عام مرّ على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، وهو عاد إلى قصر بعبدا الذي أُخرج منه قبل 27 سنة، بعملية عسكرية نفّذها الجيش السوري بمشاركة وحدات من الجيش اللبناني الذي كان قائده العماد إميل لحود، يعيد دمجه، بعد سنوات من الشرذمة والانقسام السياسي والطائفي والمذهبي.
طموح عون الرئاسي
ترك العماد عون القصر الجمهوري قسراً، لأنه متمرّد على الشرعية الدستورية التي أنتجها اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية وأعاد العمل إلى المؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية هو الرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل بعد حوالي الشهر ليخلفه الرئيس الياس الهراوي.
فخلال ثلاثة عقود تقريباً، والعماد عون يتطلع إلى رئاسة الجمهورية التي هي طموح كل قائد جيش، وقد تولاها ثلاثة من قادته قبله، وبدأت مع اللواء فؤاد شهاب في العام 1958، لتعود بعد أربعين عاماً إلى العماد إميل لحود الذي أُنتخب في العام 1998، ليخلفه العماد ميشال سليمان في العام 2008، وتصل إلى العماد عون في 31 تشرين الأول 2016، وكان متوقعاً أن ينتخب بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل في العام 1988، لكن ظروفاً دولية وإقليمية حالت دونه والرئاسة الأولى، ومنها الاتفاق الأميركي–السوري بين الرئيس حافظ الأسد والموفد الأميركي ريتشارد مورفي، على انتخاب النائب مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية، فتمّ تعطيل جلسات مجلس النواب باتفاق بين عون قائداً للجيش وسمير جعجع قائداً «للقوات اللبنانية».
الانتخاب المؤجل
وتأجّل انتخاب العماد عون الذي غادر لبنان إلى فرنسا منفياً سياسياً، لأنه وقف ضد اتفاق الطائف الذي هو تسوية لبنانية داخلية استندت إلى قرار دولي–إقليمي بإنهاء الحرب في لبنان، الذي لم يعد ساحة لصراع دولي، مع سقوط الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية، وانتهاء الحرب العراقية–الإيرانية التي دفع بفائض القوة العسكرية عند الرئيس العراقي صدام حسين، بأن يغزو الكويت، وبات العراق هو الهدف الأميركي للحرب عليه، فأُخرجت القوات العراقية من الكويت من قبل تحالف دولي شاركت فيه سوريا التي كُلّفت بإزالة تمرّد عون في لبنان، والذي كان أقام تحالفاً مع النظام العراقي مدّه بالسلاح أثناءها سماها «حرب التحرير» ضد الجيش السوري.
فالظروف الدولية–الإقليمية التي منعت عون من الوصول إلى رئاسة الجمهورية تغيّرت لصالح المحور الذي انتمى إليه بعد عودته من الخارج عام 2005، فوقّع «ورقة تفاهم» مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في 6 شباط 2006، وخُضعت لتجربة بعد أشهر، إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان واستهداف مقاومته وجيشه وشعبه في 12 تموز 2006، والذي استمر 33 يوماً، فوقف العماد عون مع «التيار الوطني الحر»، إلى جانب المقاومة، فكان الامتحان أو الاختبار الذي نجح فيه، ففُتحت له الطريق إلى قصر بعبدا الذي لم يعد من وقت لتنتهي ولاية لحود، فقرّر «حزب الله»، أن موقع رئاسة الجمهورية لا يشغله إلا شخص من وزن رئيس وطني مقاوم هو العماد لحود، إلا أن ظروفاً لبنانية داخلية وأخرى دولية وإقليمية أرجأت انتخاب العماد عون لصالح قائد الجيش الأسبق العماد ميشال سليمان الذي أعلن حينها تأييده للمقاومة، ولم يقطع علاقاته بالقيادة السورية، فكان قرار دولي–إقليمي، ساهمت فيه كل من قطر ومصر وفرنسا وإيران بالتنسيق مع سوريا والسعودية، على انتخاب سليمان، لملء الفراغ في رئاسة الجمهورية التي كانت شُغرت مع نهاية ولاية الرئيس لحود.
