تخجل من أحاسيسها الصامتة. تبتلع توسلاتها وغضبها المتمرد. تود الخروج من الدوامة التي تخنق أنوثتها. ترفض أن تضيع. تصر على أن تحيا. تريد أن ترتاح من عذابها والخروج من منعطفات وجوده وتنتزع منه اعترافاً بكيانها.
متى ستتمرد عليه وتقول كل ما يجول في نفسها وتستريح من عذاب الصمت والتردد؟
تعبَت من البحث عن بريق يضيء ليلها وعن حلمٍ يدفئ صقيع وحدتها في برود أيامه. طالما غفرت له بروده وإبتعاده وقسوته.
غفَرت لأن في أعماقها طفلة مسلوبة الارادة. في صدرها ضعف زرعته نساء الريف منذ الصغر. علموها أن المراة يجب أن تلبي طلبات الرجل دون اعتراض، وأن ترضى بنصيبها. لكن شعوراً بالإهانة يفتت صبرها، يدمي عينيها.
إنفعالات متناقضة في تفكيرها.
تحلم.. تتأوه.. وتبحث عن يدٍ دافئة تطوّق عنقها ولا تخنقها. تستجدي كلمة حبٍ تعرف أنها تخرج من شفتيه كاذبة، لكنها بحاجة شديدة إليها لتمدها بالحرارة والقدرة على المسامحة والغفران.
كم مرة جلست بجواره، ترقبه. تتطلع الى تعابير وجهه الجامدة. نظرة استخفاف منه تشعل نيران غضبها. تنتظر وترجو أن تلثم كلمة منه جبينها البارد ولو كلمة واحدة فقط. تهفو الى وميض حنانه ورقة ملمس أنامله. أن يدعوها باسمها في ذرات صمته وينتبه الى براءة عينيها. تواجهها نظراته الصارمة، ملامحه القاسية وصوته الأجش القوي النبرات معلناً استياءه من إلحاحها.
تغادره الى غرفتها. تغلق وراءها الباب. لا أحد يسمع نحيبها في عالمٍ مشحون بالصمت والوحدة. بيديها تغمض عينيها، يلتمع في ضوء القمر رجلا رسمت ظلاله في مراهقتها، لونته أوهامها رجلاً محباً. لكن الحقيقة تجسدت في رجل آخر. رجل يتلذذ بعطائها، بانتظارها له وبحبها كامرأة لعاداته التافهة.
سئمت انغماسه الكبير الابله في مشاريعه، وغيبوبة أحاسيسه.
تتوسل وتنتظر همسة رقيقة ممتلئة نشوة وحباً يسكبها في اذنيها. تود لو تمتص الحروف من شفتيه وتسكب العتاب المر في أذنيه. لا تقدر. تذوب في حنينها الى الكلمات العذبة، خاصة اذا كان الرجل رائع الرجولة ومتدفق الحيوية كزوجها.
تعلمت ان الحب لا يقبل الواسطة.
وهي لا تدري كيف تتوسط عند رجل لا يعرف مكانته في قلبها وعقلها. تلهب الوحدة وجنتيها. ولا تسمع سوى دقات قلبها في ضباب الوهم الذي تعيش فيه.
الأنثى بأعماقها لا تهدأ. تضحك، تتمرد، تحزن، وهو تزيده الأيام بروداً وغموضاً. تحب بالتوقيت وتطلق العنان لمشاعرها بالتوقيت، تتذكر صورة عمتها. تطل من خلال ملامحها على عالمٍ طالما رفضت صفاته وقيمه، احترقت معالمه، ونبذت افكاره. لن تدع أيامها يلفها الشحوب والغموض وضباب الليالي الباردة ووجهه الصارم.
ستتمرد عليه عليه وتقول كل ما يجول في خاطرها لتستريح من عذاب الصمت والحيرة والتردد.
تدور وتدور في دوامة. جبال الوهم تتهاوى فوق رأسها.
Leave a Reply