التقرير الأسبوعي
من غزة والضفة الغربية مروراً بلبنان وسوريا واليمن… وصولاً إلى قطر، تستمر الغطرسة الإسرائيلية في استباحة الأراضي العربية وانتهاك سيادة دولها، بلا رادع أو وازع، بينما تقف الإدارة الأميركية عاجزة أو متواطئة مع جنون بنيامين نتنياهو الذي أدخل حربه الأبدية في مرحلة جديدة من التصعيد، بعد محاولته الفاشلة في اغتيال قادة حركة «حماس» أثناء اجتماعهم في الدوحة لمناقشة مقترح الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة.
قصف الدوحة
بالحديد والنار، جاء رد نتنياهو على مقترح ترامب لإنهاء حرب غزة، حيث شن طيران الاحتلال غارة عابرة لبلدان المنطقة، مستهدفاً مقرات سكنية تابعة لحركة «حماس» في العاصمة القطرية، ما أدّى إلى استشهاد عنصر من الأمن الداخلي القطري وخمسة فلسطينيين من بينهم، همام الحيّة، نجل زعيم الحركة في غزة خليل الحيّة، الذي نجا مع بقية مسؤولي «حماس» من الهجوم، بسبب اجتماعهم في موقع آخر.
وفي حين يؤكد العدوان الإسرائيلي السافر على الدوحة بشكل قاطع أن نتنياهو لا يريد تفاوضاً ولا حلاً، سارعت واشنطن إلى نفي علمها المسبق بالهجوم الإسرائيلي، وسط تعهد ترامب لقطر بعدم تكرار مثل هذا الاعتداء، فيما أعلنت حركة «حماس» عن إخفاق محاولة اغتيال قادتها، مؤكدة مصرع عدد من مرافقي الوفد المفاوض، بينهم نجل الحية، وجهاد لبد مدير مكتبه.
وشاركت عشر طائرات حربية إسرائيلية على الأقل في الغارات، عبر الأجواء الأردنية والسورية والعراقية والسعودية، لتطلق عشرة صواريخ دقيقة استهدفت مبنى في الدوحة كان من المفترض أنه يحتضن اجتماعاً لوفد القيادة السياسية لـ«حماس».
العملية التي حملت الاسم العبري «قمّة النار»، لم تكن مجرّد هجوم أمني–عسكري، بل بدت بمثابة محاولة صريحة لتخريب مسار الوساطة القائم حول غزة، وشكّلت استهدافاً مباشراً للجهود القطرية في محاولة صياغة اتفاق لوقف إطلاق النار، فضلاً عن تحذير كل من يدعم «حماس» بأنه سيكون في متناول القصف الإسرائيلي.
وقال نتنياهو في كلمة مصورة: «أقول لقطر وكل الدول التي تؤوي إرهابيين: إما أن تطردوهم أو تقدموهم للعدالة. لأنه إذا لم تفعلوا ذلك سنفعله نحن».، مؤكداً أنه لا حصانة لقادة «حماس» في أي مكان.
وفي سياق ردود الفعل الدولية الشاجبة، أصدر أعضاء مجلس الأمن الدولي بياناً صحافياً ندّدوا فيه بالعدوان الإسرائيلي على الدوحة، وأعربوا عن أسفهم البالغ لسقوط ضحايا مدنيين، لكن من دون تسمية إسرائيل كجهة منفذة.
ووافق أعضاء المجلس الـ15، بمن فيهم الولايات المتحدة، على البيان الذي صاغته بريطانيا وفرنسا، مؤكدين أهمية وقف التصعيد ودعمهم الكامل لسيادة قطر، مشيدين بدورها الرئيسي في جهود الوساطة بالمنطقة.
وشدد الأعضاء على أنّ إطلاق الأسرى وإنهاء الحرب والمعاناة في غزة يظل أولوية قصوى للمجلس، علماً بأن مقترح ترامب لإنهاء الحرب تضمن حلاً شاملاً لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين (وعددهم 48، بينهم 20 على قيد الحياة) وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة بالكامل مع تسليمه لسلطة جديدة غير «حماس».
