غزة – بعد أيام من انتهاء السباق الرئاسي الأميركي الى البيت الأبيض وقبيل بدء الإنتخابات الاسرائيلية، شعرت حكومة بنيامين نتنياهو أن الفرصة مؤاتية للعودة بإسرائيل الى مسرح أحداث المنطقة كلاعب فعال بعد أن لزمت خلال العامين الماضيين «اللعب في الكواليس» وانتظار ما سيحمله «الربيع العربي» الى المنطقة. ولكن العودة الإسرائيلية الدموية من باب قطاع غزة، سرعان ما تحولت الى ورطة لنتنياهو بعد أن أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على الرد الموجع على اغتيال أحد أبرز قادتها العسكريين لتطال صواريخها عاصمة الكيان الإسرائيلي، تل أبيب التي بدأت تحشد قواتها العسكرية على تخوم القطاع تحضيراً لاجتياحه في ظل صمت دولي.
شاب فلسطيني يتفقد الدمار في محيط مبان حكومية في غزة. (رويترز) |
فهل يتكرر مشهد «حرب تموز» في غزة فيعيد خلط الاوراق ويؤسس إلى تسويات، خاصة وأن نتائج «الربيع العربي» المفترض باتت ترخي بظلالها الثقيلة على الإدارة الاميركية وتل أبيب، خصوصا بعد أن انتقلت النيران من الداخل السوري إلى قلب اسرائيل، وباتت تهدد باشعال المنطقة بأسرها.
فـ«الربيع العربي» لا يبدو أنه يسير وفق الإرادة الاميركية والغربية، حيث طغت السلبيات المحققة على الايجابيات المفترضة لاسيما بعد تمكن النظام السوري من احتواء ومحاصرة محاولات إسقاطه المستمرة منذ حوالي ٢٠ شهراً، فضلا عن انزعاج اسرائيلي واضح مما تعتبره تل أبيب تساهلا أميركيا مع إيران وملفها النووي، وامتد مع تطور الحالة الإخوانية في مصر من دون التركيز الاميركي على ضرورة إعادة ترتيب الأولويات لاسيما مع خروج الإسلاميين عن السيطرة في الأردن والكويت، واندفاع واشنطن للانغماس في النار السورية من دون العمل على تأمين شبكة أمان لإسرائيل.
لهذه الأسباب وسواها بحسب اعتقاده، لجأت حكومة نتنياهو إلى تفجير الأوضاع في غزة وتوتيرها على الحدود مع سوريا في رسالة واضحة تحمل عنوانا واحدا ووحيدا وهو أنّ اسرائيل ستبقى اللاعب الاول في المنطقة الذي لا يمكن الاستغناء عن دوره، لا في حالات الحرب ولا في السلم، وبالتالي فانها على استعداد كامل للذهاب حتى النهاية في حال اعتبرت انها اصبحت في خطر وجودي او سياسي او حتى عسكري وأمني.
وفي هذا السياق، يمكن القول أن الحكومة الاسرائيلية قد وقعت مرة أخرى في الاخطاء الحسابية في ظل حقيقة لا بد من التوقف عندها وهي أنّ معبر رفح مفتوح على اشكال الامدادات كافة منذ ان سيطر «الاخوان» على الشارع المصري، وبالتالي فان استخدام حركة «حماس» لانواع جديدة ومتطورة من الصواريخ يؤشر إلى تحضيرات سورية وايرانية مصحوبة بغض نظر مصري واخواني، وذلك في اطار الاحتمالات المفتوحة على المفاجآت كافة، خصوصا أنّ سوريا لن تعارض احتدام المواجهات في غزة لاعتبارها أنّ مثل هذا التطور من شأنه أن يصرف الأنظار عن كل ما يحصل فيها، ويؤسس إلى حاجة ماسة لدى الفرقاء كافة للبحث عن تسوية ولو مؤقتة تسمح بالتقاط الأنفاس في ظل المأزق الاقليمي والدولي الناشئ بعد أن نجحت موسكو في استعادة دورها المحوري والدخول إلى الشرق الأوسط من أوسع أبوابه، البوابة السورية.
فهل تفرض بعض الخطوة الإسرائيلية السريعة غير محسوبة النتائج على غرار تلك التي طبعت أحداث «حرب تموز» اللبنانية-الاسرائيلية والتي انتهت برد العدوان وإرساء معادلات رادعة على الحدود الشمالية.
العدوان على غزة
وفي استرجاع لشريط أحداث الأسبوع الماضي، فقد شنت إسرائيل الحرب على قطاع غزة بطريقة الصدمة والترويع، فما أن أفلحت في استهداف الشهيد أحمد الجعبري في مدينة غزة حتى سارعت إلى شن جملة غارات جوية متواصلة على العديد من المنشآت والقواعد التابعة لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في مناطق مختلفة من القطاع جنوباً وشمالاً.
