السيد نصرالله يتوقعها ويعد بأن المقاومة ستنتصر فيها
اسرائيل تحضر لحرب ثالثة على لبنان لاستعادة الردع لجيشها
اعترف رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في ندوة عقدت مؤخراً في “المنتدى المقدسي” في تل أبيب حول القرار الدولي 242، ان دولته يمكن التغلب عليها، في اشارة الى ما حدث في لبنان اثر العدوان الاسرائيلي عليه في صيف 2006، وتصدي المقاومة له، وصمودها لمدة 33 يوماً وانتصارها على الجيش الذي لا يقهر باعتراف تقرير لجنة “فينوغراد”.
فبعد الانتصار الذي حققته الدولة الصهيونية على الدول العربية وانظمتها وجيوشها في حرب حزيران عام 1967، واحتلالها للضفة الغربية وغزة والجولان، واعتبرت القيادة الاسرائيلية في حينه، انه تم تثبيت الدولة، ولم يعد بمقدور الدول المجاورة تحقيق نصر عسكري عليها، الا ان حرب تشرين عام 1973، قلّبت المعادلة واستطاع الجندي العربي في سوريا ومصر ان يقتحم خطوط العدو في الجولان وخط بارليف في السويس وعند مشارف سيناء، ويسجل تقدماً، كاد الجيش الاسرائيلي ان يستسلم، لولا التدخل العسكري الاميركي، وانسحاب الجيش المصري من المعركة، بعد احداث “دفرسوار” في صفوفه، وترك الجيش السوري وحيداً في المعركة، لكن هذه الحرب اعطت اشارات ايجابية الى امكانية الانتصار، ورد الاعتبار على هزيمة الجيوش العربية في العام 1967، ورفع معنويات الشعوب العربية.
اعطت حرب تشرين املاً بالنصر، وكان سبقها في العام 1968، خوض المقاومة الفلسطينية معارك في غور الاردن ضد الجيش الاسرائيلي كبّدته خسائر بشرية ومادية، مما رفع من معنويات الشعب الفلسطيني، الذي شهد نكبة ثانية بخسارته كل ارضه في فلسطين في العام 1967، بعد تشرده في العام 1948 وقيام الكيان الصهيوني على ارضه، بموجب قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة ذات الرقم 184 في العام 1948، فأخذ الفلسطينيون قضيتهم بيدهم، وقرروا خوض الكفاح المسلح لاسترداد ارضهم، والانطلاق من الدول المجاورة للقيام بعمليات فدائية، اذ كان يتعذر ذلك من الداخل، وبالرغم من حصول بعض العمليات المحدودة.
حرب حزيران 1967، كانت انتصاراً لاسرائيل وهزيمة للعرب، لكن بعد هذا الزمن الرديء، بدأت المقاومة الشعبية تاخذ دورها، فبعد الاجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982، وقبله في العام 1978، اخذت المقاومة الوطنية اللبنانية قرار التصدي للاحتلال، وبدأت بشن هجمات وعمليات متفرقة، واحياناً بمبادرات فردية من عناصر تنتمي الى احزاب وطنية وقومية، والتي تثقفت على مقاومة العدو الاسرائيلي.
وهكذا انطلقت المقاومة التي بدأت من الجنوب في 21 تموز 1982، وقصفت الجليل الاعلى المحتل بالصواريخ، لابلاغ قادة العدو، ان اسم عمليته العسكرية في لبنان “سلامة الجليل”، قد سقطت وان عدوانه لن يكون نزهة، ومنذ ذلك التاريخ تصاعدت عمليات المقاومة في كل الاماكن التي دخلتها قوات الاحتلال، وكان ابرزها في بيروت، التي اندلعت منها ايضاً شرارة المقاومة في عملية “الويمبي” في شارع الحمراء، التي نفذها خالد علوان من الحزب السوري القومي الاجتماعي، ثم في عمليات اخرى قامت بها عناصر من الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي و”المرابطون” و”حركة امل” مما اضطر الجيش الاسرائيلي الى ان يخرج سريعاً بعد اقل من اسبوعين على دخوله العاصمة اللبنانية مستغيثاً ان “لا تطلقوا النار علينا اننا راحلون”.
بدأت رحلة الانسحاب من بيروت لتتوالى من الجبل، ثم صيدا واجزاء اخرى من الجنوب، تحت ضربات المقاومة، التي برز فصيل فيها هو “المقاومة الاسلامية” التابعة لـ”حزب الله” والتي خاضت مواجهات عنيفة مع الاحتلال الاسرائيلي، وتمكنت من ان تتقدم على فصائل واحزاب المقاومة الاخرى، لعوامل عدة ذاتية ( عقائدية) ولوجستية (التدريب والتسليح والتنظيم)، وتحويل قرى ومدن في الجنوب الى مجتمع حاضن للمقاومة، بعد تعزيز ثقافة الصمود في القرى وعدم الهجرة منها، لتكون خزاناً بشرياً للمقاومة، التي كانت تنطلق في عملياتها من الداخل، من المناطق المحتلة، وقد تمكنت المقاومة الاسلامية من تسجيل عمليات نوعية من استشهادية وغيرها، واوقعت في صفوف الجيش الاسرائيلي وعملائه، ضربات موجعة، وقد اشتغلت المقاومة على تفكيك بنية “ميليشيا لحد” وقد تمكنت من اختراقها في عمل استخباري، مكّن المقاومة من ان تاتي عملياتها ناجحة.
