يقول العامة أن المثل لا يخطىء، وهذا الكلام، في جزء كبير منه، صحيح، كالقول الشائع “من بيته من زجاج، لا يرشق الناس بالحجارة”. والمقصود أن الناس في المقابل سيرشقونه بنفس الحجارة ويدمرون بيته المصنوع من زجاج فيكون قد جنى على نفسه كما جنت على نفسها براقش!
ينطبق هذا المثل على الدول العربية الدكتاتورية الرجعية المجتمعة على الباطل والمتفرقة عن الحق، التي وحدتهم سوريا وفرقتهم إسرائيل. بيوت هذه الأنظمة المؤتمرة بالخارج هي ليست من زجاجٍ فقط بل أوهن من بيوت العنكبوت. هي حليفة إسرائيل عدو الإنسانية والتاريخ عندما تقوم بتعليق عضوية الجمهورية العربية السورية وتسرع سرعة البرق في إطلاق الإنذارات تلو الإنذارات ضدها وتصدر تحذيراتٍ نهائية قبل أن يجف الحبر عن ورقة “الجامعة المفرقة” التي قبلتها سوريا رغم انتهاكها للسيادة وتحريضها العلني للجيش السوري على التمرد على السلطة السياسية، ورغم رفض الحوار من قبل “المعارضة” التي عرضت عضلاتها الشمشونية في إسطنبول والقاهرة أمام متظاهرين سلميين مؤيدين لبلدهم.
أما دعوة مفتي “الأخوان” للأتراك لكي يحتلوا سوريا فلم تحرك ساكن بني عربان! كم هي سريعة هذه الانظمة في قراراتها اليوم، لكنها تركت لبنان يذبح عام ٢٠٠٦ تحت رحمة قصف إسرائيل البربري ودموع فؤاد السنيورة، قبل أن تتدخل بعد صمود “المغامرين” الأسطوري في ساحة الوغى، كما تركت غزة للمجازر الصهيونية. في الداخل السوري، تسلمت المعارضة أوامرها المباشرة بعدم إلقاء السلاح ضد النظام مما يدل بصراحة أنها لم تكن يوماً سلمية وأنها لا تحكم نفسها بنفسها. هل هناك من دليلٍ أوضح من ذلك؟ فلماذا لا يرى عرب “الجامعة” تصرف المعارضة هذا؟ كم هو صغيرٌ هذا الزمن العربي الرديء حيث خلال مداولات وزراء الخارجية العرب إعترض وزير خارجية الجزائر على تسلط وزير خارجية قطر وتحريضه الإستفزازي ضد سوريا، نتيجة إملاءاتٍ واضحة، فقال الأخير للأول: “سوف يأتي دوركم”!
تصوروا يا أمة الله، دويلة مثل قطر تهدد دولة المليوني شهيد.
هذه الدول التي تريد معاقبة سوريا تقطر أيدي حكامها دماءاً نتيجة القمع والقتل وتكبيل الحريات كالبحرين. هناك العين عمياء أما في سوريا فكل عيون العالم مفتحة ولا تشاهد مجازر المسلحين، أما تليفونات “الثريا” التابعة لقناة “التزويرة” فقلبها حنون على الشعب السوري مثل جوقة “١٤ عبيد صغار” وقلب سمير جعجع المنخلع من كثرة الشفقة.
كم هومخزٍ وعار وبذيء هذا الإعلام الفضائي الذي يسلط الضوء على جمهرة من المتظاهرين ضد النظام، ويتجاهل تظاهرات مئات الآلاف من الشعب السوري تأييداً لوطنهم ورئيسهم، وكأن هؤلاء حركتهم الإستخبارات السورية. أو عندما يسمي إعلام “العبرية” ولقطاؤه في قطر ولبنان والخليج تحرك شعب البحرين “إضطرابات” بينما تحرك فئة من السوريين هو “ثورة” عارمة. لكن أين فتوى مفتي الديار السعودية بأن المظاهرات حرام، أم أن للفتوى حدودٌ جغرافية وربما هذا ما منع “إخوان” مصر من المشاركة في الثورة الثانية؟
والمفارقة أن حكومة عصام شرف الوصولي الذي تسلق على أكتاف الشباب المصري، الذي قام بأروع ثورة في العصر الحديث أطاحت بأكثر طغاه العصر، لعبت دوراً كبيراً في تأليب “الجامعة” العربية على سوريا بدعوى ان السلطة السورية تقتل المتظاهرين السلميين فيما قامت حكومة شرف بقتل أكثر من أربعين شاباً مصرياً وجرح أكثر من ألف شاب خلال أقل من يومين لانهم تظاهروا في ميدان التحرير ضد جنرالات مبارك. سقطت حكومة شرف بضربة الشعب المصري القاضية وبدمه الغالي الذي تبين أنه سوف يحمي منجزات الثورة ضد ما تبقى من حكم فرعون مصر. لكن مشيخة قطر وبوقها ليستا متحمستان هذه المرة ضد حكم العسكر الدموي في مصر ولم تستنفر “الجامعة” لمعاقبته كما تفعل مع سوريا!
هكذا دويلات هي آخر من يحق لها أن تحاسب. حتى “أمين” جامعة الدول العربية نبيل العربي ليس أميناً على الجامعة ولا مؤتمن. تابع الخيانة الساداتية والمشارك في اتفاقات الإستسلام مع إسرائيل كيف يصبح نزيهاً ووسيطاً عادلاً؟
نعم الدور سوف يأتي، لكن ليس على سوريا المحمية بجيشها وشعبها، بل على هذه الأنظمة المتخاذلة التي تتوحد في الوقت الخطأ وحول القضية الغلط وتنسى فلسطين ثم تتآمر على دولة الممانعة والكرامة عبر كلام حق يراد به باطل. كل هذه الدول أنظمتها هشة وسريعة العطب لأنها من صنع الإستعمار، ولن تكون في منأى عن رياح التغيير وغضب الشعوب العربية والإنتقام السوري. عندها سنرى ماذا ستصنع جامعة الدول العربية “المتنافرة” ومن سيحاسب من، “ولات ساعة مندم”.
وإن الغد لناظره قريب!
Leave a Reply