علي حرب – «صدى الوطن»
لم تترك أزمة المياه الملوثة أحداً من شرها فـي مدينة فلنت، بما فـي ذلك الجالية العربية الصغيرة التي تقطنها. وكسائر سكان المدينة، وجد عرب فلنت أنفسهم فـي قلب أزمة غير مسبوقة فـي تاريخ أميركا، مع كشف المسؤولين عن مستويات خطيرة من مادة الرصاص السامة فـي مياه الشرب بسبب تآكل البنى التحتية.
كارثة فلنت حملت الناشطة الفلسطينية الأميركية، منى الساحوري، على التحرك بسرعة لإغاثة السكان العرب فـي المدينة والذين يتوزعون على ٤٢ منزلاً بحسب الساحوري.
ودأبت ساحوري خلال الأسابيع الماضية على التوجه إلى المكاتب المحلية لجمعية «يونايتد واي» الخيرية، للحصول على عبوات المياه من أجل توزيعها على منازل العرب.
وعلى الرغم من وفرة عبوات المياه التي بعثتها السلطات والمتبرعون والمنظمات الإنسانية، إلا أن الساحوري كانت تحرص على أن الأسر العربية فـي المدينة لديها ما يكفـيها من مياه الشرب والخدمة.
وبعد محادثة قصيرة مع مسؤول «يونايتد واي»، اتصل بها الرئيس التنفـيذي للمنظمة متعهداً بإرسال إمدادات مائية غير محدودة لكنيسة «القديس جورج» الأرثوذكسية فـي فلنت.
وقالت ساحوري، وهي المديرة التنفـيذية «لمجلس التراث العربي الأميركي» ومركزه فـي فلنت، انه على الرغم من «الصورة النمطية السلبية عن المدينة، فقد أظهر المجتمع المدني فـي فلنت روحية كبيرة (للتعاون) معاً فـي مواجهة الكارثة».
خيبة الأمل
وذكرت ساحوري أن أول مرة لاحظت فـيها وجود مشكلة بالمياه كانت فـي مكتب «مجلس التراث العربي الأميركي» والذي يقع فـي مبنى بجوار حرم «جامعة ميشيغن» فـي فلنت، وتابعت بالقول «لون المياه كان غير عادي، لكن بعد حوالي ١٠ اشهر أخذت الجامعة تحذر الناس بعدم شرب المياه وقد اعتقدت يومها أن سبب المشكلة يعود للمبنى».
وتسكن فـي منطقة فلنت الكبرى جالية كبيرة من العرب الأميركيين، وفقاً للساحوري، لكنهم يعيشون فـي الغالب فـي الضواحي ولم يتأثروا بالأزمة، أما العرب الذين يسكنون داخل المدينة فكانوا الأكثر تضرراً. وقدر «مجلس التراث» عددهم بنحو ٤٢ أسرة عربية.
وأردفت الساحوري «إن المجلس يحاول نشر الوعي حول خطورة الأزمة وتوفـير المعلومات باللغة العربية لتوجيه وإرشاد المهاجرين العرب إلى الموارد المتاحة».
وأضافت أن العرب الأميركيين فـي فلنت لا يتفاعلون كثيراً مع المجتمع المحلي فهم يهتمون أكثر بالأخبار التي تبثها القنوات التلفزيونية الفضائية عن الشرق الأوسط بأخبار وسائل الاعلام المحلية.
وأردفت الساحوري بالقول «لكن مستويات الرصاص فـي المياه مرتفعة جداً، إلى درجة يمكنها أن تكون فعلاً فتاكة وهذا شيء لا يمكن الاستخفاف به ابداً.. ويجب على الناس معرفته».
ثقة أكثر من اللازم
نشوة مشرقي وهي من سكان فلنت، أكدت لـ«صدى الوطن» أنه قبل شهرين قالت مصلحة المياه لزوجها إن المياه آمنة، وأضافت «لقد صدقناهم وكنَّا نستخدم المياه أما الآن فبدأنا نستسلم للقلق. نحن نريد فحص أولادنا طبياً».
الساحوري التي تعرف مشرقي شخصياً، أفادت انها تعيش بالقرب من وسط المدينة ومن المرجح ان منزلها يتزود من شبكة مياه فلنت الملوثة، مضيفة أنها تخشى من أن العرب الأميركيين يثقون بالسلطة أكثر من اللازم، لأنهم يعتقدون أنها فوق شبهات الفساد التي تعوّدوا عليها فـي بلدان العالم العربي.
ولفتت ساحوري الى أن كثيراً من العائلات لجأت الى شراء المياه مما حملها أعباء مالية كبيرة لا تقدر عليها الأسر ذات الدخل المحدود، وأضافت «نحن نتحدث عن شراء المياه المعبأة فـي زجاجات للاستخدام اليومي، لا عن مياه الشرب فقط، بل ماء للاستحمام، ولأغراض الطهي وغسل الأطباق وغير ذلك».
إسراء درايسة، التي تعمل فـي مجلس التراث فـي فلنت وتعيش فـي إحدى الضواحي، أعربت عن غضبها الشديد «لأن الحظ وحده منع وصول المياه الملوثة الى بيتي»، مرددةً بأنها لا تزال قلقة على صحتها لأنها تأكل فـي مطاعم فلنت بانتظام «والحقيقة أن الولاية والحكومة الفدرالية لم تتصرفا بسرعة كافـية وهذا أمر مخيب للآمال»
الفقر.. وانحدار المدينة
وأكدت ساحوري أن «مجلس التراث العربي الأميركي» ينوي البقاء «بعيداً عن السياسة» والتركيز فقط على مساعدة السكان «فنحن لسنا فـي مجال اتهام أحد، نحن معنيون فقط بتقديم الدعم والمساعدة».
