خليل إسماعيل رمَّال
للمرة الثالثة على التوالي بعد تحرير راهبات معلولا والحجاج اللبنانيين الذين كانوا مخطوفـين فـي «اعزاز»، يقوم الرئيس السوري بشَّار الأسد، القائد الوفـي، بإنقاذ بلد الخردة العاق من نفسه ومن أخطائه فـيسهِّل عملية التفاوض والتبادل التي أدَّت أخيراً للإفراج عن ١٦ عسكرياً لبنانياً بعد ٢٠ شهراً فـي الأسر لدى سفَّاحي جبهة «النصرة» الإرهابية رغم أنَّ ثلاثة أرباع حكومة المحرَّرين هم من أعداء الحكومة السورية ومناصري المسلحين. وهذه المرَّة استجاب أيضاً الرئيس الأسد لطلب السيِّد حسن نصرالله، الذي لا يُرَدُّ له طلب عنده، بإطلاق سراح بعض المجرمين التكفـيريين من السجون السورية لإتمام الصفقة.
وكان السيِّد الذي تعرَّض سابقاً مع المقاومة لتطاول بعض زوجات الأسرى المحرَّرين اللواتي خضعن بالكامل لاستغلال الإرهابيين القَتَلة وقاطعي الرؤوس، خصوصاً زوجة العسكري جعجع، كان هو المفاوض السري الذي حل عقدة ربع الساعة الأخير بعد أنْ أضاف المجرمون مطالب تعجيزية فـي آخر لحظة كادت تطيح بالصفقة، فتنازل واتصل بأمير قطر رغم تآمر الأخير على سوريا، وشتان ما بين اتصال تمَّام سلام بتميم واتصال سيِّد المقاومة به. وتأكيداً على وفاء المقاومة لم تضمِّن أسراها فـي العملية حتى لا تفسِد نجاحها وهي على كل حال تعرف كيف تحرِّر مقاوميها الأبطال من براثن العدو التكفـيري وليست بحاجة لدولة ساقطة مارقة، ولكن يبقى القول بئس هكذا وطن لا تكون أولوياته التفاوض لتحرير مقاوميه البواسل الذين يدافعون عن الأرض والعرض.
ورغم هذه التضحيات الجسام من قبل المقاومة وسوريا، لم تُوجَّه كلمة شكر واحدة لهما من العسكريين الذين بدل أنْ يقبِّلوا يدي نصرالله والأسد على جهودهما الخيِّرة، بدأوا بإطلاق التصريحات العشوائية التي تشكر سجانيهم القَتَلة وعلى رأسهم كبيرهم التلي الذي علمهم السحر. وكان الحري بقيادة الجيش وقوى الأمن أنْ يمنعا أولاً هؤلاء العسكريين من الإدلاء بأي حديث ويخضعوهم ثانياً لاختبارات نفسية وعقلية وجسدية قبل إطلاقهم بين النَّاس كما تفعل كل دول العالم، لأن تصريحات بعضهم المهووسة المتهورة الذليلة لا يهضمها عقل ولا منطق رغم الحديث عن «متلازمة ستوكهولم»، وهو مرض نفسي ينجم عن تعاطف السجين مع سجَّانه! فإذا كانوا حضراتهم يصرِّحون تحت الأسر طبقاً لمنطق «النصرة» فما جعلهم يستمرون على نفس المنوال بعد رؤية شمس الحرية؟ لكن الأنكى منهم بعض أهاليهم الذين لا تنطبق عليهم «متلازمة ستوكهولم» إطلاقاً! فقد سألت إعلامية أحد هؤلاء الآباء كيف يشكر «النصرة» وهي ذبحت ثلاثة من رفاق إبنه، فما كان جوابه إلا أنه لا يعرف سبب الذبح!
إلا ان اللوم فـي نهاية المطاف لا يقع على الأسرى المبتلين ولا أهاليهم، بل على دولة مسخ الوطن التي كشَفَتْ المصادر أنها منعت الجنود من الدفاع عن أنفسهم وتسليم سلاحهم من دون إطلاق رصاصة واحدة رغم وجود كثيف للإرهابيين أمام مقرِّهم فـي عرسال، وتركت مصطفى الحجيري (أبو طاقية) المتآمر ينقلهم ويسلمهم للتلي كالخرفان. الحجيري الذي حكَمَتْ عليه دولة الخردة بالإعدام لن يعرِف دواءَه إلا اَل حمية الأشاوس الذين يحمِّلونه شخصياً مسؤولية ذبح ابنهم الشهيد!
هذه الدولة مستمرة، بل متواطئة، فـي الإبقاء على عرسال رهينة بيد الإرهابيين كشريط حدودي عميل رغم مخاطر هذا الدفرسوار العسكري الميداني الذي شهدنا تبعاته فـي سوريا والعراق. وهي التي تمنع المقاومة من تحرير هذه البؤرة التي شهدنا من خلال القناتين الإعلاميتين الرسميتين لـ«النصرة»، وهما «الجزيرة» وتلفزيون المر «أم تي ڤي» (التي تعبد بشير الجميِّل)، كيف أنها أصبحت مرتعاً لقاطعي الرؤوس وهم يتبخترون بأسلحتهم وكاميراتهم ويقومون بالتطبيع مع الرأي العام اللبناني والعربي، أما «السياديون» فـي شبه الوطن الذين اعترضوا على طلب روسيا المقتضِب بتغيير الملاحة الجوية، لا الانتهاكات الإسرائيلية اليومية، وأولهم وليد جنبلاط الذي لا يعتبر «النصرة» إرهابية، لم تستفزهم مشاهد الذبَّاحين الفَجَرة على الشاشات وهم يحتلون أرضاً لبنانية. وبعد إطلاق الأسرى أظن أنَّ من بقي مقتنعاً بأن مرجعية الإرهابيين ليست فـي قطر وتركيا هو إمَّا معتوه أو مكابر.
هذه الدولة لم تعد موجودة أصلاً وهي مصابة بلعنة «ميداس» بالمقلوب فكل ما تلمسه يتحول حجراً وعاراً وفساداً وفشلاً، وهي آخر من يعلم ولا تقدِّم أو تؤخِّر شيئاً اما النظام اللبناني الفقيد فلا يستحق حتى جنازة حامية.
Leave a Reply