حسن خليفة – «صدى الوطن»
مع احتدام النقاش الوطني حول انتشار الأسلحة فـي المجتمع الأميركي، ينقسم الأميركيون إزاء هذا الموضوع الشائك، لاسيما مع ارتفاع حوادث إطلاق النار الجماعية التي عصفت فـي البلاد خلال السنوات الأخيرة.
ورغم أن التعديل الثاني فـي الدستور الأميركي ينصّ بشكل واضح على حق المواطنين بحمل السلاح وتنظيم الميليشيات المسلحة، يرى قسم واسع من الأميركيين، وفـي مقدمتهم الرئيس باراك أوباما، أنه لا بد من الحد من انتشار هذه الظاهرة بهدف مكافحة الجريمة فـي البلاد.
الجالية العربية فـي منطقة ديترويت، كحال المجتمع الأميركي، منقسمة إزاء القضية، فكثيرون من العرب الأميركيين ولاسيما أصحاب المصالح التجارية الصغيرة منهم، يجدون أنفسهم مضطرين لحمل السلاح بغرض الدفاع عن النفس والممتلكات، خاصة فـي المناطق ذات معدلات الجريمة المرتفعة مثل مدينة ديترويت. ولكن فـي الوقت نفسه يدرك أبناء الجالية أيضاً أن ضرر انتشار السلاح يبقى كبيراً وماثلاً لاسيما بعد وقوع عدة جرائم قتل سقط ضحيتها شبان ومراهقون من الجالية وعموم المجتمع المحلي خلال السنوات الماضية.
دفاع عن النفس
أميرة أيوب، إمرأة محجبة من سكان ديربورن، تذهب للعمل فـي محطة للبنزين يملكها زوجها فـي ديترويت، وهي تحمل مسدسها على خصرها لأنها تشعر بأنها مهددة وغير آمنة كامرأة مسلمة فـي مناخ الإسلاموفوبيا المتزايد هذه الأيام.
أميرة ولدت فـي ولاية كنتاكي وترعرعت فـي جنوب شرق ديترويت وهي تدرس كطالبة مسعفة ووالدة لصبي يبلغ من العمر أربع سنوات، قالت لـ«صدى الوطن» إنها تحمل مسدساً فـي كل مكان تذهب اليه، مؤكدة أنها تعرضت مرتين فـي أسبوع واحد، لهجوم لفظي من قبل زبائن نعتوها بالإرهابية وسألوها إذا كانت «جزءا من الجهاد!».
«لمجرد أني أحمل سلاحاً لا يعني أنني إرهابية» قالت أيوب، وأضافت «أنا أحمي نفسي وعائلتي».
وأفادت أنها تتلقى ردود فعل متفاوتة حول حيازتها السلاح حيث يخشاها البعض فـيما يحترمها آخرون، لكنها تعاني من نظرة عامة سلبية من قبل المجتمع العربي الذي يرى أن حمل السلاح من شيم الرجال «لكنها اعتادت على نظراتهم الاعتراضية».
تقول أيوب إن الشرطة فـي ديترويت لا تستجيب بسرعة كافـية للحالات الطارئة وهذا ما يدفعها الى حمل السلاح. لكنها، ورغم أن السلاح لا يتزعزع عن خصرها فـي اليوم العادي، ترى أيوب أن هناك حاجة إلى قوانين أكثر صرامة.
وبرأي أيوب فإن حق حمل السلاح يجب أن يمنح فقط للمواطنين المسؤولين الذين يلتزمون بتدابير السلامة المناسبة. «انا لن استخدم أبداً سلاحي الا إذا اضطررت اضطراراً شديداً وعندها سأطلق النار للايذاء فقط لا بقصد القتل».