من جانب آخر، أفادت وكالة الأنباء القطرية (قنا) بأن الدوحة ستستضيف قمة عربية إسلامية طارئة –يومي الأحد والاثنين المقبلين– لبحث الرد على الهجوم الإسرائيلي.
ووسط حراسة أمنية مشدّدة، وبمشاركة الأمير تميم بن حمد، شيّعت قطر، الخميس المنصرم، شهداء العدوان في مسجد بالدوحة، فيما أغلقت بعض طرقات العاصمة، خصوصاً تلك المؤدية إلى محيط المسجد مع انتشار كثيف لقوات الأمن الداخلي.
من جهتها، شنّت قطر هجوماً إعلامياً عنيفاً على إسرائيل، واصفة العملية بـ«إرهاب الدولة». وأكّد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، أنّ الدوحة لن تتهاون بشأن سيادتها، وستردّ بحزم على أي اختراق، لافتاً إلى «تشكيل فريق قانوني لاتخاذ إجراءات ردعية». وقال إنّ «نتنياهو يقود المنطقة إلى مرحلة لا يمكن إصلاحها»، واصفاً إيّاه بـ«المارق» الذي يحاول «إعادة تشكيل الشرق الأوسط على نحو كارثي». وأضاف أنّ الهجوم لم تُبلّغ به بلاده مسبقاً، وأن اتصالاً من مسؤول أميركي ورد بعد دويّ الانفجارات بعشر دقائق.
وداخل الكيان، كشفت «القناة 13» العبرية عن أن مسؤولين كباراً في الجيش والحكومة اعتبروا التوقيت «غير مناسب» لتنفيذ العملية، وفضّلوا استنفاد فرص التفاوض القائمة بوساطة قطرية. كما أفادت قناة «كان» بأنّ رئيس الأركان، ورئيس «الموساد»، ورئيس «شعبة الاستخبارات العسكرية»، ورئيس «مجلس الأمن القومي»، أبدوا جميعاً تحفّظاً على توقيت الهجوم، لا على مبدأ تنفيذه، فيما ذكرت «القناة 12» أنّ جهاز «الموساد» لم يشارك فعلياً في التنفيذ، رغم علمه المُسبق بالعملية.
أما في واشنطن، فزعم مستشارو ترامب، بحسب موقع «أكسيوس»، أنّ «إسرائيل لم تستشر واشنطن قبل القصف»، وأنّ الأخيرة تلقّت بلاغاً متأخّراً بعد عشر دقائق من الهجوم. وأضافوا أنّ الولايات المتحدة رصدت الطائرات الإسرائيلية عبر الرادارات قبل أن تتلقّى إشعاراً رسمياً من تل أبيب، ما ولّد استياءً أميركياً من العملية التي تمّت أثناء وساطة تقودها واشنطن. أما صحيفة «إسرائيل اليوم»، فنقلت عن مصادر استخبارية أنّ فكرة استهداف قادة «حماس» في قطر طُرحت منذ عام، لكنّها رُفضت سابقاً بسبب الخلاف مع الأميركيين، إلى أن أُعطي «الضوء الأخضر» أخيراً، على الأرجح بعد زيارة الوزير رون ديرمر إلى الولايات المتحدة قبل أيام.
إلا أن ترامب قال إن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة كان «قراراً اتخذه نتنياهو، وليس قراراً اتخذته أنا»، مؤكداً أن القصف الأحادي داخل دولة قطر «لا يخدم أهداف إسرائيل أو الولايات المتحدة». وأضاف أنه يعتبر القضاء على حماس «هدفاً مشروعاً»، لكنه شدد على أن قطر «حليف قوي وصديق للولايات المتحدة»، معبّراً عن «أسف عميق» لوقوع الهجوم على أراضيها.
وأوضح أنه وجّه وزير خارجيته للإسراع في إتمام اتفاق التعاون الدفاعي مع قطر، لافتاً إلى أنه أجرى اتصالاً مع أمير قطر ورئيس وزرائها وأكد لهما أن «مثل هذا الأمر لن يتكرر على أرض قطر».
