تثير المشاهد التي نقلتها شاشات التلفزة العربية والعالمية لتظاهرات مسلحة علنية لعناصر من القاعدة في بعض المحافظات اليمنية تساؤلات خطيرة عن الوجهة التي تسكلها الأوضاع اليمنية، في ظل الحرب المتواصلة في الشمال بين الجماعات الحوثية المتمردة وقوات نظام الرئيس علي عبدالله صالح، ودخول المملكة العربية السعودية في هذه الحرب التي تبدو بلا افق أو نهاية حتى الآن.
فإذا ما اتجهنا جنوبا وألقينا نظرة سريعة على حال “الحراك” الذي يدعو الى تفكيك دولة الوحدة والعودة بالشطر الجنوبي الى كيان ما قبل العام 19٩٠، وعلى ضوء اعلان الحكومة “المركزية” في صنعاء حال الطوارئ في ثلاث محافظات في الجنوب، ندرك أن تجربة الوحدة اليمنية تشرف على السقوط وأن الجماعات والشرائح القبلية والحزبية تحث الخطى سريعا نحو “صوملة” اليمن، وسط ارتباك عربي ولامبالاة دولية بما يجري في هذا البلد العربي الذي ارتفعت في الأشهر الأخيرة تحذيرات عديدة من تحوله الى “جنة آمنة” لفلول تنظيم “القاعدة” الذي يحاول اعادة تنظيم صفوفه تحت اسم “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”.
وبصرف النظر عن احتمال ان يكون نظام صنعاء الذي يشعر بالضعف وتتراخى قبضته يوما بعد يوم على العديد من المحافظات اليمنية، قد “شجع” ظهور “القاعدة”، على غرار ما أقدم عليه قبل سنوات لـ”إرهاب” الحوثيين ودفعهم الى اعادة حساباتهم في علاقتهم بالسلطة “المركزية”، ثم عودته الى مكافحة وجود هذا التنظيم بعد أحداث 11 أيلول 2001 من باب انخراطه في الحرب الأميركية على الإرهاب، ..بصرف النظر عن هذا الاحتمال وعن مدى دقته فان اللعبة الاقليمية والدولية التي نشهد مجرياتها على أرض اليمن هذه الآونة تسرع في انهيار آخر مؤسسات الدولة اليمنية. وتحول المحافظات الى “جمهوريات” على الطريقة الصومالية، لكل منها “أمير” يفتي في شؤون الناس ويفرض عليهم نمط الحياة التي يراه أقرب الى نموذج “السلف الصالح”.
وليس بعيدا عن اليمن، لا تبشر الاوضاع في العراق بخير قريب، بل إن سلسلة التفجيرات التي واكبت اقرار البرلمان العراقي لقانون الانتخاب الجديد والتي حصدت مئات العراقيين تنذر بحرب أهلية طاحنة هذه المرة مع تراجع الوجود الأميركي الميداني يوما بعد يوم، وصولا الى انهاء الوجود العسكري بعد نحو عام من الآن تنفيذا لالتزام الرئيس باراك أوباما.
ومثلما ترك اليمنيون لمصائرهم ومعاركهم العبثية، يبدو أن العراقيين سائرون الى مصير مشابه تلوح مخاطره في الأفق القريب ولا يحتاج الى صرخة وزير الخارجية المنتمي الى النزعة الانفصالية الكردية هوشيار زيباري، الداعية الى “وجود مصري أقوى” في بلاد الرافدين، “لاحداث التوازن المطلوب”.
وقد لا يكون مبالغة اعتبار “نداء زيباري” دعوة عاجلة لحرب أهلية عربية-عربية وعربية-ايرانية، بعد أن أدركت القوى الحاكمة في عراق ما بعد صدام حسين أن الإدارة الأميركية عازمة على الخروج من المستنقع العراقي في اقرب وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة.
وما يثير الخشية هو أن تكون نهاية الوجود العسكري الاميركي المباشر في المنطقة العربية ايذانا ببدء سلسلة من الحروب الاهلية ذات الطابع المذهبي والقبلي والطائفي، من غير أن يعني هذا الأمر تسويغا أو دعوة لاستمرار ذلك الوجود.
لكن الأنظمة العربية القائمة بمجتمعاتها المحكومة بالقبضات الأمنية لم تستطع استيلاد مشاريع وطنية تقوم على انقاض الاحتلال والسيطرة الاجنبية، وأفضل ما يمكن أن تنجبه تلك الأنظمة لأجل محاولة استمرار بقائها في السلطة هو “رعاية” حروب اهلية داخلية وعابرة للحدود. أو “إدارتها” ريثما يتسنى للمجتمعات العربية افراز قوى تغيير حقيقية، وهذه مسألة سوف تستغرق وقتا ليس بالقصير.
اما في لبنان، فلا يملك المراقب سوى الامل بأن تفلح المصالحات والتسويات التي جرى ارساؤها بفعل التوازنات الدقيقة للقوى الضالعة في تحديد مسار ومصير التطورات في هذا البلد المبتلى بالصراعات الأهلية منذ نشأته، في ابعاد المخاطر المحدقة بالمنطقة عن ساحته التي ظلت تمارس دور “الاسفنجة” الموكلة بامتصاص الصراعات كلما فاضت عن قدرة اقطابها على الاستيعاب.
ولعل الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة سعد الحريري الى دمشق ولقاءه “التاريخي” مع الرئيس السوري بشار الأسد تنجح في تبريد الكثير من الرؤوس الحامية وتعيد البلدين الجارين الشقيقين الى سكة علاقة عقلانية فيها الكثير من المصالح، لكن القليل من الاوهام.
واما فلسطين، فقد لا يدرك “مناضلوها” في غزة ورام الله حجم الكارثة التي تتهدد مصير القضية برمتها قبل أن تحيلها “القضايا” العربية المستجدة الى ذمة التاريخ!
صورة غير وردية للمشهد البانورامي العربي؟
بالتأكيد!
ومن يملك صورة مغايرة ومقنعة، يستحق جائزة تكريم من أقرب قمة عربية إذا تسنى لها الانعقاد!
Leave a Reply