محمد العزير
|تقدمت عضوا الكونغرس عن ولاية ميشيغن، ديبي دينغل والعربية الأميركية رشيدة طليب، برسالة خطية تطالب إدارة الرئيس بايدن بإصدار أمر تنفيذي يمنح اللبنانيين الموجودين في أميركا بلا إقامات دائمة أو الذين انتهت المهل القانونية لتأشيراتهم «حماية مؤقتة» Temporary Protected Statue لتمديد إقامتهم والحصول على اذن عمل بسبب تعذر عودتهم إلى وطنهم الأم الذي يعاني من تدهور اقتصادي حاد وفوضى سياسية وحكومية في ظل فقدان أو شح المواد والخدمات الأساسية، من وقود وطحين وخبز وأدوية وانقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه كامل، حتى من قبل المولدات الخاصة التي لا يجد أصحابها الفيول المطلوب لتشغيلها، فيما تهاوى سعر صرف الليرة أربعة عشر ضعفاً أمام الدولار الذي قفز سعره من 1,500 ليرة إلى نحو 20 ألفاً خلال بضعة شهور، وقفز معه مؤشرا التضخم والبطالة بمعدلات خيالية.
قوبل مسعى دينغل وطليب بتأييد فوري من عشرات النواب خصوصاً في الحزب الديمقراطي وبلغ عدد الموقعين على الرسالة حتى الآن أكثر من 80 عضواً بينهم شخصيات وازنة من رؤساء لجان نيابية وأقطاب مؤثرون في الحزب. تطلب الرسالة من وزير الأمن الوطني أليهاندرو مايوركاس منح الحماية المؤقتة التي لا تحتاج إلى قانون، وتعفي الذين أصبحوا مقيمين بشكل غير قانوني من الملاحقة وتسمح لهم بالحصول على إذن مؤقت للعمل. وسيكون أكثر المستفيدين من هذا التدبير الطلاب الذين لم يعد أهلهم قادرين على توفير مصاريفهم الجامعية بسبب امتناع مصارف لبنان عن الإفراج عن أموال المودعين، واضطر المئات منهم إلى التوقف عن الدراسة وفقدوا بالتالي تأشيراتهم الطلابية.
وترافقت الحملة النيابية مع مبادرة شعبية تنسقها الناشطة العربية الأميركية جنى الحاج حسن التي أطلقت منصات إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي لحث العرب الأميركيين خصوصاً من ذوي الأصول اللبنانية وأصدقائهم على توقيع عريضة شعبية والضغط على ممثليهم في مجلسي النواب والشيوخ لإسماع صوتهم إلى إدارة بايدن للتعجيل في حماية اللبنانيين من إجراءات الترحيل، فيما يبدو أن ضباط ومسؤولي دائرة الهجرة لا يزالون يعيشون أجواء الإدارة السابقة المعادية للمهاجرين.
الحملة بوجهيها البرلماني والشعبي لا تزال بحاجة إلى مزيد من الزخم لتشكيل حالة ضاغطة على الإدارة، خصوصاً وأن أربع سنوات عجاف من السياسات العنصرية والكيدية لدونالد ترامب تركت أثراً عميقاً في الرأي العام الأميركي الذي أصبح يعتبر الهجرة إلى أميركا أبرز «مشكلة» تواجه المجتمع متقدمة على التغير المناخي والجريمة ونمو الحركات اليمينية والفاشية الجديدة في الأوساط الأميركية.
الوجه الآخر لدعم حملة من هذا النوع، يتمثل في أنها فرصة جدية لتعديل مسار العلاقة الملتبسة بين العرب الأميركيين وبين قضايا الوطن الأم، وتخرج النشاط «الاغترابي» من تحت عباءة التبعية الكاملة لنخب الوطن الأم التي رأينا ونرى كيف أنها غير صالحة لتوفير مواد أساسية للناس، وغير آبهة بمصائر الملايين، من العراق إلى اليمن وسوريا ولبنان… فيما المنابر الدينية والسياسية مكتظة بالأصوات المرتفعة التي تسوّق للفتن والنزاعات وتلقي اللوم على الكون كله، ما عدا منظوماتها التي تسبح على بحر من الأموال العامة ولا يهمها انقطاع الكهرباء (لديها مولدات خاصة) ولا شح الوقود (تصلها كمياتها المحفوظة إلى البيت) ولا مصادرة أموال المودعين (يأخذون ما يشاؤون من المصارف باتصال هاتفي) ولا انقطاع الدواء (يتعالجون في الخارج) وكلما حاولت وزارة اظهار قدراتها الرقابية بإلقاء القبض على مواد محتكرة أو مخزنة تنتهي الغزوة بتبويس لحى… وأحياناً باعتذار رسمي من المحتكر. والمتابع لأخبار لبنان هذه الأيام يعتقد أن الحكومة تحولت بكاملها إلى مكتب حماية المستهلك، فيما وزارة الداخلية غائبة عن السمع بينما الناس يتضاربون ويتعاركون ويتبادلون النيران أمام محطات الوقود التي تكاد أية واحدة منها تتحول في «لحظة تخلي» إلى منطلق لشرارة حرب أهلية جديدة.
ليس انتهازاً ولا تطاولاً أن تتحول الحملة الشعبية للتوقيع على العريضة إلى نقطة تحول في نظرتنا وكيفية تعاملنا مع النخب الوطنية التي تضعنا كعرب أميركيين على رأس جولاتها وزياراتها الخارجية التي تكاد تكون لولا بعض الحياء مهمات جباية تتعاطى مع المغترب وكأنه يقطف المال من الشجر، فيأتي نواب ووزراء وموظفون وأرباب جمعيات وكله يريد التمويل تحت ألف مسمى، وكأن النهب الذي أفلس الوطن الأم وترجم نفسه عمارات ومصالح وطائرات خاصة واستثمارات لا يكفي حتى يتم اللحاق بالمواطن لنهبه في أقاصي الأرض.
من الشجاعة ومن الضروري أن تتغير قواعد اللعبة. لنبدأ مثلاً بإنقاص عدد الوجبات اليومية للزائر المحترم، لنقلل الولائم عدداً وحجماً. ولنقل لأخوتنا وأخواتنا هنا المرتبطين بمصالح تجارية أو سياسية أو حزبية هناك أن لدينا أولويات تتقدم على واجبات الزوار الرسميين.
الصبيّة التي بادرت إلى إطلاق الحملة الشعبية، جنى الحاج حسن، مولودة هنا وأمها مولودة هنا، لا تعرف ولا تحتاج أن تعرف ماذا حصل بين مغدوشة وعنقون ولا بين عكار العتيقة وفنيدق، ولا تعوزها رؤية مسؤول لبناني كائناً من كان. كل همها الآن، وهي تتجول وتسافر لإنجاح مبادرتها، أن تعرف أن وطناً أحبته عن بعد لا يزال لها فيه أقارب سيقدر يوماً أن يعيش كبلد طبيعي يمكنها زيارته إن أرادت، أو على الأقل ألّا تشعر بالخجل حين سماع أخباره في الاعلام، تماماً كما يشعر أي شاب أو صبية من لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا. هذا حقهم البديهي وواجبنا أن نساعد أبناءنا وإخوتنا.
لمن يريد المساهمة في الحملة الشعبية، المعلومات وطريقة التوقيع موجودة على الرابط التالي: www.tpsforlebanon.com
هذه فرصة متواضعة لكنها مهمة لنبدأ في قول كلمتنا المستحقة.
Leave a Reply