وعلى مدى 18 عاماً، كانت المقاومة تسجل انتصارات بالرغم من شن عدوانين عليها، الاول في تموز 1993، تحت اسم “تصفية الحساب” خرجت منها منتصرة والثاني في نيسان عام 1996 تحت اسم “عناقيد الغضب” استطاعت المقاومة ان تنتزع اعترافاً دولياً بشرعية عملها تحت اسم “تفاهم نيسان”، واعطاها الحق بالرد الصاروخي على كل استهداف اسرائيلي لمدنيين وللمدن والقرى، وهكذا بدأت في اسرائيل حملة على حكومة شيمون بيريز، الذي حمله العالم مسؤولية “مجزرة قانا”، حيث بدأ العد العكسي لانسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان، لكن مجيء نتنياهو الى رئاسة الحكومة، اخّر خروج القوات الاسرائيلية، تحت ذريعة انه يجب ان يكون الثمن “توقيع سلام” مع لبنان، لكن تعثر المفاوضات السلمية، التي أبلغ لبنان انه غير معني بها، الا من زاوية تطبيق القرار 425، أبقى الوضع معلقاً.
وفي الوقت الذي كان العالم منشغلاً في عملية “السلام” والمفاوضات على المسارين السوري والفلسطيني، كانت المقاومة تجري مفاوضاتها على طريقتها، لانها تعرف ان تحرير الارض لا يتم بالدبلوماسية، وان الامم المتحدة تغاضت عن تنفيذ القرار 425، وان الغزو الصهيوني حصل في العام 1982، تحت مرأى ومسمع القوات الدولية في الجنوب، لذلك صعّدت المقاومة من عملياتها، وتمكنت في ايلول من العام 1997 من قتل 13 عنصراً من لواء “غولاني”، وهو من الوية النخبة في الجيش الاسرائيلي في كمين ببلدة انصارية عند ساحل الجنوب، وكان لهذا العمل وقعه الكبير، اذ اعطى المقاومة زخماً شعبياً قوياً، واصيب جيش الاحتلال بنكسة، فزادت من الضغوط السياسية والشعبية الاسرائيلية عليه بالانسحاب من لبنان، لان وجوده فيه يكبده خسائر كبيرة، وبات موجوداً لحماية عملائه الذين بدأوا بالانهيار مع ملاحقة رموزهم وقادتهم، وكانت عملية قتل العميل عقل هاشم، سبباً في تصدع بنية العملاء الذين بدأوا بالفرار من المواقع العكسرية التي سلمتهم اياها قوات الاحتلال وكانت تضطر للتدخل من اجل انقاذهم.
كانت انتصارات المقاومة تتوالى مع تصاعد عدد العمليات النوعية، التي كانت تنقل مصوّرة، فدبّ الذعر في صفوف الجنود الاسرائيليين، واعلن عدد لابأس به منهم، عن رفضه الخدمة في لبنان، مما أدى برئيس الحكومة ايهود باراك الى اتخاذ قرار بالانسحاب من لبنان، فكان يوم 25 ايار 2000، هزيمة للجيش الاسرائيلي الذي فرّ تاركاً عملاءه يتدبرون امرهم فلحقوه هاربين من الارض المحررة بالمقاومة وليس بالمفاوضات.
هذه الهزيمة لم تتحملها اسرائيل، التي ارادت الرد عليها وبدأ التحضير لعملية عسكرية، فكان العدوان في 12 تموز 2006، كذريعة على اسر جنديين اسرائيليين كانت المقاومة اعلنت انها ستقوم بمثل هذه العملية لتحرير الاسرى المتبقين في سجون الاحتلال، وفي طليعتهم عميدهم سمير القنطار.
