توقز” (توقظ) المشاعر الحساسة وتحرك “الكلوب الركيكة” (القلوب الرقيقة) ليس لديها الا خادمة واحدة وسيارتين اثنيتن منهما واحدة من موديل العام الماضي، وسائك (سائق) سيارة واحد.
هذه العائلة تسكن في بيت صغير، فيه خمس غرف نوم وثلاث حمامات وغرفة واحدة للخدم. عندهم بناية واحدة فقط يؤجرونها للمستأجرين وشركة صغيرة يعمل الأب فيها، وبيت صغير في الريف مع مزرعة فيها فقط “كم حصان وكم غزال”. يا حرام. أفراد هذه العائلة لا يسافرون الى اوروبا إلا مرة واحدة بالسنة وعندما ينامون يطفئون النور توفيرا لثمن الكهرباء ويستحمون مرة واحدة في اليوم توفيرا لثمن المياه وفي أكثر الأحيان يقضون “الويك أند” في البيت ويطلبون الأكل ديلفري ويشربون من ماء الحنفية.
وختم موضوعه بالقول: ما أتعس هذه العائلة البائسة!
عندما قرأ معلم اللغة العربية هذا الموضوع عن العائلة الفقيرة دمعت عيناه تأثرا بما كتبه التلميذ المهذب وسامحه على أخطائه اللغوية وقال له: برافو.. اجلب معك غدا صباحا مئة دولار
Leave a Reply