علي حرب
مهاجر لا يملك إلا الحلم والأمل يصل إلى الولايات المتحدة، فـيفتح مشروعاً تجارياً صغيراً، وينغمس ويشارك فـي مجتمع مدينته الصغيرة ثم يُنتَخب عضواً فـي مجلس بلديتها. ويتدرج بنجاح لمنصب رئاسة البلدية فـيها، وبعد ١٣عاماً ينتقل لتبوؤ منصب مفوض فـي مقاطعة «وين» التي تضم ثلاثين بلدة ومدينة من بينها مدينته وديترويت، كبرى مدن ميشيغن التي يبلغ تعداد سكانها مليونيان .
إنهَّ رئيس البلدية عبد هيدوس الذي يردد دائماً أنَّ قصته هي شهادة على ديمومة الحلم الأميركي وتجسيد له.
ويقول مشيراً إلى مسيرته المهنية «فقط فـي أميركا يمكن أن يحدث مثل هذا»، ويضيف «نحن جميعاً كمواطنين نخضع لحماية الدستور ذاته. وليس فـي ذهني أدنى شك بأن نظام الأمة الأميركية هو أعظم نظام على وجه الأرض».
هيدوس البالغ ٧١ عاماً من العمر، غادر لبنان إلى السنغال فـي عام ١٩٥٩، وبعد عقد من الزمن هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية واستقر فـي ولاية ميشيغن، حيث افتتح محل بقالة صغير فـي مدينة «وين» الوديعة الواقعة فـي منطقة جنوب شرق الولاية.
وكمالك لعمل تجاري صغير، بدأ بالمشاركة فـي الحياة العامة للمدينة حيث تم تكريمه من قبل غرفة التجارة فـي «وين»، ومن ثم تعيينه فـي لجنة تنشيط وسط المدينة. وفـي عام ١٩٩٣ اقترح عليه بعض الأصدقاء بأنْ يترشح لمجلس البلدية. وحول تلك الحقبة يقول هيدوس بانه بعد ان طرحت عليه هذه الفكرة، لم يستطع التوقف عن التفكير فـيها. وأشا رفـي مقابلة مع «صدى الوطن» إلى أنَّ «السياسة والعمل فـي الخدمة العامة هي مثل فـيروس، بمجرد أن تسكن رأسك من الصعب أن تخرجها منه» . وأضاف انه قبل ان يقرر خوض غمار السياسة طلب موافقة زوجته ومباركتها، لأنها ستضطر فـي تلك الحالة إلى تحمل معظم العبء فـي ادارة العمل التجاري للعائلة بينما ينشغل هو بشؤون البلدية والخدمة العامة.
بلسم، التي تُعرف أيضاً بإسم ماري فـي مدينة «وين»، لم تكن أنانية ابداً، بل تفهمت طموح ورغبات شريك حياتها، فأعطته الضوء الأخضر والمباركة المنشودة، فانطلق هيدوس فـي رحلته السياسية.
فـي عام ٢٠٠١، أصبح «العبد» هيدوس، كما يحلو لأبناء بلدته الأصلية فـي بنت جبيل مناداته، أول رئيس بلدية منتخب مباشرة من قبل مواطني البلدة التي يقطنها ١٧٠٠٠ نسمة. وفـي الأسبوع المقبل سيعلن رئيس البلدية المحبوب شعبياً بتنحيه عن منصبه استعداداً لأخذ مقعده كمفوض فـي «هيئة المفوضين» بـمقاطعة «وين». وتم انتخابه الى عضوية المفوضية، التي هي الهيئة التشريعية للمقاطعة، فـي الانتخابات التمهيدية التي جرت فـي أغسطس (اب) الماضي وفاز بالتزكية من دون منافس فـي الانتخابات العامة الاخيرة فـي نوفمبر الجاري.
وحول ذلك يقول هيدوس انه قرر الترشح لعضوية مفوضية المقاطعة من أجل تقديم خدماته على نطاقٍ أوسع، وفتح الطريق لضخ دماء جديدة فـي عروق مدينة «وين» من اجل الإستمرارفـي تطويرها، ويؤكد«لقد شاركتُ فـي الحكومة المحلية لمدة ٢١ عاماً، وهذه الحقبة لا تتضمن أوقات التطوع التي قمت بها فـي عمل اللجان لمدة ثماني سنوات قبل ذلك. فلقد انتقلت الى المدينة منذ ٤١ عاماً، وأنا أحب سكان مدينتي . وعند هذا الفاصل (من مسيرة العمر) أردت أن افتح المجال امام قيادة جديدة للمدينة، وهذه القيادة الجديدة سوف تحصل دائماً على دعمي للحفاظ على تطوير المدينة ودفعها فـي الاتجاه الصحيح للتقدم والازدهار، ومن موقعي الجديد فـي المفوضية سأعمل على مساعدة كل السكان فـي المقاطعة ومنهم طبعاً سكان مدينتي ولكن على نطاق أوسع».