وأوحت الضربات الأولية بأن إسرائيل تصفي من جهة حساباً قديماً مع من سبق وأذاقوها مهانة أسر الجندي جلعاد شاليت والاحتفاظ به لأعوام. ومن جهة ثانية، خالفت الضربة الاعتقاد الذي ساد في اليومين الأخيرين بتردد إسرائيل إزاء غزة والشرك الذي يمكن أن تقع فيه.
العدوان الجديد على غزة، الذي أدى إلى استشهاد وجرح عشرات الفلسطينيين في أيامه الثلاثة الأولى، أطلقته إسرائيل من خلال غارة استهدفت القيادي البارز في كتائب الشهيد عز الدين القسام أحمد الجعبري، الذي استشهد، واستتبعتها بقصف مدفعي وجوي متواصل لأهداف متفرقة في القطاع. وأتى اغتيال الشهيد الجعبري غداة تقارير نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن استئناف الاغتيالات ضد قيادات المقاومة الفلسطينية في غزة. والجعبري هو أعلى مسؤول في حركة «حماس» يتم اغتياله منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009.
يذكر أن الجعبري مدرج على قائمة المطلوبين الإسرائيلية، إذ تقول إسرائيل إنه مسؤول عن عمليات عسكرية عدّة، ومن بينها عملية أسر الجندي جلعاد شاليت في العام 2006، وهو تولى بعد خمس سنوات تنسيق عملية الإفراج عنه في إطار صفقة ضخمة لتبادل الأسرى.
ومع أول ردود فعل صاروخية فلسطينية امتلأت الأجواء بالطائرات الحربية والبحر بالسفن والزوارق الحربية التي بدأت بقصف مكثف للعديد من المواقع في استعراض واضح للقوة. فالمقصود هو إحداث حالة من الترهيب تعيد لإسرائيل قدرة الردع التي خسرتها في الشهور الماضية. وهذا هو الهدف المعلن في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك.
وقال المتحدث الإسرائيلي إن الضربات الجوية الأولى دمرت حوالي عشرين موقعاً تحت أرضي لإطلاق صواريخ متوسطة المدى لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». والحديث يدور عن صواريخ من طراز «فجر» الإيرانية التي يبلغ مداها 75 كيلومتراً القادرة من غزة على ضرب محيط تل أبيب. غير أن المتحدث أقر بأنه ليس معروفاً حتى الآن مدى تضرر مثل هذه القدرة لدى الفلسطينيين.
وتبنت «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» قصف تل أبيب بصاروخ «فجر 5»، وأضافت في بيان أنها وسعت نطاق المعركة لتصل إلى تل أبيب وأن «القادم أعظم».
المقاومة تقبل التحدي:
صواريخ «الجهاد» تطال تل أبيب
وتعهدت المقاومة الفلسطينية بالرد على العدوان، إذ اعتبرت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»، في بيان، أن «الاحتلال فتح على نفسه أبواب جهنم»، فيما حذرت حركة «الجهاد» من أن «إسرائيل أعلنت الحرب على غزة وستتحمل مسؤولية هذا التصعيد وتداعياته». وأعلنت حركة «حماس» حالة الطوارئ في غزة، حيث أخلت كافة المقرات الأمنية. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية في الحكومة المقالة إسلام شهوان «نحن نعمل تحت النار لحماية شعبنا ودعم المقاومة»، مضيفاً «لدينا خطة طوارئ كاملة نعمل على تطبيقها حالياً».
وأفادت تقارير إعلامية بأن المقاومة الفلسطينية استهدفت مدن بئر السبع وعسقلان وأسدود، فيما تم إطلاق صاروخين محليي الصنع باتجاه تل أبيب.
من ناحية ثانية، أعلنت كتائب عز الدين القسام أنها أسقطت طائرة استطلاع إسرائيلية عندما كانت تحلق في سماء غزة، وبثت صورا للطائرة بعد سقوطها.
كما أعلنت كتائب القسام عن إطلاق صاروخ أرض جو تجاه طائرة حربية كانت تغير على أهداف في غزة، وذلك في إطار عملية «حجارة من سجيل» التي أطلقتها ردا على العدوان الإسرائيلي.
يأتي ذلك في وقت حشدت فيه إسرائيل قوات إضافية على حدود غزة بعد قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية توسيع العملية العسكرية في غزة، وذلك بعد ساعات من مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة عدد آخر جراء سقوط صواريخ من نوع غراد على الطابق الرابع من مبنى سكني مكون من أربعة طوابق في كريات ملاخي شمال أسدود والتي تعتبر من الضواحي الجنوبية لتل أبيب.