صمدت المقاومة 33 يوماً وهي كانت استعدت لمثل هذه الحرب منذ العام 2000، في اطول حرب اسرائيلية ليس على جيش ودولة، بل على نفر من الرجال، وهو ما يسميه احد المحللين الاسرائيليين، حرب “ما تحت الدولة”، اي منظمة عسكرية، استطاعت ان تلحق الهزيمة بالجيش الذي لا يقهر، واالذي فقد قدرة الردع، ليصبح في عين شعبه، جيشاً غير موثوق لحمايته، فسقطت “اسبرطة” وهو التعبير عن وصف الدولة العبرية، كثكنة عسكرية كما كانت روما ايام الرومان، فهذه الثكنة اخترقها المقاومون في لبنان، وتركوا مواطنيها يهربون الى الملاجئ ويدب بهم الخوف، فتزعزعت الجبهة الداخلية، وكان تساقط الصواريخ بمعدل 300 او 400 صاروخ يومياً على المستوطنات القريبة والبعيدة، يصيب الكيان الصهيوني باليأس والاحباط مع ارباك على المستويين السياسي والعسكري، واقالة ضباط القيادة على الجبهة، واستقالة رئيس الاركان دان حالوتس الذي توعد بانهاء المقاومة بتدمير منصات صواريخها ووقف اطلاقها خلال ثلاثة ايام، لكن هذه الايام اصبحت 33 يوماً، مما اضطر مجلس الامن الى استصدار قرار حمل الرقم 1701 ، فاوقف العمليات العسكرية ولم يعلن عن وقف اطلاق النار، واوصى بنشر قوات دولية مع الجيش اللبناني جنوب الليطاني، ومنع اي ظهور مسلح، في اشارة لمنع اطلاق صواريخ من لبنان، لكن هذا القرار لم تحترمه اسرائيل وتخرقه يومياً بشهادة تقارير الامم المتحدة، واستمرت في احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وحاولت مؤخراً قضم اراض من كفرشوبا، فتصدى لها بعض الاهالي، ونزعوا الشريط الشائك، لكنها لم تتراجع عن احتلالها لاراض جديدة، مما يهدد باشعال الجبهة، اذا لم تقم القوات الدولية بدورها في استرداد الارض مع الجيش اللبناني.
فالقرار 1701 يطبق لبنانياً، ويخرق اسرائيلياً، وقد حاولت اسرائيل استغلال انفجار في احد المنازل في بلدة خربة سلم، لتتحدث عن وجود مخزن للسلاح لم تكشف التحقيقات بعد عن اسبابه، لكن قادة العدو طالبوا، بتغيير قواعد اللعبة، وتحويل القرار 1701 الى الفصل السابع واعطاء القوات الدولية صلاحيات ميدانية باستخدام القوة والإشتباك، وهو ما حاولت فعله عناصر فرنسية تعمل في القوات الدولية، بمداهمة احد المنازل دون ابلاغ الجيش اللبناني الذي يقوم هو بالمهمة مع “اليونيفل” مما خلق اشكالاً مع دورية للقوات الدولية، ترتب عليه ردود فعل، سعت اسرائيل لاستغلاله وتحريض الامم المتحدة على المقاومة، والغمز من قناة الجيش اللبناني انه يسهل نقل الاسلحة الى منطقة جنوب الليطاني، وقد نفى الجيش هذا الامر، واعلن ان الوضع مستقر والتقارير الدولية تؤكد ذلك، وان اسرائيل هي التي تخرق القرار الدولي.
في كل هذه المعطيات، يتبين ان اسرائيل تعمل على شن حرب جديدة، كان الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حذّر من وقوعها، اثناء المناورات العسكرية الصهيونية الاخيرة، ووضع احتمال حصولها، فرفع من جهوزية المقاومة، اذ في رأي نصرالله ويشاركه العديد من الخبراء والمحللين، ومنهم من هو في موقع المسؤولية في اسرائيل، ان الاخيرة، لن تسكت على هزيمتها في لبنان عامي 2000 و2006 ، وهي تحضر لحرب جديدة، تسميها “رب البيت جن”، وتقوم على نظرية الضاحية، اي القيام بحرب واسعة وعلى كثافة نيران قوية، لا توفر شيئاً فتضرب المباني والمنازل والمدارس والمستشفيات والمياه والكهرباء ومحطات الوقود ومحلات بيع المواد الغذائية، ومؤسسات الدولة، وحتى المنظمات الدولية، بما لا يمكّن المقاومة من الرد، ويتزامن القصف الشديد مع تقدم بري في بعض المناطق لا سيما باتجاه البقاع الشمالي لتدمير البنى التحتية لقواعد الصواريخ التي تقول اسرائيل انها موجودة في هذه المناطق، وستحشد للقيام بهذه العملية ما بين ستة وثمانية الوية، اعلن نصرالله انه مستعد لتدميرها، كما ان سيناريو الحرب، الوصول الى الضاحية الجنوبية للقضاء على قادة المقاومة او اعتقالهم.
ويعتبر نتنياهو ومعه وزير دفاعه باراك ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان، ان الحرب التي يخطط لها للبنان، يجب ان تشكل رادعاً نهائياً لـ”حزب الله”، وهو احد الاذرع الايرانية، كما يزعمون، وان القضاء عليه، يسهل عملية عسكرية ضد ايران تستهدف مشروعها النووي، كما انه يدفع بسوريا الى ان تستجيب للشروط الاسرائيلية في المفاوضات حول الجولان، كما ان الحرب الجديدة على لبنان، تحاصر “حماس” في غزة، وسيكون عليها ان تاخذ درساً يمنعها من ان تقيم بنية عسكرية صاروخية. فمخطط الحرب بدأ يرسمه قادة العدو، وان المناورات الثلاث التي بدأت بعد الحرب الثانية على لبنان، تكشف انهم يعدون لحرب ثالثة، يخفون توقيتها، ولا ينتظرون ذريعة لها!.
Leave a Reply