صخر نصر
سألت أميركيا من أصول أفريقية كان حزيناً على غير عادته، سألته عن سبب كآبته، وأنا لم أعرفه إلا مبتسماً ضاحكاً يغني طيلة الوقت، ويتمايل راقصاً مع الأجهزة الالكترونية التي لاتفارق سماعاتها أذنيه لا فـي الصباح ولا فـي المساء، وهو يستمع إلى الموسيقا، فأجاب بكثير من الحزن: أخي مات بالأمس، وقد دفناه اليوم صباحا قبل أن أحضر إلى العمل، عزيته بلطف متأسفا على وفاة شقيقه، واستغربت كيف يحضر إلى العمل فـي ذات اليوم الذي وارى شقيقة الثرى ولم يتلق العزاء، وزال عجبي عندما قال لي لم يكن سوى بضعة أشخاص فـي وداعه.
يبدو هذا المشهد فـي منتهى الغرابة لواحد مثلي، عاش معظم سنين حياته فـي المجتمع العربي الذي يمتاز بالتآلف الاجتماعي والتعاضد لاسيما بالمحن والموت، فالمجتمع الأميركي يختلف فـي عاداته وتقاليده عن مجتمعاتنا فـي بلادنا الأم، فالعرب يتضامنون مع بعضهم ويقدمون واجب العزاء والتقصير فـي ذلك غير مبرر على الإطلاق، ولايقبل العذر فكل يستطيع أداء الواجب سواء بالحضور الشخصي او بالإتصال الهاتفـي،أو بالبرقيات كما كان سابقا، وبالبريد الإلكتروني ووسائل الإتصال الإجتماعي حاليا.
بالأمس كنت فـي تعزية زميل توفـي شقيقه، رغم أني لم أستطع ان أحضر الدفن ولا الحضورفـي اليوم الأول للوفاة، واعتبرت نفسي مقصراً، لكني بادرت إلى تقديم الواجب فـي يومه الثالث، وفوجئت بعدد غير قليل من يعرف المرحوم، وحتى الذين لايعرفون أحداً من أسرته، قاموا بالمبادرة الى تقديم واجب العزاء ،على اعتبار أن هذه المبادرة الانسانية فـيها الكثير من الأثر الطيب لدى أسرة الفقيد، كما أنها تقوي العلاقات الإجتماعية بين أفراد الجالية، وتقضي على الخلافات فـيما بينهم، وتعبتر من أعمال الخير ينال ثوابها المؤمن عند الله.
إن هذه العادات العربية والثقافة التي أحضرها أبناء الجالية معهم من مجتمعاتنا والتي تعبر عن ذوق إجتماعي ومحبة حقيقية ، لا يعرفها معظم أبناء المجتمع الأميركي وحتى سائر المجتمعات الغربية، ماهي إلا تعبير صادق عن الأخلاق التي نعتز بها، فالغربيون من الدول العظمى فـي العلوم والتقنية والتطور التكنولوجي علاقاتهم مادية مبنية على المصالح بالدرجة الأولى ،ولاترابط إجتماعياً ولا حتى أسرياً بينهم، بعكس ثقافتنا، وبلداننا العربية العظيمة بأخلاقها وقيمها وثقافتها والعلاقات فـيما بين أبنائها.
ولا يستطيع أحد أن ينكردور المراكز الإسلامية والثقافـية التي اجترحت دورا نشطا فـي مجال التعاضد الإجتماعي وتعتبر ملتقى لأبناء الجالية لاسيما هنا فـي ديربورن، وأكثر ما هزني ماسمعت من أحد أبناء الجالية والذي يسكن فـي ولاية أوهايو عندما قال أحضر إلى هنا لأعيش إنسانيتي ولأرى الناس الذين يحبونني وأحبهم حتى من غير معرفة شخصية فـيكفـي أن تزورأحد المراكز الاسلامية أو تتجول فـي أسواق هذه المدينة الرائعة أو تتناول طبقا فـي أحد مطاعمها، أو تستمع لمحاضرة حتى يتدفق الدم فـي عروقك من جديد وتشعر بنفسك كإنسان لا كأداة أو آلة آدمية تتحرك طيلة الوقت بهدف كسب المال.
Leave a Reply