تخيّل أنك واقف على قمة جبل، وتجول بناظريك في المدى، وترى التلال والوديان والبحيرات وهي تتكشف من خلال منظر صحراوي أحمر. أعد النظر وسوف تدرك أنك قد رأيت مثل تلك التضاريس والمناظر الجبلية الوعرة على سطوح كواكب تسبح في الأعالي. تلك المناظر قد تبدو أنها مشاهد من تلكسوب منصوب في وسط صحراء أريزونا، أو أنها مشاهد من أفلام الخيال العلمي، ولكن –في الحقيقة– هذا ما يبدو عليه الأمر على سطح أحد الكواكب السبعة التي تم اكتشافها مؤخراً، والتي من المعتقد أن الحياة عليها ممكنة، بحسب العالم اللبناني الأميركي جورج حلو الذي قاد الباحثين لهذا الاكتشاف المبهر.
في 22 شباط (فبراير) الماضي، أكمل علماء في وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» دراساتهم باستخدام البيانات والصور الملتقطة بالأشعة تحت الحمراء، لاستكشاف ما سيبدو عليه الأمر على سطوح أول مجموعة معروفة من الكواكب الصالحة للحياة خارج نظامنا الشمسي، والمعروفة علمياً بإسم «ترابسيت–1»، وهي نظام مكون من سبعة كواكب تدور حول نجم قزم، فائق البرودة، يبعد عن الشمس 40 سنة ضوئية.
والمجموعة المكتشفة حديثاً تبعد عن كوكبنا مسافة تقدر بـ11,250 سنة في حال استخدام الصورايخ الفضائية وفق التكنولوجيا المتوفرة اليوم.
ويعتقد أن الكواكب السبعة تحتوي جميعها على الماء، وهي تدور حول نجم يبلغ حجم كتلته 8 بالمئة من كتلة الشمس، وهذا يعني أن الكواكب أصغر بكثير من كواكب مجموعتنا الشمسية، كما أن مداراتها قريبة من بعضها البعض، إلى درجة أنه يمكن للواقف على سطح أحد كواكب «ترابسيت–1» رؤية الكواكب الستة الأخرى، كما يرى الواقف على سطح الأرض وجه القمر.
وفي شهر أيار (مايو) 2016، بدأ باحثون بدراسة ثلاثة كواكب من «ترابسيت–1» باستخدام تلسكوب متطور تكنولوجياً، في مرصد فلكي بدولة تشيلي. وكان بين الباحثين أستاذ معهد التكنولوجيا الأميركي في كاليفورنيا (كالتيك)، والعالم الفلكي اللبناني جورج حلو، الذي يعد من كبار العلماء في «ناسا»، والذي كان في طليعة مكتشفي مجموعة «ترابسيت–1»، منذ حوالي 15 عاماً.
من الفتنة إلى الاكتشاف
حلو، كتب على بروفايله الشخصي في موقع «كالتيك»: «مثل العديد من الفلكيين الآخرين، أسرتني النجوم في سن مبكرة»، مضيفاً «فوق جبال لبنان كانت السماء داكنة، والنجوم كثيفة، ودرب التبانة كان باهراً. هذا الافتتان تحول تدريجياً إلى مسار مهني وأصبحت الرياضيات والفيزياء حقولاً ممتعة على نحو متزايد بالنسبة لي، كما فتحت الكتب أمامي آفاقاً لا حصر لها من الاكتشافات، وكذلك دراستي الجامعية في الجامعة الأميركية ببيروت التي أخذتني إلى عالم الفيزياء الحديثة، والتي أعدتني لاستكمال دراساتي الجامعية العليا».
ومنذ ذلك الحين، ساهم حلو في العديد من الاكتشافات الحيوية التي تشكل فهمنا الحالي للكون، كتلك الصور الملونة للمجرات التي كان فيها الفلكي اللبناني قد ساعد في إنشاء طرق التصوير المتطورة، والتي تستخدم لتحليل كيفية تشكل المجرات من الغبار.
حلو، يشغل اليوم منصب المدير التنفيذي لمركز معالجة وتحليل الأشعة تحت الحمراء (آيباك) ومنصب نائب مدير «مركز سبيتزر للعلوم» و«مركز هيرشل للعلوم» التابع لـ«ناسا».
اكتشاف مجموعة «ترابسيت–1» كان نتاج عقود طويلة من البحث والاستغراق في العمل، و لكنه أيضاً انطوى على «ضربة حظ كبرى»، بحسب ما أفاد حلو لـ«صدى الوطن».
العصر الذهبي للفلك
وأشار إلى أن مهنته في استكشاف الفضاء قد بدأت بعيد حصوله على شهادة جامعية في علوم الفلك من الجامعة الأميركية ببيروت، وبعد تخرجه انخرط في مناصب بحثية متقدمة (مرحلة ما بعد الدكتوراه)، في أوائل ثمانينات القرن الماضي.