بدورها، اعتبرت حركة «حماس» أن العدوان الإسرائيلي على قطر هو «إعلان حرب مفتوحة» على كل الدول العربية والإسلامية، داعية إلى مزيد من المواقف والإجراءات العملية الرادعة «للغطرسة الصهيونية».
ورأى المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، إن محاولة الاغتيال «لم تكن مجرد محاولة اغتيال للوفد، بل هي قصف واغتيال لمسار التفاوض برمّته، واستهداف مقصود لدور الإخوة الوسطاء في قطر ومصر، وتأكيد فجّ من نتنياهو وعصابته الإجرامية على رفضهم التوصل إلى أي اتفاق، وإصرارهم على إفشال كل المساعي والجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف الإبادة والتجويع وإنهاء الحرب ضدّ أهلنا في غزة».
واعتبر برهوم أنّ الإدارة الأميركية «شريك كامل في هذه الجريمة، لتحمّلها المسؤولية السياسية والأخلاقية عبر توفير الغطاء والدعم المتواصل لعدوان الاحتلال وجرائمه المستمرة ضدّ شعبنا»، مجدداً التأكيد على «أنَّ هذه الجريمةَ النكراء وغيرها من الجرائم الصهيونية، لن تفلح في تغيير مواقفِنا الرّاسخة ومطالبنا الواضحة في وقف العدوان على شعبنا، والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة، وتبادل أسرى حقيقيّ، وإغاثة شعبنا وإعادة الإعمار».
اجتياح غزة وابتلاع الضفة
بينما يتريث الجيش الإسرائيلي في إطلاق عملية اجتياح مدينة غزة التي أمر بها نتنياهو، نبّهت منظمة «أطباء بلا حدود» من تفاقم الكارثة الإنسانية في المدينة المحاصرة مع التصعيد الأخير في العدوان العسكري الإسرائيلي، محذرة من استحالة إجبار مليون شخص على الخروج من المدينة إلى مناطق مكتظة ومفتقرة للموارد في وسط وجنوب القطاع ما يمثل «حكماً بالإعدام» عليهم.
وكان نتنياهو قد توعد بشنّ هجوم برّي مكثّف على غزة، مطالباً أهالي القطاع بالمغادرة فوراً. وزعم نتنياهو، في كلمة مصوّرة الاثنين الماضي، تدمير «50 برجاً إرهابياً» في غزة، خلال يومين، محذراً من أن «هذه مجرد البداية للعملية البرية المكثفة في مدينة غزة».
وفي السياق، قالت صحيفة «هآرتس» إن جيش الاحتلال يواجه تحديات كبيرة في غزة بسبب «بطء تهجير السكان وإرهاق قواته». وأوضحت الصحيفة أنه وفقاً للتقديرات الأولية، نزح أقل من 10 بالمئة من سكان غزة جنوباً، ما يعيق تنفيذ الخطط العسكرية، مشيرة إلى «استنزاف الوحدات القتالية منذ 7 أكتوبر ونقص في الجرافات وقطع غيار الدبابات والآليات، وانخفاض معنويات الجنود وصعوبة بعض الضباط في فرض الانضباط داخل الوحدات».
وأضافت «هآرتس»: «الاستخبارات الإسرائيلية تعرف أن العملية لن تضمن تحرير جميع الأسرى وستعرض حياتهم للخطر»، غير أن «قادة الألوية والكتائب يرفعون تقارير مجمّلة خوفاً على ترقياتهم، ما أحدث فجوة بين الميدان والقيادة العليا».
وعلى وقع الاستعدادات الإسرائيلية لاجتياح مدينة غزة رغم عمليات المقاومة المستمرة –وكان أبرزها خلال الأسبوع الماضي، مقتل أربعة جنود إسرائيليين في جباليا فضلاً عن مقتل ستة آخرين في هجوم فدائي بمنطقة القدس– لم يتردد نتنياهو في الكشف عن نزعته التوسعية على حساب الأراضي الفلسطينية في الضفة، متوعداً بأنّه لن تكون هناك دولة فلسطينية، وأنه سيواصل العمل «بعزم» على تحقيق «أبدية إسرائيل».
