نبيل هيثم – «صدى الوطن»
انطلاق الصواريخ من شمال اليمن على جيزان ونجران… خبر بات اعتيادياً في وسائل الإعلام العربية، ولكنه يعكس بالفعل ما حققته عمليتا «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» السعوديتان، بعد عام وبضعة أشهر على إطلاقهما!
غابت عبارات من قبيل «عودة الشرعية» و«هزيمة الانقلابيين» عن التصريحات اليومية للمسؤولين السعوديين، وصار الهدف الفعلي للعدوان على الشعب اليمني «اتقاء شر» صواريخ الحوثيين من جهة، والرد على سيل الانتقادات الدولية بشأن استهداف المدنيين من قبل الطيران السعودي، والخروج بأقل الأثمان من المستنقع اليمني.
مقاطع الفيديو القصيرة المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، باتت تُوثّق ما يجري من عمليات القصف والتوغّل التي يقوم بها الحوثيون في الأراضي السعودية، وقد دفعت الاعلام السعودي، الموصوف بخضوعه لرقابة صارمة، إلى الاعتراف، في أكثر من محطة، بما آلت إليه الأوضاع سواء في الداخل اليمني، أو في المناطق الحدودية السعودية، بما يعكس فشلاً ذريعاً لنظام آل سعود، بعد 18 شهراً على بدء العدوان.
جريمة حرب ممنهجة
وعلى جانب آخر، تبدو السعودية في وضع لا يُحسد عليه دولياً، بسبب همجية عدوانها، الذي بات ينظر إليه باعتباره أقرب الى جريمة حرب ممنهجة ضد المدنيين، وهو ما دفع الجيش الأميركي إلى سحب مستشارين عسكريين، كانوا يشاركون في تنسيق الغارات الجوية التي تقودها السعودية في اليمن، وتقليص عدد المُستشارين الذين يُقدّمون المشورة في أماكن أخرى بشكل «حاد»، وذلك بعد مجزرة دار العزاء في صنعاء التي أودت بحياة أكثر من ١٤٠ شخصاً وأصابت مئات آخرين.
وبالرغم من أن وزارة الدفاع الأميركي لم تربط، علناً، بين قرار سحب المستشارين وبين الجرائم التي ترتكبها الطائرات السعودية بحق المدنيين العزّل في اليمن، إلا أن الولايات المتحدة تبدو راغبة في غسل أيديها من هذه الممارسات الهمجية، أقلّه لتجنب الانتقادات المحلية والدولية. وليست مصادفة أن يأتي القرار الأميركي في خضم حملة إعلامية في الولايات المتحدة بشأن الجرائم السعودية.
وكررت واشنطن الأسبوع الماضي عبارة «ليس شيكاً على بياض» للمرة الثانية في الحرب التي تشن على اليمن، في معرض التعليق الأميركي اليتيم على مجزرة الصالة الكبرى في صنعاء، إذ قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، نيد برايس، «إن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأميركية للمملكة العربية السعودية والتحالف الذي تقوده ليس شيكاً على بياض».
والأمر ذاته ينسحب على دول أخرى، مثل بريطانيا، التي باتت عرضة لانتقادات، حتى من جانب منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة، بشأن دعمها لإرهاب الدولة السعودية بحق المدنيين اليمنيين، وكذلك من قبل منظمات حكومية داخل بريطانيا نفسها، مثل منظمة «أوكسفام»، التي اعتبرت، في آخر بياناتها، أن مصداقية بريطانيا «في خطر» بسبب مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية، متهمة الحكومة البريطانية بالتحول «من كونها مؤيداً متحمساً للمعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة، إلى واحدة من أبرز المنتهكين لها».
وتزامناً، أعلن الأمين العام للأمم المتّحدة، بان كي مون، أن «الهجمات الجوّية التي ينفّذها التحالف بقيادة السعودية سبّبت بالفعل مذبحة هائلة»، مضيفاً أنّها «دمّرت كثيراً من المنشآت الطبّية في البلاد، وغيرها من البنى التحتية المدنية الحيوية»، داعياً إلى «المحاسبة على الإدارة المروّعة للحرب في اليمن».
