انتشرت كالنار في الهشيم، خلال الشهر الماضي، رسائل بريدية مخيفة تدعو إلى تنظيم يوم لكراهية المسلمين، في الثالث من نيسان (أبريل) الجاري، تحت عنوان «عاقب مسلماً»، مع وعود بتقديم جوائز لكل من يقتل مسلماً أو يحرق مسجداً أو ينزع حجاباً عن إمرأة مسلمة.
ظهر المنشور بداية في بريطانيا، ثم انتقل إلى أميركا وأوروبا –التي تعاني بلدانها من انقسامات سياسية واجتماعية حادة حول المهاجرين، لاسيما المسلمين منهم– عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما حدا لاحقاً بوسائل الإعلام الرصينة إلى تغطية «الخبر» المفبرك، رغم عدم امتلاكه لأي ملمح من ملامح الجدية والمصداقية.
لا يحمل المنشور العدائي الآنف الذكر أية إشارة للجهة المنظمة ليوم الكراهية المزعوم، ما يشي للوهلة الأولى، بأنه مجرد منشور كاذب وزائف. كما أن الطريقة التي ستتم بها مكافأة القتلة والمعتدين على المسلمين تبدو سخيفة ومضحكة، ولا تنطلي على أحد، فمن هذا الذي سيغامر برشق «ماء النار» على وجه مسلم من أجل أن يجمع 50 نقطة، ونزع حجاب فتاة من أجل 100 نقطة، ويدمر مسجداً من أجل ألف نقطة؟
التأمل البسيط والسريع بهكذا نوع من الرسائل البريدية يدفع متصفح السوشال ميديا إلى رمي المنشور في سلة المهملات.. بالضربة القاضية، وبلا أدنى تردد.
غير أن ما حصل –وبكل أسف– أن المسلمين أنفسهم، خاصة في أوروبا وأميركا، ساهموا في نشر ذلك الإعلان على أوسع نطاق، عبر التداول والتشارك على صفحات التواصل الاجتماعية، وبطريقة دفعت الكثير من الوسائل الإعلامية المكتوبة والمرئية، وكذلك المؤسسات الحكومية إلى متابعة الموضوع، وأخذه على محمل الجد.
إننا نفهم أن وتيرة العداء للمسلمين تزداد حدة حول العالم، ولكن هذه الحقيقة تستوجب منا العمل الجاد والمستمر من أجل تحصين حقوقنا المدنية والدستورية في المهاجر، وترسيخ أدوارنا الاجتماعية والثقافية والسياسية فيها، من خلال المشاركات الانتخابية، وفتح قنوات التفاعل والحوار مع الثقافات المضيفة.
لقد مر يوم 3 نيسان ولم تسجل أية جريمة ضد المسلمين، استجابة لدعوات المنشور المفبرك، لكن حجم الخوف والقلق الذي انتشر في أوساط المهاجرين والمغتربين المسلمين حول العالم كان كافياً ليؤكد على الهواجس المتنامية التي تغذيها الإشاعات وتعمق الشعور بأننا جزر معزولة و«غيتوهات» مغلقة في بلاد الانفتاح والحريات، رغم علمنا بأن القوانين السارية تضمن العدل والمساواة بين الجميع، بغض النظر عن اللون والدين والخلفية الاجتماعية، كما تلتزم المؤسسات الحكومية بحماية الجميع.
قد يقول قائل، لكن الأعداد المتزايدة لجرائم الكراهية في بلد كالولايات المتحدة لا تبشر بالخير، وهي تبرر مخاوف المسلمين من أي شكل من أشكال التهديد، وأخذها على محمل الجد، حتى وإن كانت تبدو في ظاهرها سخيفة ومفتعلة. هذا صحيح، إنه حق يراد به باطل، إذ أن من الصحيح أيضاً القول: ليس مؤشراً صحياً أن يرعب منشور مفبرك مجتمعاً فاعلاً وعميق الجذور في أميركا، كالمجتمع العربي والإسلامي في منطقة ديترويت، وهذا إن كان يدل على شيء فهو يدل على الضحالة والإسفاف الذي وصلنا إليه.. حيث بات تصفح مواقع التواصل الاجتماعي –الذي هو في المقام الأول نشاط تسلية وتزجية للوقت– بات يصنع الخبر والمزاج العام!
والأخبار اليوم، وكذلك المزاج العام، بعيد كل البعد عما يحصل في فلسطين خلال الأيام الأخيرة، حيث تمعن الآلة العسكرية الإسرائيلية بالمزيد من المجازر التي كان آخرها الاعتداء السافر الذي ارتكبه جيش الاحتلال –الجمعة الماضي– بحق تجمعات فلسطينية سلمية قرب السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل إحياء لذكرى «يوم الأرض»، والذي أسفر عن ارتقاء 17 شهيداً وإصابة حوالي 1500 آخرين.
هذا النوع من الأخبار.. لا يستهوي أصحاب صفحات السوشال ميديا الذين يتركّز جلّ اهتمامهم على عدد «اللايكات» التي يحصدونها!
Leave a Reply