وعن أولوياته ذكر هيدوس انها «تتضمن تعديل الميزانية فـي المقاطعة حيث تواجه خمول اقتصادي ينعكس سلباً على التوظيف والتطوير وتحسين الخدمات، واصلاح الطرق، ومعالجة ازمة المياه والصرف الصحي، وفرض الأمن وحماية السكان ومصالحهم»، وأوضح «اذا لم يكن لديك ميزانية متعافـية ومتوازنة، فسوف يكون امراً مستحيلاً بان تقدم كل هذه الخدمات الحيوية لسكان المقاطعة».
وأكد أنه سيقترح الحلول التي تعمل لمصلحة ناخبيه، مستطرداً«سأكون صوتاً واحداً من بين أصوات ١٥ مفوضاً وسوف يكون صوتي دائماً على أساس ما هو جيد للشعب الذي أخدمه وسوف أستخدم نفس الصيغة التي أستعملتها عندما كنت رئيساً للبلدية… فلا مساومة على استقامة العمل مهما كانت الاغراءات ومهما كان الثمن. ان عمل المسؤول المنتخب وطريقة تفكيره والتزاماته هي حق للشعب عليه، وليس لخدمة مجموعات منتفعة ومصالح معينة أو لخدمة ذاتية أو أي شخص بعينه. هذه هي مهمتي ».
قبل انتخاب هيدوس لرئاسة البلدية درجت العادة على انتخاب الرئيس من قبل أعضاء المجلس البلدي. لكن فوز مقترح انتخابي أدى إلى تعديل ميثاق البلدة والسماح لسكانها بانتخاب رئيس البلدية مباشرة فـي عام ٢٠٠١.
وتطرق هيدوس من موقعه الحالي كرئيس لبلدية «وين» على تأثير الركود الاقتصادي على مدينته. وقال «فـي حين أنَّ النظام المالي فـي العالم تلقى ضربة قاسية فـي عام ٢٠٠٨ إلا ان« وين» كانت أكثر المتضررين خصوصاً بسبب اعتمادها على قطاع التصنيع.
وأردف «لقد هبطت قيمة العقارات بنسبة ٤٣،٦ فـي المئة فـي مدينة «وين» وبهذا تراجعت ميزانيتنا من ٢٣ مليون دولار إلى ١٤،٧ مليون دولار. وكان رئيس البلدية ومدير البلدية والمجلس البلدي متحدين لحماية الخدمات الحيوية فنحن بحاجة للحفاظ على مدينة نظيفة وآمنة، ولا يمكن تعريض السلامة العامة للخطر».
وأضاف على الرغم من أنَّ نحو ٥٠ فـي المئة من الوظائف كاملة الدوام فـي المدينة قد تم إلغاؤها، إلا أنَّ المجلس تمكن من حماية الخدمات الأساسية وتحقيق التوازن فـي الميزانية. واليوم حسب هيدوس فإن مدينة «وين» هي خالية من الديون.
وتابع «أنا أرى نفسي أميركياً وأنا فخور بأصلي وثقافتي وتاريخي. أنا فخور بمن أنا. ويجب علينا ألا ننسى أبدا من أين أتينا. ولكن فـي الوقت نفسه، علينا أن نتذكر ما نحن فـيه الآن، ونتذكر مسؤولياتنا تجاه الناس من حولنا».
وكان هيدوس قد انتخب فـي تشرين الثاني (نوفمبر) عام ٢٠٠١ بعد أشهر قليلة من هجمات أيلول الإرهابية، وحول هذا قال إنَّ أصوله العربية «لم تؤثر على مفهوم الناخبين حول كفاءته». وكشف أنه كان سيحجب أنشطة حملته الانتخابية بسبب ضحايا المأساة.
وتابع قائلاً «لكن صديقاً قال لي أنت لا تحتاج إلى حملة انتخابية. لقد سكنتَ فـي هذه البلدة لأكثر من ٣٠ عاماً، والناس يعرفون من أنت، وهم ذاهبون للتصويت على أساس ما يعرفونه عنك، وليس بناءً على ما حدث فـي أي مكان آخر فـي العالم. أنت مسؤول عن عملك وتاريخك وسجلك، والذي يحدث فـي أماكن أخرى لا يضيف إلى الخير أو السوء’». لقد منحتني كلماته فعلاً شعوراً بالراحة.
وأخيراً نصيحة من هيدوس هي عصارة تجربة مديدة «مفتاح النجاح هو أن تبقى طالب علم إلى الأبد، واعتراف بما تجهله الآن، من أجل أنَّ تتعلمه وتستفـيد منه فـي المستقبل».
Leave a Reply