المغامرة مستمرة
لا شك أن نظام آل سعود يواجه اليوم أكبر معضلة اقليمية، تفسّر بشكل كبير، قراره استئناف الضربات الجوية في اليمن، في مغامرة، قد تكون الأخيرة، من جانب الثلاثي سلمان والمحمدين.
لكن المراقبين يؤكدون أنه لو كانت واشنطن بالفعل صادقة وتريد إعادة النظر في دعمها للعدوان السعودي على اليمن، لما كانت رفضت قبل أسبوعين في الأمم المتحدة قرار إنشاء لجنة دولية للتحقيق في الاتهامات الموجهة إلى التحالف باستهداف المدنيين في اليمن، مقابل تبنيها قرار تعزيز عمل لجنة التحقيق التي ألّفتها الحكومة اليمنية الموالية للرياض.
ويؤكد هؤلاء أن الحرب على اليمن هو قرار أميركي، ولا جدال أنه في اللحظة التي تقرّر فيها واشنطن إيقاف العدوان سترضخ الرياض لهذا القرار فوراً.
ولا يخفى أن عودة التصعيد في اليمن من قبل السعوديين قد جاء على خلفية تطور، غير ذاك المعلن، والمتعلق بفشل محادثات الحل السياسي، واعلان الرئيس السابق علي عبد الله صالح موت «المبادرة الخليجية» للتسوية في اليمن. التطوّر غير المعلن يتمثل في اخفاق المشروع السعودي في سوريا، بعدما فقد نظام آل سعود دوره كلاعب اقليمي في الصراع السوري، أو على الأقل تحوّله إلى دور هامشي، بالنظر إلى حضور مباشر للاعبين آخرين، وهم الولايات المتحدة وروسيا بالدرجة الأولى، وإيران وتركيا بالدرجة الثانية.
ولا يخفى على أحد أيضاً أن القيادة السعودية كانت تريد حسم الوضع عسكرياً في سوريا بدعمها للمعارضة السورية المسلحة في حلب على وجه الخصوص، حتى تتفرغ لليمن، ولكن هذه الاستراتيجية لم تنجح، وأدركت الرياض أن ثمة حاجة إلى ضمان أمنها الداخلي، في ظل تساقط الصواريخ الحوثية بشكل يومي داخل اراضي، وتأمين جوارها الاقليمي الجنوبي.
ولكن، يبدو أن الخطوة التكتيكية السعودية لترتيب الملفات الإقليمية، بعد انتكاسة المشروع السعودي في سوريا، قد أتت متأخرة، ذلك أن الأسابيع الأخيرة أظهرت أن ثمة تموضعات جديدة، اقليمياً ودولياً، تتجاوز التموضعات القائمة حالياً في سوريا، لتطال مناطق أخرى في الشرق الأوسط، من بينها اليمن.
ولا شك أن كلمة السر في هذا الإطار قد جاءت على لسان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي قال، في حديث إلى قناة روسية، بأن اليمن سيقبل باستقبال قاعدة عسكرية روسية على أراضيه، في حال رغبت موسكو في ذلك.
هذا التصريح، الذي تفاوتت ردود الأفعال بشأنه، بين مستخف ومشكك وقلق، لم يأت من فراغ، فثمة اعتقاد راسخ لدى الكثيرين من الخبراء الدوليين، لا سيما في الغرب، بأن الصراع اليمني قد انتقل، على غرار الصراع السوري، من صراع داخلي ذي بعد إقليمي، إلى حرب إقليمية بالوكالة، يرجح أن تشهد تطوّراً، على المدى المنظور، بالتحول إلى صراع دولي.
ومما لا شك فيه بأن التحركات الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط، عموماً، تشي بأن الصراعين اليمني والسوري يتجهان أكثر نحو التدويل.
أبرز تلك التحرّكات، التقارب غير المسبوق بين إيران وروسيا، الذي تُرجم عملياً بفتح قاعدة همدان الايرانية للطيران الروسي، في خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية على المستوى السياسي تفوق بكثير الأبعاد التكتيكية المعلنة على المستوى العسكري، والزيارة المفاجئة التي بدأها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى دول الخليج، لمناقشة مسألتين أساسيتين، هما سوريا واليمن.
الرقم الصعب
وبانتظار ما ستؤول اليه محادثات كيري مع المسؤولين الخليجيين، فإن ثمة رغبة واضحة من قبل الولايات المتحدة للإنسحاب تكتيكياً من حرب اليمن، كما تبدّى من قرار وزارة الدفاع الأميركية بسحب المستشارين.
