فاطمة الزين هاشم
انقضاء سنة ليس يعني ورقة تقويم طُويت وانتهت، بل مُضيّ عام كامل من عمرنا يضمّ بين طياته مواقفَ مرّت علينا ولمسناها لمسَ اليد وعايشناها وجهاً لوجه كما يحتضن ذكرياتٍ محفورة في الذاكرة مهما تباينت في درجات الحزن أو الفرح، وعلى هذا السياق تمرّ أيام العمر وتمضي.
كانت السنة الماضية 2021 واحدة من أسوأ السنوات في ذاكرتي، لما فقدنا خلالها من أحبّة ومُقرّبين سواء بسبب جائحة كورونا الملعونة أو بسبب حوادث السيارات أو المخدرات التي خطفت شباباً في ريعان العمر. لكنّ هاجس التشبّث بالحياة يظلّ متعلقاً بالإنسان، يحدوه الأمل بحلول السنة الجديدة في أن تنجلي الغمامة عن الأجواء المحيطة بقلوب أنهكها الحزن وأرهقها التعب وأضنت شريحة الفقراء، وليس أدلّ على ذلك من أنّ الناس يحتفلون بقدوم السنة الجديدة، بنشر الزينة في الشوارع وعلى واجهات البيوت ولألأة الأضواء الملوّنة طوال الليل.
أمّا في لبناننا الحبيب، فالعيد لابدّ وأن يكتنفه الحزن، إذ أصبح الناس لا يمتلكون ثمن وسائل الزينة كالمعتاد، وأصبحوا يتحسرون على الأيام الخوالي ذات اليسار منذ زمن الرومان، حيث كانت توزّع القطع المعدنية النقدية الجديدة على الأطفال صباح كلّ عيد رأس السنة عوضاً عن القديمة، وذلك استبشاراً في أن تكون السنة الجديدة سنة خير وعطاء ورفاه، وكم نشعر بالمرارة هذه الأيام إذ لم تعد هناك قطع نقدية جديدة ولا قديمة حتّى! بيد الأطفال، بل وصل بهم الأمر إلى أنّهم يحلمون بكوب حليب، أمّا المرضى فبعلبة دواء، وذلك بفضل لصوص الدولة وناهبي قوت الشعب الذي أصبح معظم أفراده يرزح تحت خطّ الفقر.
وتحضرني هنا تقاليد زمان، لشعبنا اللبناني، من أبرزها إلقاء الزجاج من النوافذ ليلة رأس السنة الجديدة، اعتقاداً منهم بأنّ في هذا التقليد يكسرون شرور العام المنصرم، وليت هذا التقليد يمارسونه اليوم ليقع الزجاج المكسور على رؤوس من سرقوا البلد واستحوذوا على خيراته، علّ ضمائرهم تستيقظ من سباتها ويفتحوا عقولهم التي أغلقها المال الحرام.
ورغم كلّ هذه المآسي والأحزان فإننا وفقاً لقانون البقاء للأصلح، نحاول أن نتناسى أوجاعنا، حيث الأيام تمضي تباعاً من أعمارنا مسرعة في جريها، فما الحياة سوى رحلة نعبرها بسفينة الأمل، وحقاً قال الشاعر عبد العزيز الديريني:
مشيناها خُطىً كُتبت علينا
ومَن كُتبت عليه خُطىً مشاها
ونحن نعبر في خضمّ المسير، قد نضحك وقد نحزن، قد نلتقي بأحباب لنا لم نرهم منذ زمن طويل، وقد نودّع أحبّاءَ آخرين، فقد خُلقنا لفترة محدودة من الزمن وسنرحل شئنا أم أبينا، لكنّ العبرة لابدّ وأن تبقى تلازمنا في أن نحافظ على من نحبّ بمواقف الوفاء وبالكلمة الطيبة علّها تبلسم جراح قلوبنا وتمنحها دفقا من السعادة.
ربّنا غيّر أقدارنا نحو الأفضل، إنّك مُغيّر الأقدار، ربّنا وأبدل أحزاننا بالسعادات واجعلها سنة فرح وسرور وخير على البشرية جمعاء. وكلّ عام وأنتم بأفضل حال.
Leave a Reply