وفي 1983 ظهرت فرصة لاستخدام تلسكوب جديد يستخدم الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء، لالتقاط صور لكامل السماء. وقال «لقد كانت سماء جديدة تماماً، تلك التي تم الكشف عنها». مضيفاً «إن طريقة جديدة لقياس السماء كشفت أشياء أساسية جديدة عن الكون».
ولفت إلى أنه تلقى عرضاً للتدريس في «جامعة ميشيغن» في تلك الفترة، لكنه أعرض عنها مفضلاً اغتنام الفرصة في مواصلة البحث على بيانات جديدة من القمر الصناعي «إيراس» (وهو قمر يستخدم الأشعة تحت الحمراء)، وهو البحث الذي بدأ في العام ذاته، في معهد «كاليتك».
وأكد أن ذلك البحث كشف النقاب عن «كنز» من المعلومات العلمية الجديدة التي كانت بمثابة تقدم طبيعي تكفل بسد الثغرات الموجودة في الدراسات السابقة عن المجرات.
عمل حلو بالتكنولوجيا التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء، كان «نقطة تحول» في مسيرة حلو المهنية، وقد مكنه من استيعاب معلومات جديدة ونشر مقالات بالغة الأهمية العلمية.
بعدها بدأ حلو يشارك في بحوث «وكالة الفضاء الأوروبية»، ذات الصلة باستخدام تقنيات الأشعة تحت الحمراء، وذلك في مرصد الفضاء «آي أس أو»، ونشط في تلك البحوث خلال الفترة ما بين 1995 و1998، وكان في الوقت نفسه نشطاً في «مرصد سبيتزر» الفضائي.
وفي هذا السياق، قال «خلال تلك الفترة كنت محظوظاً في حياتي المهنية، فقد كان العصر الذهبي لعلم الفلك عبر استخدام الأشعة تحت الحمراء.. كانت لدينا سلسلة من المراصد، يعمل كل واحد منها على تحسين (الصور) التي يلتقطها التلسكوب السابق، وكانت درجات تحسين الصور تصل إلى مئات وآلاف المرات، وهذا أعطانا حقيقة فهماً أعمق للكون».
وأضاف «إن نظرة خاطفة إلى عالم متسع جديد تماماً من خلال التلسكوبات الجديدة سمحت لي بمعاينة ما بدا عليه الكون قبل مليارات السنين».
وحول مساهمات حلو العلمية، قال رئيس «كالتيك» جان لو تشامو في حفل تكريم الفلكي اللبناني من قبل الرئاسة اللبنانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011: «لقد ساهم جورج حلو، كعالم وكقائد، في كل مشروع فلكي حول استشكاف الفضاء بالمراصد ذات تقنية الأشعة تحت الحمراء». وأضاف «إن فهمنا للمجرات وكيفية خلقها للنجوم، كان بسبب البحوث التي قامت الأقسام البحثية التي يشرف عليها حلو، في «كالتيك» وفي «ناسا».
أهمية الاكتشاف
ولرب قائل يقول: على الرغم من أن هذه الاستكشافات قد أكدت إمكانية وجود مئات الكواكب الشبيهة بالأرض والصالحة للعيش، فما الذي يعنيه ذلك لعالم لا يملك القدرات المالية والتكنولوجية للوصول إليها؟
لكن حلو من جانبه يرى أن المهم فيها أنها «توفر فهماً أفضل للكون الذي نعيش فيه وطريقة عمله».
وعلى الرغم من أن الهبوط على سطح أحد كواكب مجموعة «ترابيست–1» يحتاج إلى آلاف السنين للوصول إليه، إلا أن الفلكي اللبناني يؤكد أننا «سنكون أفضل كثيراً بحلول ذلك الوقت». مضيفاً «سوف نتعلم أشياء كثيرة عنها.. ولكن ليس في هذه الأيام».
وعلى سبيل المقارنة، وصف حلو شخصاً يسير على ضفة نهر وفي مرمى نظره يظهر جبل بعيد، وعند وصول الشخص إلى الجبل سيكون لديه فهم أفضل لمياه النهر المتسربة من الثلج الذائب على ذلك الجبل. ولكن «مع ذلك فإن العلاقة بالبيئة بالمعنى الأوسع أمر حاسم وتستغرق وقتاً أطول لإنشائها».
وكمثال علمي على ذلك، «إن أشعة غاما الصادرة عن انفجار نجم بعيد قوية لدرجة أنها عندما تصل إلى الأرض، فإنها تؤثر على الغلاف الجوي وتؤثر على الاتصالات وطبقة الأوزون وغيرها من العناصر بطريقة قوية جداً.. إن فهم الكون سيكون عاجلاً أم آجلاً أكثر من مجرد فضول علمي، ويوماً ما فإن هذا الفهم سيكون ضرورياً وحاسماً لبقائنا».
هل يؤمن حلو بوجود حياة على كواكب أخرى؟ يجيب العالم اللبناني الأميركي بالقول: إن قابلية ذلك قد أصبحت متحققة والاحتمالات بوجود حياة أخرى (خارج مجموعتنا الشمسية) كبيرة جداً.
Leave a Reply