هذا الأمر تقابله رغبة روسية في الدخول التكتيكي في أزمة اليمن، بحسب ما يمكن قراءته بين أسطر تصريحات الخبراء الاستراتيجيين الروس.
هذا الأمر ستكون له نتائج كارثية على المشروع السعودي في اليمن، ومن شأنه أن يحوّل أي انتصار ميداني، في حال تحقق مع استئناف الغارات، إلى كابوس سياسي وأمني.
ويبدو واضحاً أن تدويل الأزمة اليمنية –وبالرغم من أنه كان مطلباً سعودياً في الأساس- قد بات كابوساً يقض مضاجع آل سعود، وهو ما دفع، على سبيل المثال، عادل الجبير إلى محاولة كسب ود روسيا، حين أكد أن بلاده مستعدة لاعطائها حصة أكبر في منطقة الشرق الأوسط من تلك التي كانت لدى الاتحاد السوفياتي.
وعلاوة على كل ما تقدّم، فإن الحوثيين، ومعهم أنصار الرئيس علي عبد الله صالح، قد اثبتوا أنهم ما زالوا، بعد 18 شهراً من بدء العدوان السعودي، الرقم الصعب في المعادلة اليمنية، ما يجعل الشعار الرئيسي الذي دخلت على أساسه السعودية الحرب، وهو «حماية شرعية» الرئيس عبد ربه منصور هادي موضع شكوك، ويجعل موقفها أقرب إلى الموقف القطري من الرئيس المصري المعزول محمّد مرسي ورهان الدوحة عليه، حتى بعد تراجع شعبية «الإخوان».
هذا الأمر اظهرته التظاهرات المليونية التي شهدها ميدان السبعين في صنعاء يوم العشرين من آب (أغسطس) الماضي، والتي يمكن قراءة نتائجها، محلياً واقليمياً على أكثر من مستوى. هذه التظاهرات، التي شبهها كثيرون بتظاهرات «ثورة 30 يونيو» في مصر، أظهرت أن علي عبد الله صالح وعبدالملك الحوثي يمتلكان شعبية يمنية لا يستهان بها، وأن حكومة عبد ربه منصور هادي تواجه معارضة ومنافسة شرسة وعنيدة في الداخل.
هذه التطوّرات المتسارعة، داخلياً واقليمياً ودولياً، تظهر أن ثمة تغيرا دراماتيكياً ينتظر الصراع اليمني.
وبنظرة واسعة، فإن ثمة من يعتقد، وفقاً لمسار الأحداث في اليمن وسوريا، ان الولايات المتحدة وروسيا قد اتفقتا على إدارة ملفات الشرق الأوسط، على أسس منسّقة، تتمثل في تولي روسيا مركز القيادة والسيطرة في سوريا واليمن، في مقابل تحرّك الأميركيين غرباً باتجاه شمال افريقيا، ولا سيما ليبيا، التي كانت على موعد مع اولى الضربات الجوية الأميركية قبل أسابيع قليلة؛ واستبعاد العنصر الاقليمي، أو على الأقل تحويله إلى دور هامشي، في كل من سوريا واليمن؛ وتنسيق التحركات العسكرية لضرب المنظمات الارهابية المتشددة في البلدين؛ وحفظ ماء الوجه امام الرأي العام العالمي عبر ضمان تجنب المدنيين وتمرير المساعدات الإنسانية.
هكذا، يبدو أن حرب اليمن، قد دخلت منعطفاً داخلياً يمنياً، ودولياً جديداً سيطيل أمد الحرب، من ناحية، ويعقد الخيارات والنتائج، من ناحية أخرى، وسيفرض حلول تتناقص فيها الأهداف السعودية المعلنة، ويخفض من سقف المطالب، كما سيفرض مقايضات في مناطق أبعد من اليمن.
ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت السعودية ستتعامل ببراغماتية أم بتعنّت مع تلك التحوّلات، أم أن نزق محمد بن سلمان ومحمد بن نايف سيفرض إيقاعه على التوجهات السعودية المستقبلية تجاه سوريا واليمن!