السلاح يمنع الجريمة
يقول مالك محطة بنزين فـي هامترامك -رفض الكشف عن اسمه- انه اضطر لسحب سلاحه أكثر من مرة بسبب تهديدات عنيفة من قبل الزبائن. وأضاف أنه على كل صاحب عمل، وخاصة الذي يتعاملون مع كميات كبيرة من الأموال النقدية يومياً، «عليهم أن يحملوا السلاح» فالمسألة ليست بغرض استعراض البطولات بل هي ضرورة ملحة بسبب المخاطر الأمنية.
أما «سبنسر»، الذي نشأ فـي ديربورن ويتفاعل كثيراً مع العرب الأميركيين، هو شريك فـي ملكية متجر سلاح محلي -كذلك لم يشأ استخدام اسمه كاملا- أكد أنه ليس هناك وصمة عار مرتبطة بامتلاك العرب للسلاح لانهم أميركيون لهم الحق القانوني فـي امتلاك السلاح إضافة الى أن كثيرين منهم أصحاب مصالح تجارية وهم مضطرون الى حمل السلاح لحماية أنفسهم.
يقول الشاب رامي حجازي (٢٣ عاماً) إنه مع أخبار القتل والعنف اليومية، «لا بد أن تكون مسلحاً».
وأضاف حجازي، وهو من سكان ديربورن هايتس، إن «السبب الوحيد لفلتان المجرمين يعود الى خشية النَّاس منهم واتباع أوامرهم تحت تهديد السلاح». وتساءل «لماذا ننتظر حتى يحدث شيء ما؟ أنا لا آخذ أي مجازفة.. فربما يكون قد فات الأوان».
وقد استغرق الأمر ثلاثة أسابيع لحجازي لاستكمال فحص الخلفـية الجنائية وملء الأوراق المناسبة للحصول على الرخصة، لكنه مع بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت ولاية ميشيغن عن تغييرات فـي قوانين منح رخص السلاح، حيث أصبح التقدم لها يتم عبر مكاتب «كليرك» المقاطعات، فـيما تتولى شرطة الولاية مهمة فحص التاريخ الأمني للمتقدم.
بين ديربورن وديترويت
يعتبر قائد شرطة ديترويت جيمس كريغ أن تسلح سكان المدينة سيؤدي الى كبح المجرمين خوفاً من المواطنين المسلحين، لكن قائد شرطة ديربورن رون حداد، يخالف هذا المبدأ، نافـياً أن يكون للسلاح دوراً فـي كبح العنف المسلح. وقال «لمواجهة قضية العنف المتزايد، هناك حاجة إلى تغيير فـي نظرة الأمة لسلامة الأسلحة النارية والمسؤوليات المترتبة عليها. فالتسلح أصبح خارج نطاق السيطرة ونحن بحاجة إلى مسؤولية متجددة للحفاظ على سلامة شعبنا»، ولفت الى أنه «إذا كانت كثرة التسلّح هي الحل، فإن أميركا يجب ان تكون خالية من الجريمة اليوم» بسبب ازدهار تجارة الأسلحة فـي البلاد.
ويقول حدَّاد انه تتم مصادرة حوالي ٣٠٠ قطعة سلاح غير قانونية من شوارع ديربورن سنوياً. وأضاف أنه حتى بعض السكان الذين يملكون البنادق قانوناً يتم القبض عليهم اذا كانوا يحملون السلاح وهم فـي حالة سكر.
ولفت الى ظاهرة «مثيرة للقلق» فـي المدينة ناجمة عن وجود الأسلحة فـي المنازل التي قد يحدث فـيها عنف منزلي.
وقال تقع حوالي ١٥ حادثة اطلاق النار بطريق الخطأ لكنها غير مميتة فـي مدينة ديربورن فـي كل عام.
وأردف حداد ان السلاح المرخص يمكن أيضاً أن يشكل خطراً عندما يترك فـي سيارة غير مقفلة.. مشيراً الى أن «هناك أسلحة أكثر من الناس فـي الولايات المتحدة»، وأن أكثر من مليون من تلك الأسلحة يُبلَّغ عن انها مفقودة أو مسروقة، وفقاً لتقارير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي).
