قال الإعرابي القديم حين سئل عن سبب تأخره في الإنجاب حتى قارب سن الكهولة: “قد أردت ذلك كي أبادر ابني باليتم قبل أن يبادرني بالجحود”.
الأسبوع الماضي وفي ذكرى أسبوع إحدى الأمهات الكريمات في الجالية وبعد تلاوة آيات من القرآن توصي ببر الوالدين خصوصا الآية الكريمة: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”. اعتلى المنبر السيد حسن القزويني ومن وحي المناسبة بدأ موعظته بنقل قصة قاسية ومؤلمة لرجل عصى وأغضب والدته بسبب زوجته. وختم السيد موعظته أيضا بقصة أخرى بطلها رجل جاحد آخر عذب والديه وقسا عليهما، والسبب ويا للعجب هو الزوجة أيضا!
رغم بشاعة القصتين، وهمهمة الجمهور، وربما الكثير منهم شتموا الزوجة والمرأة في سرهم، ووجهوا اللوم لأمنا حواء لأنها هي أس الشر والبلاء. ونسي السيد أن يوضح أن العقوق، عقوق الأبناء لأهاليهم، قديم من زمن النبي نوح عليه السلام، وليست الزوجة أو المرأة هي السبب دوما، إنما يعود الخلل في العلاقة بين الابن وأهله.
الرجل ذو الحظ مثل الانثيين والقوّام على بعلته التي لولا الشرك لأمرها الله أن تسجد لزوجها. الرجل الذي تسهر الملائكة طوال الليل تلعن زوجته الممتنعة عن تلبية رغباته. الزوج الذي له الحق أن يأتي حرثه ويواطئ امرأته في أي وقت وشهادته تعادل شهادة امرأتين..
يا عيب الشوم، هذا الرجل الغالب، قليل الهيبة، كثيف الشوارب، الذي الله خلقه وكسر القالب، وين أبو عنتر يظهر ويبان وعليه الأمان من جنس النسوان، وبخيزرانته يمده فلقة من كعب الدست لأن زوجته تمنعه من إكرام أمه وأبيه وأخته وأخيه وفصيلته التي تؤويه، ويقول له: يا باطل خسئت يا رجل في زمن فيه الرجال قليل!
وأريد أن أضرب مثلا عن قريب عزيز لي في العائلة، يصوم ويصلي أغلب صلواته في المسجد. قريبي هذا لا يزور أحدا ولا يصل رحما. وإذا سألته لماذا؟ فيجيب جوابا باردا ثقيلا: “والله مرتي ما بتسمحلي أزور أحد! يا سلام يعني زوجتك حاططلك جهاز رادار بجيبتك لتعرفك وين عم تروح وين عم تجي”.
ولكنه العذر الأقبح من ذنب، وحجة ساقطة يتحجج بها لعصيان ذويه وعدم صلة أرحامه، ومثل هذا الزوج، الابن الأخ، إنسان جحود وأقسى من ناب الحية الرقطاء، كما قال الملك لير في مسرحية شكسبير التي تحمل اسمه وهو يهم بمغادرة قصره الواسع فاراً من ابنتيه العاقتين رغم العاصفة المدمرة خارج أسوار القصر: أفضّل مواجهة الطبيعة المدمرة على البقاء تحت سقف واحد مع ابنة عاقة!
وأنا هنا لست بوارد الدفاع عن الزوجات، فالبعض منهن قاسيات، لكن مهما قست الزوجة وتنكرت وجحدت أهل الزوج، ليس لها القدرة على منع زوجها من البر والإحسان بأهله. والبعض الآخر من الزوجات تهديهن فطرتهن السليمة إلى الواجب الإنساني والعائلي بغير أن يدعوهن أحد إليه، وبنفس راضية لا يخالطها السخط أو التذمر أو الشعور المؤلم بعبء “الآخرين” عليهن، مما قد يدفعهن أحيانا للسخط الباطني، وانفلات بعض الإساءات اللاإرادية لأهل الزوج وأقاربه، خصوصا إذا كان الزوج من النوع السلبي الذي يتوقع من زوجته العطاء دوماً، دون أن يكلف خاطره ويشكرها -لاسمح الله- لئلا ينقص قدره درجة.
برأيي أن الأم التي يجحدها ابنها، فهو إما ابن عاق ومتمرد بالفطرة، وإما إنها هي الأم أخطأت بتربيته فينشأ ابنا جاحدا وأنانيا.
أما الابن البار الصالح بذويه فهو كنز ثمين ونعمة جليلة من الله تعالى، يكرم أباه وأمه ويحب زوجته.
Leave a Reply