وقال جيش الاحتلال إنّه قصف 250 هدفا في غزة بينها أكثر من 130 قاذفة صواريخ للمقاومة خلال يومين من العمليات، وأضاف أن أكثر من 270 صاروخا سقطت على إسرائيل منذ بدء العملية العسكرية، وأن نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ أسقط 105 منها، ولكن المقاومة الفلسطينية قالت إنها أطلقت أكثر من 500 صاروخ على إسرائيل.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن نتانياهو أصدر تعليماته باستدعاء 30 ألف جندي من الاحتياط.
هذا وقد أعلن المكتب الصحفي للجيش الإسرائيلي، أن إسرائيل تكثف قواتها البرية في محيط قطاع غزة.
وفي واشنطن، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية إن الولايات المتحدة «تراقب عن كثب» تطور الوضع في قطاع غزة. وأضاف المتحدث «نحن على علم بالأمر ونراقب الوضع عن كثب». وتابع «نحن متضامنون مع شريكنا الاسرائيلي في حقه في الدفاع عن النفس ضد الإرهاب».
وأطلع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز نظيره الأميركي باراك أوباما على حيثيات العدوان على غزة، وخصوصاً عملية اغتيال الجعبري.
ويطرح السؤال في غزة بقوة عن ردة الفعل المصرية المحتملة خصوصاً بعدما أشيع أن مصر حذرت إسرائيل من مغبة العدوان على غزة وأن ذلك قد يقود إلى طرد السفير الإسرائيلي. ولكن يبدو أن تل أبيب ماضية بتصعيدها بعد مواصلتها قصف مناطق متفرقة من غزة رغم زيارة رئيس الوزارء المصري هشام قنديل للقطاع على رأس وفد لمدة ثلاث ساعات.
وفي أول رد فعل مصري على العدوان، أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي أن الرئيس محمد مرسي قرر استدعاء السفير المصري في تل أبيب، كما طلب من وزارة الخارجية استدعاء السفير الإسرائيلي لدى القاهرة. وغادر السفير الإسرائيلي القاهرة مع طاقم السفارة بعد سحب مصر سفيرها من تل أبيب. لكن وكالة «رويترز» نقلت عن مصدر ديبلوماسي إسرائيلي أن السفير المصري لم يُستدع بعد، وأن السفارة تعمل بشكل طبيعي.
في هذا الوقت، اعلن مساعد الأمين العام للجامعة العربية احمد بن حلي أن الجامعة ستعقد السبت المقبل اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية لبحث التطورات في قطاع غزة.
نصرالله
فيما طالب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الدول العربية بدعم غزة فورا «لتمكينها من الإنتصار» داعيا الدول التي تربطها علاقات مع الولايات المتحدة والغرب إلى الضغط من خلال النفط للمساعدة في وقف الهجمات الجوية الإسرائيلية.
وقال نصرالله في كلمة له الخميس الماضي «يبقى الرهان الأساسي على إرادة الشعب في غزة وإرادة المقاومة وما يدعونا إلى الثقة أن في غزة مقاومة لديها من الحكمة والشجاعة والصلابة ما يؤهلها لمواجهة بهذا المستوى الكبير والخطير والحاسم».
وأشار نصرالله الى أن «الإسرائيلي فوجيء بصواريخ «فجر 5» على تل أبيب وهذا تطور كبير جدا في تاريخ الصراع» مضيفا: «أن تستطيع المقاومة اليوم أن تطلق صواريخ على تل أبيب له بعد عسكري بمعنى أفق المعركة».
أما رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية فقد دعا الخميس الماضي إلى فتح معبر رفح بالكامل واستخدامه لدخول البضائع والأفراد والمساعدات، في حين قال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل إن زمن العربدة الإسرائيلية انتهى مع «الربيع العربي».
فقد قال هنية في كلمة متلفزة وجهها للشعب الفلسطيني «لا عودة إلى الوراء، هذه نقطة فاصلة في حركة السياسة وتاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، نريد أن تعيد الاعتبار إلى قيادة مصر وثورة مصر وروح مصر بقراراتها الجلية والواضحة لإنهاء الحصار بالكامل مطلقا مرة وإلى الأبد ليكون معبرا للأفراد والبضائع تعزيزا لصمود غزة ولأبناء شعبنا».
وعبر هنية عن أسفه للموقف الأميركي «الذي يأبى إلا أن يبقى منحازا للظلم والعدوان والاحتلال ولآلة القتل والدمار بأبناء شعبنا الفلسطيني».
وذكرت مصادر صحافية إسرائيليّة أن رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية نجا من محاولة اغتياله من قبل طيران الاحتلال، وكذلك قائد كتائب القسام في المنطقة الجنوبية رائد العطار.
من جهته، دان الرئيس الفلسطيني محمود عباس التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، ودعا إلى اجتماع عاجل للجامعة العربية. وحذر عباس الذي ألغى جولة خارجية له في بيان للرئاسة الفلسطينية من خطورة هذا التصعيد، مطالباً بوقف العدوان فوراً.
Leave a Reply