ولكن من دون الخوض فـي دهاليز السياسة الحزبية الضيق ، أعربت الساحوري عن الإحباط الذي تشعر به من الحكومة، محملةً النظام السياسي تردي الوضع فـي فلنت. وقالت «ان الناس غاضبون للغاية من هذه القضية، ولو كانت فلنت مدينة ثرية لكانت الأزمة عولجت بسرعة أكبر.. فلو وقعت هذه المشكلة فـي مدينة وست بلومفـيلد مثلاً، لم يكن أحد ليجرؤ على التستر والتعمية على الموضوع طول هذه الفترة».. «هكذا يقول البعض» أضافت الساحوري.
فـي الماضي غبر البعيد كانت فلنت مدينة تتمتع بالثراء، الى ان اصابتها لعنة تصدير الوظائف الى الخارج وتراجع صناعة السيارات فأصابها الكساد الاقتصادي. مثلاً شركة «جنرال موتورز» كانت صاحب الوظائف الرئيسية هناك. ولكن بعد أن أغلقت شركات صناعة السيارات مصانعها، تقلصت القاعدة السكنية وانخفض الدخل المتوسط. وكان يعيش حوالي ١٦٠ الف شخص فـي فلنت فـي عام ١٩٨٠ أما اليوم فـيقطن فـيها أقل من مئة ألف أغلبهم من السود والفقراء.
وأوضحت الساحوري أنه «خلال ذروة صناعة السيارات، لم يبال السكان بالحصول على شهادات جامعية لأنهم كانوا يحصلون على أجور عالية فـي المصانع وهم فـي سن مبكرة. وبالتالي، عندما اتجهت الصناعة نحو الأفول افتقر العديد من السكان للمهارات المطلوبة لسوق العمل، مما حمل الكثيرين على الرحيل وبقي الفقراء والساعون وراء فرص محدودة».
«إذا كان لدينا مجتمع محروم كهذا فـيجب أن يكون دور الحكومة تنمية هذا المجتمع عبر توفـير البرامج الاجتماعية المتكافئة»، أكدت ساحوري «وبدلا من ذلك، فإن الحكومة خيبت آمال هولاء السكان» بحسب قول الناشطة الفلسطينية.
ومع أن الساحوري امتنعت عن توجيه أصابع الاتهام إلى سنايدر، لكنها أشارت إلى «وجود دلائل تشير إلى حدوث فشل كبير فـي رد فعل الولاية».
فواتير
الأب جوزيف عبود راعي كنيسة «القديس جورج» الأرثوذكسية فـي فلنت أكد أن رعيته كانت فـي حالة صدمة بعد اعلامها عن وضع المياه وان العديد من أبناء رعيته لم يعرفوا حجم الأزمة حتى الشهرين الماضيين.
ويقوم الكاهن عبود بتنسيق الجهود مع «مجلس التراث» للتواصل مع الأسر العربية الأميركية وزيادة الوعي وضمان وصول المساعدات. وأعرب عبود عن خشيته من «أن هناك حاجز اللغة بين المهاجرين والمعلومات والموارد المتاحة لهم. إن أسوأ جانب من جوانب هذه الأزمة هو أن أفقر الفقراء يعيشون فـي المدينة». وأضاف أن «مستوى الخدمات فـي المدينة، بما فـي ذلك سلك الشرطة، ضعيف. الناس لا ينتقلون للعيش فـي فلنت إلا إذا كانوا مضطرين اضطراراً شديداً ولا يستطيعون العيش فـي أي مكان آخر».
وتابع عبود «على الرغم من جهود الإغاثة الفدرالية وجهود الولاية والحكومة المحلية الوفـيرة لتوزيع أجهزة التنقية والمياه المعبأة فـي زجاجات، الا ان المشكلة هي أعمق من ذلك بكثير. فالتآكل والصدأ فـي الأنابيب لا يزال يلوث المياه، وتغيير شبكة المياه بنظام مائي جديد قد يكلف مليار دولار. الناس لا تزال بحاجة للمياه ولا يوجد حل سريع لهذه المعضلة».
ويرى عبود ان «اعتذار الحاكم صادق وأن الغضب لا يحل المشكلة. ولكن يبدو أن هناك نوعاً من التستر على الفضيحة».
وأعرب عن أسفه من الآثار البعيدة الأجل للأزمة، قائلاً «ان السكان قد يتأثرون لأجيال قادمة وأنهم تعرضوا للإذلال مرة اخرى بعد فضيحة تلوث الماء عندما تم رفع أسعار الفواتير، والآن يطلبون من المواطنين دفع فواتير المياه التي لا يمكن استخدامها».
وختم عبود بالقول «إن شعب فلنت من دافعي الضرائب الذين لديهم حقوق ولا يطلبون صدقات من أحد». ورداً على سؤال حول استعادة الثقة فـي الحكومة خلص عبود الى القول «إذا جاء مسؤولو الحكومة بما يكفـي من المال لإصلاح البنية التحتية، عندها يمكن أن تبدأ عملية التعافـي».
Leave a Reply