وخلال مراسم توقيع المشروع الاستيطاني «E1»، الذي أقيم في مستوطنة «معاليه أدوميم» شرقي القدس، قال نتنياهو: «تعهدنا في السابق بألاّ تقوم دولة فلسطينية، وبالفعل لن تُقام أي دولة فلسطينية… هذا المكان لنا».
وأضاف أنّ الجبهة الشرقية لإسرائيل «ليست معاليه أدوميم بل غور الأردن»، متعهداً ببناء الكثير من «المدن المشابهة لمعاليه أدوميم في أرضنا».
وكانت محافظة القدس قد حذّرت من توقيع حكومة الاحتلال «اتفاق إطار» مع بلدية مستوطنة «معاليه أدوميم»، لبناء أكثر من 7,600 وحدة استيطانية، بينها 3,400 وحدة في منطقة (E1) شرق القدس المحتلة. وشدّدت المحافظة على أنّ «هذا المشروع يستهدف تطويق التجمعات الفلسطينية ومنع توسعها المستقبلي، وتهجير التجمعات البدوية، وإحداث تغيير ديموغرافي واسع يرسّخ ما يُسمى القدس الكبرى، في محاولة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية».
عربدة إسرائيلية
لم تكن قطر والأراضي الفلسطينية وحدها مرتعاً لآلة القتل الإسرائيلية، إذ قصف جيش الاحتلال كلا من سوريا ولبنان واليمن في غارات متعددة وقعت على مدار الأسبوع.
ففي سوريا ورغم اللقاءات مع الإسرائيليين برعاية أميركية–فرنسية من أجل التوصل إلى اتفاق أمني يخدم التطبيع كثفت تل أبيب اعتداءاتها ومساعيها لتفتيت البلاد عبر قصف أنحاء متفرقة من سوريا بينما تحدثت هيئة البث الإسرائيلية عن لقاء مرتقب بين وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.
ويأتي اللقاء الجديد قبيل المشاركة المنتظرة للرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستنعقد بين 23 و27 سبتمبر الحالي؛ إذ يسافر الشرع في 24 منه إلى نيويورك للمشاركة وإلقاء كلمة، هي الأولى لرئيس سوري منذ ستة عقود، الأمر الذي تسوّقه الإدارة الأميركية على أنه «إنجاز كبير»، قامت من أجل تحقيقه بشطب الشرع وجماعته من قوائم الإرهاب، وبتقديم مسوّدة إلى مجلس الأمن من أجل تنفيذ إجراء مماثل في قوائم الإرهاب الأممية.
وفي لبنان، وبعد نزع فتيل الصدام بين الجيش والمقاومة –أو على الأقل تأجيله بضعة أشهر– واصلت إسرائيل غاراتها على مناطق متفرقة من البلاد، دون أن تبدي أي انفتاح على مطالب الحكومة اللبنانية بالانسحاب ووقف الاعتداءات مقابل «حصر السلاح».
من جانبه، شدّد الأمين العام لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، على أن لا مجال لأي حل لمسألة السلاح خارج نقاش استراتيجية الأمن الوطني، مؤكداً أن المواجهة مع إسرائيل مستمرة واحتلالها لا يمكن أن يستمر. وتعليقاً على هجوم الدوحة، توجه قاسم إلى حكام الدول العربية قائلاً: «ادعموا المقاومة حفاظاً على دولكم وأنظمتكم».
وأما في اليمن، الذي كان مسرحاً لغارات إسرائيلية متجددة خلال الأسبوع المنصرم، أدان رئيس حركة «أنصار الله»، السيد عبدالملك الحوثي، الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين واليمن وقطر وسوريا ولبنان، منتقداً «استراتيجية البيانات» العربية بعد كل عدوان.
وأعلن الحوثي أن عمليات الأسبوعين الماضيين التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية إسناداً للشعب الفلسطيني في غزة، «تمت بـ38 ما بين صواريخ وطائرات مسيرة»، مشيداً بنجاح استهداف مطار رامون، ومطار بن غوريون، دون إبداء أي نوع من التردد في مواصلة استهداف كيان الاحتلال بالرغم من غاراته المستمرة على اليمن.
Leave a Reply