عون رئيساً للجمهورية
مع كل هذه السنوات من الانتظار والحروب والنفي، أُنتخب العماد عون رئيساً للجمهورية بعد أن تمكّن من إنشاء «كتلة نيابية» وازنة تضم 27 نائباً، ففرض نفسه مرشحاً قوياً ويمثل الأكثرية المسيحية التي منها يجب أن يكون رئيس الجمهورية، كما هو واقع الحال مع رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، إلا أن قوى «14 آذار» مانعت بانتخاب مرشح «8 آذار» عموماً و«حزب الله» خصوصاً لرئاسة الجمهورية، فقدم جعجع نفسه مرشحاً، لكنه لم يتمكن من تسويق نفسه، وجاءت التطورات السياسية والعسكرية في سوريا، وفشل ما سمي «ربيع عربي»، وبدأ انتصار محور المقاومة ليفرض انتخاب مرشح المقاومة في لبنان، فكان اسمان لا ثالث لهما، مطروحين، هما العماد عون والنائب سليمان فرنجية الذي رشّحه الرئيس سعد الحريري ونال تأييد الرئيس برّي والنائب جنبلاط، لكن الأخلاق السياسية عند «حزب الله» تقدّمت، وأصرّت على عون الذي أسماه السيد نصرالله، فانتخب، وكما كل رئيس جمهورية، وبعد أداء قسم اليمين ألقى العماد عون خطاباً، وعد اللبنانيين بتنفيذه، لاسيما في موضوع قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات المؤجلة، بعد فرض التمديد لمجلس النواب، إلى تحقيق إصلاحات في مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد وتطبيق الدستور والقوانين.
عهد الإصلاح والتغيير
لم يكن خطاب القسم مختلفاً عن خطابات لرؤساء جمهورية سابقين، إلا أن العبرة في التنفيذ، حيث وعد العماد عون بتقديم «جردة حساب» سنوية، وإلقاء خطاب قسم جديد، ليلتزم بتحقيق شعاره «الإصلاح والتغيير»، وهو في هذا المعنى يقول إن عهده يبدأ مع إجراء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة تنبثق من إرادة شعبية حقيقية يعكسها قانون انتخاب يحقق التمثيل الصحيح.
فهذه الحكومة التي يرأسها الحريري، الذي أبرم تسوية مع الرئيس عون، حققت إنجازات كان وراءها رئيس الجمهورية الذي يُسجّل له أنه منسجم مع رئيس الحكومة الذي يتّهمه فريقه السياسي بأنه يقدّم التنازلات، لكن التوافق السياسي سهّل حصول إنجازات.
الإنجازات
فمن الإنجازات التي تحققت في أول عام من عهد الرئيس عون، كانت التعيينات في المراكز العسكرية والأمنية، بعد التمديد الذي أصابها أيضاً، فتمّ تعيين العماد جوزف عون قائداً للجيش واللواء عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي واللواء طوني صليبا مديراً عاماً لأمن الدولة، وأبقي اللواء عباس ابراهيم على رأس المديرية العامة للأمن العام حيث سجّلت هذه المؤسسات أعمالاً عسكرية وأمنية بمواجهة الإرهاب، فكان تحرير جرود السلسلة الشرقية من جبال لبنان من تنظيمي «داعش» و«النصرة» الإرهابيين انتصارين للبنان لم تحققه دول أخرى في اكتشاف الشبكات الإرهابية وأخرى إسرائيلية، حيث يمكن وصف عام العهد الحالي بأنه حرّر لبنان من الإرهاب، والذي كان للعماد عون الدور الأساس في أن يكون الجيش مع المقاومة بهذه المعركة التي أزعجت الأميركيين والإسرائيليين، كيف يحصل التنسيق بينهما، فاتّهم مسؤولون أميركيون رئيس الجمهورية بأنه «عميل لحزب الله»، في وقت هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأن الحرب المقبلة ستكون على الدولة اللبنانية.
الاقتصاد أولاً
والتعيينات شملت أيضاً السلكين الدبلوماسي والقضائي، كما بعض المراكز الإدارية، وإن شابتها المحاصصة، وفق وصف سياسيين لها، وهذه ثغرة في العهد الحالي، إلا أن رئيس الجمهورية وعد بإصلاح القضاء والإدارة بعد أن أقرّت سلسلة الرتب والرواتب، فأكّد على أن الهيئات الرقابية ستأخذ دورها ولا غطاء سياسي لأي مخالف، لأن الهدر في الموازنة هو من الفساد والصفقات، حيث يقدّر المبلغ السنوي بنحو 5 مليار دولار سنوياً، هو قيمة فائدة الدين العام إضافة إلى خمسة أخرى تهدر بأساليب أخرى، حيث تمّ تأجيل قطع الحساب لموازنات الأعوام الماضية لمدة عام، حتى تمر الموازنة لهذا العام وينتظم الإنفاق.
فالوفاق السياسي الذي أنتج قانون انتخاب وطرد الإرهابيين وتحقيق الأمن وإعطاء سلسلة الرتب والرواتب وإقرار الموازنة، كلّها إنجازات، لكن يبقى الاقتصاد هو شاغل الرئيس عون، وهو سيركّز عليه في العام الثاني من عهده اضافة إلى قضية النازحين السوريين الذين باتوا عبئا على لبنان الذي اجتمع رئيسه مع سفراء الدول الكبرى حملهم رسالة إلى دولهم للمساعدة في عودتهم الآمنة إلى بلادهم.
Leave a Reply