تدخل أميركي مباشر
أعلن البنتاغون أن الجيش الاميركي قصف ثلاثة مواقع رادار على ساحل البحر الأحمر في اليمن، رداً على الصواريخ التي أطلقت على مدمرة أميركية.
ووصفت وزارة الدفاع الأميركية القصف بــ«الناجح»، مشيرة إلى أن التقديرات الأولية «أظهرت تدمير ثلاثة مواقع رادار».
وحذر البنتاغون من أن الولايات المتحدة سترد على أي تهديد للسفن والحركة التجارية.
ويأتي الاعلان الأميركي بعد تعرض المدمرة الأميركية لهجوم صاروخي من أراض يمنية، إتهم فيه الجيش اليمني و«أنصار الله»، اللذان نفيا مهاجمة قواتهم لأي بارجة أميركية.
والقصف الأميركي على مواقع الرادار تمثل أول عمل عسكري مباشر تقوم به واشنطن في اليمن.
مجزرة الصالة .. والنفير اليمني
«ما بعد مجزرة الصالة الكبرى، لن يكون كما قبلها». قد تكون عبارة رئيس أركان الجيش اليمني، خير تعبيرٍ عن أثر الجريمة التي ارتكبها طيران التحالف السعودي السبت الماضي في صنعاء. الجريمة الأكبر في تاريخ العدوان، من حيث عدد الشهداء والجرحى، تفتح صفحة جديدة في الحرب، وتنقل المواجهة إلى مستويات أخرى، عسكرياً وسياسياً.
وفي اليمن، الصدمة كانت كبيرة جداً. فعلى الرغم من تكرار عشرات المجازر منذ بداية الحرب، بين الأسواق والمدارس والمستشفيات والمساجد والأحياء السكنية، كان احتمال الاستهداف الجوي لصالة مكتظة بمعزّين بعيداً عن التوقع، حتى يوم السبت الماضي. إلا أن طيران التحالف أثبت أن لا سقف لعمليات القتل المجاني التي يقترفها، أو حرمةً لأي مناسبة.
لكن الصدمة سرعان ما حوّلها زعيم «أنصار الله» إلى دعوةٍ إلى «النفير العام» والالتحاق بالجبهات «من أجل الثأر من قتلة النساء والأطفال»، في خطوةٍ تعني أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً في العمليات العسكرية، بعدما كانت الأيام الماضية قد حملت مؤشرات إلى انفراجةٍ سياسية واقتراب إرساء هدنة جديدة.
ودعا الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، إلى القتال على الحدود مع السعودية، قائلاً: «آن الأوان وحانت ساعة الصفر كي أدعو كل أبناء القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية إلى جبهة القتال، إلى الحدود للأخذ بثأر ضحايانا الذين سقطوا جراء المجازر المروعة، وأكبر مجزرة هي الصالة الكبرى».
وكانت قيادة التحالف السعودي قد تنصلت من مسؤولية الغارات، نافيةً أن تكون قواته قد نفذت أي عمليات جوية في مكان الضربة. لكن الفجوة الواسعة في سقف أحد مباني مجلس العزاء في القاعة الكبرى في صنعاء، بفعل أحد صواريخ غارة «التحالف السعودي»، تفضح بطلان التشويش على الجريمة الموصوفة، والتشكيك بها. حيث تشي صور الجثث المتفحمة والأشلاء المتناثرة والجرحى المبتوري الأطراف، بأن الحرب السعودية على «جارها» اليمني، بلغت ما هو أبعد من العبثية، وإن كل يوم يمر عليها صار بمثابة جريمة موصوفة.
وعلى الرغم من مضيّ أكثر من أسبوع على الجريمة، لا تزال أسماء الضحايا غائبة بسبب صعوبة التعرف إلى العشرات من الجثث فيما يتهدد الموت عشرات الجرحى في ظل الحصار وشح المواد الطبية.
وتم استهداف صالة العزاء الواقعة وسط حيّ سكني في شارع الخمسين الشهير في صنعاء، بغارة جوية، لكن طيران «التحالف» أتبعها بصاروخ شديد الانفجار، أوقع 140 شهيداً، على الأقل، وما يزيد على 315 جريحاً، وأحدث حريقاً هائلاً داخل القاعة، ما أدى إلى اختناق وتفحم العديد من الجثث.
Leave a Reply