وأكد حداد ان انتشار السلاح بين أيدي المواطنين لا يقلل مستويات الجريمة، مشيراً إلى العديد من الإحصاءات لإثبات حجته، منها أن عدد أصحاب السلاح المرخص (CPL) تضاعف فـي ميشيغن خلال السنوات الخمس الماضية «فهل شهدنا انخفاضاً كبيراً فـي الجريمة؟ الجواب هو لا». وأضاف أن حوالي ٣.٢ مليون أميركي قد قتلوا بالأسلحة النارية منذ اغتيال الرئيس كينيدي فـي عام 1963.
حداد كان شاهداً على ٢٠٠ حالة من قضايا حملة السلاح أصحاب يدعي أصحابها استخدامه فـي الدفاع عن النفس أو لوقف الجريمة، لكنه قال ان عدداً قليلاً فقط تمت تبرئته من العقوبات القانونية وانه تم توجيه اتهامات للبقية بإساءة استخدام السلاح الناري.
وقال حدَّاد وهو يقف بجانب طاولة كبيرة مغطاة بمجموعة متنوعة من المسدسات والبنادق وغيرها من الأسلحة المصادرة «اننا لا نطلب من المواطنين القيام بحفظ السلام أو محاربة الجريمة فهذه مسؤوليتنا، والنّاس وضعونا فـي هذا المكان»، معرباً عن سخريته من القوانين الحالية التي تسمح بامتلاك بنادق آلية رشاشة.
سؤال عن الصحة العقلية لحملة السلاح
وقد اثيرت مؤخراً مسألة الصحة النفسية لمالكي الأسلحة بعد عدة عمليات تضمَّنتْ حوادث إطلاق نار مأساوية. فالرجلان اللذان نفذا مجزرتي مدرسة «ساندي هوك» ومسرح «أورورا» وقتلا ما مجموعه ٤٠ شخصاً، قيل إنهما مختلان عقلياً.
وقال سناتور الولاية موريس هود (ديمقراطي من ديربورن) أنه من الصعب تحديد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية إن لم يخرقوا القانون قط. واردف هود «ان مجلس نواب ميشيغن ذو الأغلبية الجمهورية، يحارب محاولات تطبيق قيود على مبيعات السلاح والسلامة العامة».
وقال شريف مقاطعة وين بيني نابليون ان «المشكلة تكمن فـي نظام الصحة النفسية فـي المقاطعة والتشريعات الأكثر صرامة ليست هي الحل لانه بالفعل من الصعب نسبياً الحصول على السلاح. وبدلاً من ذلك، أودّ أن ارى التركيز والاعتراف بشكل أفضل بقضايا الصحة العقلية».
واردف ان «العنف الموجود فـي مجتمعنا هو فـي المقام الأول بين الناس الذين لديهم ميول اجرامية، لا بين النَّاس الشرفاء الذين يحملون سلاحاً وأن العديد من الذين يتم حجزهم فـي سجن مقاطعة مطلوب منهم الخضوع لاستشارات نفسية».
وقال حجازي، صاحب محل الاسلحة فـي ديربورن، انه لم يخضع لامتحان اللياقة العقلية أو النفسية للحصول على ترخيص سلاح لكنه طلب منه ان يملأ مربعاً على طلب الرخصة يسأل إذا كان لديه مشكلة صحية عقلية.
اما أيوب، صاحبة المسدس المحجَّبة، فقارنت الأسلوب الحالي المتبع لتحديد الأهلية العقلية للحصول على رخصة سلاح بخطوة إنشاء علاقة عاطفـية جديدة. وتابعت «يقول الناس إنه لا يمكن بناء علاقة رومانسية فـي أشهر قليلة، لأنها غير كفـيلة بالكشف عن حقيقة الطرف الآخر» كما هو الحال بالنسبة للحالة النفسية للمتقدمين لطلب الترخيص.
وختمت بالقول «لا أحد يعرف ما قد يحدث لهم فـي وقت لاحق، أو ما هي خطوتهم القادمة».
Leave a Reply